خلافات قبيل خطاب التنحي.. ورفض الأمن والجيش إسكات هديل الثورة قلق أمريكي من البيان الأول للمجلس العسكري
حسم مبارك قرار التنحي بعد زيادة المتظاهرين وارتفاع سقف مطالبهم
ولتنحي تاريخ : مبارك أعلن التنحي مرغوما.. وعبد الناصر خجلا
ثلاثة أعوام مرت على ذكرى تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، ولم يتغير شيء في الواقع المصري، سوى ازدياد الانقسام والفرقة بين أطياف الشعب المصري، ذكرى فارقة في تاريخ مصر المعاصر. خرج في حوالي الخامسة والنصف من مساء الجمعة 11 فبراير2011 اللواء الراحل عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية في النظام الأسبق في خطاب على شاشات التليفزيون، ليعلن للشعب المصري "تخلي الرئيس محمد حسني مبارك عن رئاسة مصر، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد". وكان هذا الخطاب اللحظة الختامية لمغادرة مبارك وعائلته لقصر العروبة، لكن الساعات التي سبقت هذا الخطاب، حملت أسرارا كثيرة بدأت تتضح مع مرور الوقت. كواليس قبيل التنحي كانت هناك مناورات شهدها القصر الرئاسي قبيل التنحي، حيث أعلن عالم الاجتماع المصري الدكتور سعد الدين إبراهيم، قائلا "لقد كان من المفترض أن يعلن مبارك قرار تنحيه عن الحكم في خطابه الثالث الذي ألقاه بتاريخ 10 فبراير، بعد حالة توافق مشتركة بينه وبين الإدارة الأميركية، بأنه لا مفر من هذا القرار، ولكن في آخر لحظة تم تعديل الخطاب، ولم يعلن مبارك تنحيه ليخرج بالشكل الذي أثار مزيدا من الغضب لدى الشارع المصري والإدارة الأميركية في ذات الوقت، حيث اختلطت لديهم مشاعر الاستياء والدهشة في آن واحد من عدم تنفيذ مبارك لما وافق عليه". وكان خطاب مبارك السابق ليوم التنحي مفاجئا للجميع محليا ودوليا، وهوا ما جعل الجماهير الثائرة تتوجه إلى القصر الرئاسي، وكان هذا بالتحديد نقطة تحول جديدة، تمثلت في دور القوات المسلحة، ووفقا لما تردد على تصميم قيادة القوات المسلحة على التمسك بموقفها بعدم التعرض لهذه المظاهرات الزاحفة، ورفضت أيضا اقتراحا بنزول الأمن المر كزي لمواجهة هدير الثورة، وكان هذا الموقف هو بمثابة الحماية الأكبر للثورة ومكاسبها، و تزامن مع ذلك إعلان الدكتور حسام بدراوي عن استقالته كأمين عام للحزب الوطني، لأن الخطاب جاء مخالفا للمعلومات التي كانت بحوزته والتي عبر عنها بقوله أنه ينتظر أن يستجيب الرئيس مبارك لمطالب الشعب وكانت أهم مطالب الشعب هو تنحي مبارك. وقال مصدر في البيت الأبيض تابع الأحداث لصحيفة "واشنطن بوست"، وطلب عدم الإشارة إلى اسمه ووظيفته، إن نهار الخميس قبل خطاب مبارك عن تفويض سليمان، كان أكثر أيام البيت الأبيض توترا خلال سنوات كثيرة، نتيجة لتأكدهم من نية العسكريين عزل مبارك، وتأكدوا من أن العسكريين المصريين سيتحركون عندما صدر البيان الأول من المجلس العسكري الأعلى بأنه سيلبي مطالب المتظاهرين. وأقنع صدور البيان الأميركيين بأن العسكريين المصريين ليسوا فقط جادين فيما قالوا، ولكن، أيضا، يسيطرون على الوضع في مصر، مع مبارك أو من دونه. الأجواء السابقة لم تكن بمعزل عن الاتصالات الخارجية مع دول بعينها بجانب أمريكا وتابعت مشهد ثورة 25 يناير أولا بأول، مثل إسرائيل ودول عربية، هي بالتحديد الإمارات العربية المتحدة التي أرسلت وزير خارجيتها عبد الله بن زايد إلى مصر يوم الأربعاء 9 يناير، واجتمع مع مبارك وعاد إلى بلاده بعد أن مر على قطر، والتقى أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثان وأطلعه على تفاصيل اجتماعه بمبارك. وكذلك اتصالات حدثت بين مبارك ونائب الكنيست الإسرائيلي بنيامين بن أليعازر وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي السابق، وأحد أبرز الإسرائيليين الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع مبارك، ويدخل أيضا في مشهد اللحظات الأخيرة الاتصالات التي أجراها مدير المخابرات الأمريكية جيمس كلاير بمصر يوم الخميس 10 فبراير. الاستقرار على التنحي مع إصرار الثوار في ميدان التحرير، ورد فعل الشارع المصري على خطاب مبارك العاطفي كما كانوا يسمونه وعدم عدولهم عن مطالبهم بل بالعكس ارتفع سقف مطالب الثوار بتنحي مبارك عاجلا أم أجالا. ومع زيادة المطالب وزيادة الأعداد المتظاهرين في ميدان التحرير وعند القصر الرئاسي وإصرارهم على مطالبهم لم تكن هناك فرصة أخرى أو اختيار آخر، ووفقا لمعلومات تم حسم قرار التنحي بعد المظاهرات التي زحفت إلى قصر العروبة، لكن القرار تم تأجيله إلى يوم الجمعة للنظر واقعيا إلى حجم المظاهرات المتوقعة في هذا اليوم. ومع صبيحته انتهى الأمر تماما بين أطراف القصر، ورفض مبارك تسجيل خطاب التنحي، وأحال الأمر إلى عمر سليمان، وبالرغم من أن القرار تم اتخاذه مبكرا؛ إلا أنه تم الاستقرار على إذاعته بعد أن يكون مبارك غادر القاهرة متوجها إلى شرم الشيخ هو وأسرته. ومع الرحيل كانت حرائق كبيرة تشب في أوراق القصر، لا يعرف أحد مدى طبيعتها، وما تحتويه من أسرار، وما إذا كانت خاصة بالعائلة أو بأمور سياسية سارت عليها الدولة طوال ثلاثين عاما مضت من عمر مصر. خرجت العائلة قبل انتهاء صلاة الجمعة بقليل من قصر العروبة على طائرتين هليوكوبتر، الأولى عليها الرئيس وسكرتيره الخاص، والثانية تحمل حراسه ومرافقيه، بحراسة 4 أفراد من القوات الخاصة، وفور أن حطت الطائرة في مطار شرم الشيخ، نقلت سيارة مرسيدس مبارك إلى مقر إقامته في حراسة الحرس الجمهوري والقوات المسلحة كما كانت هناك طائرة أخرى بعد طائرتين الرئيس عليها علاء مبارك وزوجته وابنه عمر، بالإضافة إلى خديجة الجمال زوجة جمال وفريدة ابنتهما، وبعدها بساعات سافرت سوزان مبارك على متن طائرة خاصة. رد فعل الشارع عقب خطاب التنحي قبل إذاعة بيان التنحي على التلفزيون المصري بدقائق قليلة، وجهت قوات الجيش التي كانت تقوم بحماية قصر الرئاسة بتغيير وجهة فوهات مدافع الدبابات والمدرعات نحو القصر الجمهوري وقوات الحرس الجمهوري، تحسبا لوقوع أي اشتباكات وتأمين المواقع الحيوية، وفي هذه اللحظة عمت فرحة عارمة بين جموع المصريين في أنحاء الجمهورية. فيما عمت الفرحة والاحتفالات شوارع غالبية الدول العربية بإعلان تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن السلطة، علقت الأوساط السياسية والإعلامية العربية عن هذا الحدث الذي اعتبروه "خطوة في الاتجاه الصحيح" على طريق احترام إرادة الشعب. وتتالت ردود الفعل من الداخل والخارج مرحبة بذلك.. وكان الترحيب على مستوى زعماء العالم والدول العربية. الفرق بين عبد الناصر ومبارك يذكرنا هذا الحدث بمقارنة بين تنحي الرئيس الأسبق مبارك، وموقف تنحي الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي شعر بالخجل بعد النكسة وأعلن عن تخليه عن السلطة في خطاب التنحي المطول الذي ألقاه عبد الناصر على الشعب وبثه التليفزيون المصري في 9 يونيو 1967؛إلا أن الجماهير خرجت في مظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء والاستعداد للحرب، ورضخ عبد الناصر لرغبة الجماهير واستمر في منصبه بناءا على طلب شعبه وحبه الجارف له، لم يفعل الشعب مع مبارك كذلك، وإنما الشعب وغضبه ونقمه على نظامه هو من خلع مبارك من منصبه. الإعلام وقرار التنحي كان الإعلام له دور كبير في الأحداث منذ اندلاع ثورة يناير حتى الآن من وسائل الإعلام المصرية مرورا بالعربية والأجنبية، كانت البعض من وسائل الإعلام المصرية قد اتجهت إلى قدر من التحفظ في البرامج الحوارية لدى مهاجمة نظام حكم مبارك، وابتعدت عن هذا التحفظ بعد نجاح الثورة في إقصاء الحكم. أما رد الفعل الإعلامي الدولي إجمالاً، فقد جاء مناهضًا للنظام، مؤيدًا لأهداف الثورة، وشكل هذا الإعلام عنصر ضغط مباشر طالب مبارك بنقل السلطة سريعًا، وكان في الطليعة من ذلك الإعلام الأمريكي، والإعلام بدول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن المصادر الإعلامية في تركيا، واليابان، وكندا. منذ تنحي مبارك عن الحكم مرت على مصر ظروف عصيبة، خلال ثلاث سنوات لم تشهد البلاد استقرارا، وعمت الفوضى والانقسام بين المجتمع المصري واختلاف بين أطيافه حتى التجربة الديمقراطية الوحيدة التي شهدها الشعب بانتخاب رئيس للبلاد لم تنجح ولم تستمر طويلا.