في تقرير المحقق كينيث ستار الأثير الذي أقضّ مضجع رئاسة بيل كلينتون عام 1998، نجد أكثر من إشارة الى "أوراق العشب"، ديوان والت وايتمان. من بينها ان الرئيس الاميركي الأسبق وفي عز اندفاعه "الرومنطيقي" قد أهدى إحدى نسخ الكتاب الى المتدربة السابقة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي، وانها قدرت المبادرة بحماسة لافتة. كانت تلك المرة الثانية يذكر فيها "أوراق العشب" في فضيحة تجري في واشنطن. كانت الباكورة عام 1865 خلال عمل الشاعر في واشنطن موظفا في مكتب شؤون الهنود في وزارة الداخلية. في إحدى جولاته الاستطلاعية، "وقع" الوزير في مكتب وايتمان، على نسخة من "اوراق العشب" الصادر قبل عقد من الزمن. حمل الوزير بين يديه "كتاب الاثم" الذي كان يراجعه صاحبه ويخربش على صفحاته الملاحظات والتنقيحات. أدرك في برهة ان مستخدمه "انسان خاطئ، وعاشق متحرر من القيود يستحق العقاب"، وهذا تماما ما كان. استغنى الوزير عن خدمات وايتمان، لكن الامر لم يزعزع الشاعر، بل على العكس، منحه دفعا لإيجاد وظيفة أخرى في مكتب المدعي العام وللاستفادة من الفضيحة، ليحظى ديوانه برواج متزايد. في كل حال، كان وايتمان اعتاد ردود الفعل العنيفة على "أوراق العشب" منذ نشره على نفقته الخاصة. هذا الكتيب الذي تضمن اثنتي عشرة قصيدة، والذي سيراجعه ويعدّله مرات عدة خلال أربعة عقود، أقام المؤتمنين على الفضيلة ولم يقعدهم. نال سهام النقد العنيف بسبب احتفائه بالجسد والحب الجنسي، وأيضا لاستخدامه الأبيات المفتوحة على البنى الطبيعية والعضوية. وفي حين قرأه ابراهام لينكولن مؤيدا، انتفضت اميلي ديكنسون على لغته الوقحة وموضوعاته المشينة. "أوراق العشب" انعطاف في مسار الأدب الأميركي، ديوان منعش وجريء، موضوعا واسلوبا، وهو منح صوتا لرؤية متفائلة وبلاغية اعتنقت التجارب المختلفة لشعب متنوع المشارب اتسع صدره للرق والمهاجرين. عبّر وايتمان، وهو أحد أتباع ايمرسون، صاحب نظرية التسامي، عن مقاربة معلّمه للانسان والكون. جسّد فكرة وجود شيء أعظم من الانسان يمكننا تلقفه في مسار الحياة اليومية، في حال استطعنا الحفاظ على ردود فعلنا "البدائية" وتفادينا ان نقوقع حكمتنا ضمن عقائد. لكن وايتمان ذهب أبعد من ايمرسون في "أوراق العشب"، فلم يرغب في الشعور بهذا الشيء فقط ولكن أيضا في تحسسه ماديا. وهذا ما جعله يستقطب على مر السنوات، عددا متزايدا من القراء قدّروا انجازه الفني ووصفه لأميركا متجددة، سمتها الديموقراطية وانفتاحها على الثقافات. ** منشور بجريدة "النهار" اللبنانية 26 سبتمبر 2007م