كانت معرفتي بالمفتي بعد خروجي بريئا من قضية حادثة الفنية العسكرية عن طريق الأخ حسن هلاوي رحمه الله الذي كان يدرس في الأزهر وكنا وقتها مهمومين بقضية العذر بالجهل وهي ببساطة هل ُيعذر المسلم بجهلة في قضايا العقائد التي تكون فيها الأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة أم لا. وبحث القضية احتاج منا إلى مجهود ضخم فنحن تعليمنا لم يكن أزهريا باستثناء الأخ حسن هلاوي رحمه الله كان مازال يدرس في الأزهر وكان يفوقنا علما بسبب دراسته في الأزهر فأتيته من الإسكندرية إلى القاهرة في الطالبية حين كان يسكن وذهبنا سويا لأخ يثق في علمه فذهبنا له في بيته وأذكر أنه كان يملك مكتبة كبيرة لعلها الأكبر في نظري حينئذ وكان ذلك هو الشيخ على جمعة وقد دلنا على مخطوط في لبنان يقطع بالعذر بالجهل للمسلم وشكرناه وتركناه وذهبنا. والشيخ على جمعة هو نسيب للشيخ على عبده اسماعيل أخو الشيخ عبد الفتاح اسماعيل شهيد الإخوان في قضية 1965 . فما الخلاف مع السلفيين فأول مسألة هي أن الشيخ على جمعة أشعري المذهب في العقائد وهو بذلك يمثل غالب علماء الأزهر الشريف والمذهب الأشعري هو مذهب غالب أهل الإسلام وعند جمهور العلماء مذهب الأشاعرة من مذاهب أهل السنة والجماعة ومعه المذهب الماتريدي المنتشر عند الأحناف في شرق أسيا ومذهب أهل الحديث المنتشر في شبه الجزيرةالعربية. فالسلفيون في الحقيقة يمثلون مذهب أهل الحديث الذي على رأسه الإمام أحمد بن حنبل مرورا بشيخ الإسلام ابن تيمية ثم الشيخ محمد بن عبد الوهاب وآل الشيخ من بعده. وبعض السلفيون يرون أن مذهب الأشاعرة و الماتريدية ليس مذهب أهل السنة والجماعة. ويعتبرونه أقرب لهم من مذاهب الشيعة والمعتزلة وغيرهم إلا أنه ليس مذهب أهل السنة والجماعة. وذلك الحكم يجعل أغلب أهل الإسلام ليسوا أهل سنة وجماعة فأغلب أهل الإسلام على مذهب الأشاعرة والماتريدية. والمعتنقون لمذهب أهل الحديث قلة يدعون أنهم الطائفة المنصورة التي على الحق. ولعلم من لا يعلم كان محمد الفاتح أشعريا وصلاح الدين الأيوبي أشعريا والإمام الغزالي صاحب كتاب الإحياء أشعريا والشيخ متولي الشعراوي أشعريا والشيخ حسن البنا أشعريا ومن راجع التاريخ يعلم أن مشاهير العلماء كانوا أشاعرة أو ماتريدية ومنهم أهل حديث . ولا بأس أن يدعو السلفيون لمذهبهم ونحن ضد إقصائهم ونرى أن تلك الخصومة خصومة علمية وكيف أطلب من أحد أن يغير قناعته غصبا أو ضغطا. ولعل السلفيين ينجحون في تغيير الناس إلى مذهبهم وهذا حقهم وليس معنى أن أكثر الناس يخالفونهم أن يتخلوا عن أفكارهم بالعكس فأنا أرى أن نفسح لهم المجال ليعبروا عن قناعتهم بجوار إخوانهم من أصحاب المذاهب الأخرى. وعلى الأزهر أن يفتح أبوابه لأبناء مصر جميعا سواء كانوا على مذهبه أو يخالفونه المذهب. ولا شك أن مذهب أهل الحديث يدرس في الأزهر وله علماؤه المعتبرون. وأن أقصى ما يتعرض له الداعي إلى مذهب ما أن يتهم في دينه وخلقه. ولعل أدأب الإسلام المتفق عليها بين كل المذاهب تنهى عن العدوان وعن الغمز واللمز والغيبة . ولعلنا نتعلم أدآب الخلاف - قبل أن نجادل عن مذاهبنا وأفكارنا فكم من مجادل يخسر حسناته وهو محق وكم من مخطئ يكسب حسنات بخلقه. وما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. وعلينا جميعا أن نقدم إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة للدين. والآن- وبعد - أن أخذ السلفيون حقوقهم نرحب بهم في العمل العام وهم إضافة لقومنا ومن حقهم عرض وجهة نظرهم دون تعدي على أحد وهم يحرزون تقدما ملحوظا وأخشى أن تكون معركتهم مع المفتي لا تصب في مصلحة مرجعيتنا جميعا وهو الإسلام الحنيف. وأطالب الأخ المفتي الذي أعلم أنه على قدر كبير من العلم والمعرفة وأنه قد فاقنا علما لتخصصه فهو أخ قبل أن يكون مفتيا أن يتنازل عن أي قضية في المحاكم مع السلفيين ويراعي ما تعرض له إخواننا السلفيون من إقصاء وظلم ويحتسب أجره عند الله. وأنصح الأخوة السلفيين بالترفق بنا جميعا فمذهبكم جديد على كثير منا والقول اللين أولى من غيره. وعليكم أن تدركوا أن تغيير المذاهب صعب وعليكم بالصبر وحسن الخلق والدفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. ياسر سعد