سيناريوهات أربعة للملف النووي الإيراني ناصيف حتي أشهر ست حاسمة في منحى الأزمة الحاكمة بشكل أساسي للتفاعلات في الشرق الأوسط الكبير: الأزمة التي تتواجه فيها بشكل أساسي واشنطنوطهران تحت عنوان »النووي الإيراني« ولكنها في حقيقة الأمر مواجهة حول مشروعين استراتيجيين في المنطقة دون أن يعني ذلك بالطبع عدم وجود صراعات أخرى عربية عربية أو عربية إقليمية أو عربية دولية تغذي وتتغذى على »أم الأزمات« في المنطقة.
في حين تقول واشنطن ان كل الأوراق على الطاولة موحية بأن الخيار العسكري مازال قائما أو أنه على الأقل مازال غير مستبعد مؤكدة أنها تفضل التسوية الدبلوماسية ومراهنة بشكل أساسي على دور الخمس زائد واحد (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن مع ألمانيا).
إلا أن اقتراب واشنطن السياسية من موعد الانتخابات الرئاسية وما يرافقها من انكماش سياسي نحو الداخل وللمفارقة في وقت تزداد بعض أزمات المنطقة الأساسية لواشنطن تأزما مثل الموضوع العراقي والحاجة للتوصل لمعاهدة أميركية عراقية في هذا الشأن تنظم الوجود الأميركي ابتداء من مطلع 2009 واستفحال الأزمة عنفا في أفغانستان كل ذلك يبطئ لا بل يثقل قدرة واشنطن على القيام بحركة غير عادية في ما يتعلق »بأم الأزمات«.
من جهتها تعتبر إسرائيل أن الخطر الإيراني خطر وجودي. وقد صار بالنسبة لها الخطر الأول في المنطقة بالمفهوم الاستراتيجي للمخاطر متخطيا »الخطر الفلسطيني« ويحظى هذا الخطر بإجماع في المؤسسة الاستراتيجية والسياسية الإسرائيلية خاصة إذا تذكرنا أن العقيدة النووية الإسرائيلية تقوم على وحدانية امتلاكها للعنصر النووي في المنطقة ومنع أي قوة من امتلاك هذا العنصر تحت أي مسميات كانت.
ويظهر التوتر الإسرائيلي من خلال التصريحات »المحسوبة« والتي تهدد باللجوء إلى الخيار العسكري كما فعل شاؤول موفاز وزير النقل الذي سرعان ما قيل إن هذا رأيه الشخصي أو المناورات العسكرية لضربة بعيدة وهي بمثابة عرض عضلات هدفها دون شك الضغط على إيران ولكن هدفها أيضاً توجيه رسالة إلى أصدقاء إسرائيل بضرورة عمل شيء ما قبل دفع هذه الأخيرة إلى الخيار العسكري.
ويبدو أن هنالك سيناريوهات أربع يمكن التوقف عندها: السيناريو الأول قوامه الاستمرار في تقطيع الوقت يرافق ذلك دون شك رفع منسوب التوتر الكلامي والتهديدات وترحيل الأزمة إلى ما بعد التغيير الرئاسي في واشنطن ربما بغية التوصل إلى صفقة ما بين إدارة أميركية جديدة تكون أقل إيديولوجية وشخصنة في نظرتها إلى إيران ولو كانت متشددة استراتيجيا فيما لو وصل جون ماكين إلى الموقع الأول في واشنطن.
سيناريو من هذا النوع تكون مسبباته عدم القدرة على القيام بأي عمل عسكري وعدم القدرة على أعمال استراتيجية ردع تغييري ضد إيران بوسائل اقتصادية وسياسية غير عسكرية بسبب غياب توافق فاعل وقوي على الصعيد الدولي كشرط ضروري لهذا الخيار.
ويناسب هذا السيناريو بشكل خاص إيران التي »تشتري« الوقت لبناء قوتها النووية وللتوصل كما يقول خصومها وأعداؤها إلى امتلاك قدرة تخصيب مرتفعة تسمح لها بامتلاك القدرة النووية العسكرية إذا شاءت، والتحول إلى النموذج الياباني أي الحصول على قدرة إنتاج السلاح النووي دون انتاجه.
قد يؤدي ذلك إلى واحد من احتمالين، إما اللجوء إلى سياسة ردع واحتواء لإيران »اليابانية« تذكر بسياسة الردع والاحتواء بالحرب الباردة، والاحتمال الثاني قوامه التوصل مع إدارة أميركية جديدة إلى تسوية شاملة مع إيران عبر سياسة الانخراط معها والاعتراف بدورها ومكانتها الإقليمية دون أن يعني ذلك تحديدا القبول بالدور الراهن لإيران أو المكانة التي تحددها لنفسها.
سيناريو ثاني قوامه ازدياد العقوبات وتحولها إلى عقوبات موجعة وفعالة ومشكلة للاقتصاد الإيراني قد تدفع إيران إلى إحداث مرونة في موقفها من المنظور الغربي تسمح ربما في إطلاق مفاوضات جدية حول الملف النووي، ولكنه سيناريو مستبعد لأنه مبني بشكل شبه كلي على سياسة العصا.
السيناريو الثالث وهو قد يتأتى من السيناريو الثاني وكتجاوب إيراني معه قوامه التوصل إلى توافق الحد الأدنى بين سلة الحوافز التي قدمتها المجموعة الدولية والتي تحمل جديدا قوامه الاعتراف لإيران بدور إقليمي يتعلق بالية للتشاور بشأن ترتيبات للأمن الإقليمي مثل عقد مؤتمر دولي لهذا الأمر.
وأهمية هذه الحوافز أنها تقدم جديدا خارج الملف النووي لتكون هذه الحوافر بمثابة الجزرة الجاذبة لإيران ولتكون وهذا هو الأهم بمثابة اعتراف ضمني بوجود ترابط بين الملف النووي والملفات الخلافية الأخرى في المنطقة وأنه لا يمكن معالجة الأول دون الاعتراف بضرورة التحاور مع إيران في الملفات الأخرى.
ويقول الإيرانيون أن هنالك نقاط التقاء بين سلة الحوافز هذه والأفكار التي اقترحوها ولا بد هنا من التذكير بأمرين أولهما التأكد من مدى دعم واشنطن لهذه المقاربة الجديدة بعض الشيء عبر سلة الحوافز خاصة أن واشنطن رفضت بشدة الاقتراح الروسي عشية بلورة سلة الحوافز هذه بإشراك طهران في ملفات التسوية في الشرق الأوسط مما يعني شرعنة لمكانتها ولدورها الإقليمي.
الملاحظة الثانية ما تحدث عنه خافيير سولانا خلال زيارته لإيران في إطار تقديم سلة الحوافز عندما دعا إلى ما سمي بمعادلة التجميد مقابل التجميد لتسهيل سلة الحوافز المقدمة وقوام هذه الفكرة أن الإيرانيين يجمدون تطوير عملية التخصيب فيما يستمرون على المستوى القائم حاليا مقابل عدم تجميد المجتمع الدولي للعقوبات القائمة ولكن »تجميد« تطويرها.
ويكون التجميد مقابل التجميد بمثابة مقاربة جديدة، مقاربة ما قبل المفاوضات، تشكل إخراجا لائقا لكل من الفريقين وحفاظا على ماء الوجه للتفاوض. لكن هذا السيناريو يبقى أسيرا لمواقف متشددة هنا وهناك قد لا تريد ولوج باب التفاهم الأميركي الإيراني.
السيناريو الرابع الذي يمكن وصفه بالسيناريو الكارثي قوامه توجيه ضربة عسكرية إلى إيران في فتحة زمنية بين الرابع من نوفمبر القادم موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية و20 يناير المقبل موعد انتقال الرئاسة الأميركية إلى الفائز الجديد.
الحكومة الإسرائيلية تشجع واشنطن على القيام بذلك ولو أن الأمر مستبعد أميركياً بسبب ما أشرنا إليه فيما يتعلق بالوضع الأميركي وبسبب مخاطر ذلك مباشرة على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وعلى مصالح أصدقاء واشنطن حيث تبدو واشنطن رهينة لإيران في مواقع عديدة في إطار هذا السيناريو وخاصة في العراق.
انه سيناريو يمكن وصفه بسيناريو الفوضى المطلقة بامتياز والمرجح أن تقوم إسرائيل بهذه العملية باعتبار أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تقول إن إسرائيل في سباق مع الزمن قبل حصول إيران على قدرة نووية عسكرية توفر لها الحماية والضمانة وتدخلها بالتالي إلى النادي النووي وتنقل الصراع إلى مجال آخر كليا مسقطة الصراع حول النووي الإيراني وحسب التقديرات الإسرائيلية فإن إيران قد تصل إلى امتلاك القدرة النووية العسكرية خلال فترة تراوح بين عام ونصف وعامين.
ضمن هذا السيناريو تقوم إسرائيل بتوجيه ضربة خاصة إذا ما انتخب باراك أوباما في واشنطن باعتبار انه أكثر ليونة تجاه إيران وهو ضد المواجهة معها ومع سياسة الانخراط التي تتخوف منها إسرائيل ويكون هدف الضربة الإسرائيلية إحداث تأخير كبير في البرنامج النووي الإيراني يدفع إيران حسب القراءة الإسرائيلية في هذا السيناريو لإعادة النظر في سياستها النووية.
ويعتبر أصحاب هذا السيناريو أن »تكلفة« الفوضى والحروب بأشكال مختلفة في الشرق الأوسط التي ستنتج عن هذه الضربة تبقى اقل بكثير من تكلفة امتلاك إيران للعنصر النووي بالنسبة لإسرائيل.
كلمة أخيرة يبقى الغياب العربي ساطعا في هذا المجال والعرب هم المسرح الاستراتيجي والأكثر تأثرا بأي من هذه السيناريوات. ويبقى المطلوب ولو يبدو مستبعدا بلورة استراتيجية عربية تمنع الصدام والسيناريوات الكارثية المختلفة وتسمح لهم بحفظ مصالحهم وإبعاد شبح الدمار عنهم وعن المنطقة. عن صحيفة البيان الاماراتية 28/6/2008