هدنات بانتظار " إسرائيل الألمانية " سعد محيو ثمة شبه غريب حقاً بين ما يحدث على الجبهات العربية “الإسرائيلية" الآن، وبين ما حدث في أواخر أربعينات القرن العشرين. في 24 فبراير/ شباط ،1949 وقعت مصر مع “إسرائيل" “اتفاقية الهدنة"، وتبعها في العام نفسه لبنان في 23 مارس/ آذار، ثم شرق الأردن في 3 ابريل/ نيسان، وسوريا في 20 يوليو/ تموز. هذه الاتفاقات لم تكن معاهدات سلام، ولا تمهيداً لمعاهدات سلام، ولم تضع حدوداً نهائية لكل من الدولة العبرية والدول العربية المجاورة. كانت مجرد إجراء لمراقبة وقف إطلاق النار بإشراف حفنة من مراقبي الأممالمتحدة.
الآن يتكرر المشهد نفسه تقريباً، لكن من دون جنود القبعات الزرق (حتى الآن على الأقل). فثمة هدنة أبرمت قبل أيام بين تل أبيب وبين غزة الحماسية، سبقتها اتفاقية هدنة من نوع ما بين مصر و"إسرائيل" تتضمن قيام الأولى بإغلاق الأنفاق الحدودية في رفح وضبط الأمن هناك. وعلى الطريق اتفاقية هدنة أخرى بين لبنان و"إسرائيل"، إذا ما سار كل شيء على ما يرام في مفاوضات مزارع شبعا والأسرى. أما على الجبهة السورية “الإسرائيلية"، الهادئة أصلاً، فالهدنة التي يجري العمل عليها في اسطنبول، تتعلق أساساً ب “أمن المصالح الإقليمية" أكثر منها بالسلام الثنائي. لكنها في النهاية هدنة.
بيد أن أوجه الشبه لا تقتصر على الشكل. المضمون أيضاً يبدو متطابقاً. فكما أن هدنات 1949 ولدت بسبب حاجة القوى المتحاربة إلى حقبة هدوء تعيد فيها ترتيب أوضاعها وتنظيم قواتها وتقييم حساباتها، كذلك هدنات 2008 برزت على إثر حروب منهكة لكل الأطراف، خاصة حربي لبنان (2006) وغزة (2007 2008)، أملت على كل الأطراف الحاجة إلى التقاط الأنفاس.
وبالطبع، حين تكون المقدمات متشابهة، تميل النتائج إلى أن تتشابه أيضاً.
فلا أحد، على سبيل المثال، يعتقد أن الهدنة على جبهة غزة ستدوم طويلاً. لا “حماس" ستكون في وارد تحويل الهدنة المؤقتة إلى سلام دائم، ولا “فتح" ستقبل بأن تحل حماس مكانها في قمرة التفاوض الشرق أوسطي، ولا “إسرائيل" ستستطيع التعايش طويلاً مع قوة صاروخية تنمو باستمرار على حدودها الجنوبية.
لا أحد، على سبيل المثال أيضاً يفكر، مجرد تفكير، بأن لبنان قادر على تحويل هدنته المرتقبة مع “إسرائيل" إلى سلام، حتى ولو تم تجريد المقاومة من سلاحها، من دون موافقة سوريا.
أما في سوريا نفسها، فالمؤكد أن الهدنة “الإقليمية" التي يجري العمل عليها الآن، ستكون معلقة دوماً بخيط رفيع يربطها بموازين القوى بين إيران وأمريكا. وقطع هذا الخيط ليس وارداً قطعاً في ذهن القيادة السورية، طالما بقيت هذه الموازين في وضعيتها الراهنة.
كل ما يجري، إذاً، مجرد هدنات مؤقتة. لكن، وعلى عكس هدنات ،1949 قد لا يكون وقف النار الراهن تمهيداً لحروب جديدة في الهلال الخصيب وحده، بل أيضاً لمواجهات عنيفة لاحقاً أيضاً في الخليج العربي. فليس صدفة أن يترافق بدء توقيع الهدنات مع التدريبات الجوية الضخمة التي أجراها سلاح الجوي “الإسرائيلي" فوق المتوسط والتي حاكت عملية قصف إيران. وليس صدفة أيضاً أن يبلغ إيهود باراك صحيفة فرنسية بأن عمليات التهدئة في الهلال، هي في الواقع جزء من عملية التصعيد ضد إيران.
إنه التاريخ يعيد نفسه في الشرق الأوسط: هدنات تليها حروب تليها هدنات.. إلخ. إلى متى؟ ربما إلى أن يقتنع “الإسرائيليون" بأن مشروع الصحافي اليهودي رونين إيدلمان بنقل دولة “إسرائيل" بقضها وقضيضها إلى مقاطعة فيمار الألمانية، هو “الحل النهائي" الحقيقي للمسألة اليهودية! عن صحيفة الخليج الاماراتية 22/6/2008