نقيب الأطباء: تأمين المستشفيات وتحسين أوضاع الأطقم الطبية أهم الملفات أمام المجلس الجديد (فيديو)    رفعت فياض يكتب: تزوير فاضح فى درجات القبول بجامعة بى سويف الأهلية قبول طلاب بالطب وطب الأسنان والآداب بالمخالفة حتى وصلوا للسنة الثالثة    انتهاء اليوم الثالث من تلقي أوراق الترشح في انتخابات مجلس النواب 2025    سمير فرج يكشف عن خطة مكافحة «مرض الخنادق» في حرب أكتوبر    مصر للطيران توقع بروتوكول تعاون مع مؤسسة راعي للتنمية    مياه كفر الشيخ: انقطاع المياه لمدة 12 ساعة عن مركز ومدينة بلطيم اليوم    نائب محافظ المنيا يتفقد أعمال تطوير ميدان النيل ومجمع المواقف    واشنطن ترسل قوات لإسرائيل لضمان تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    الأمن العام اللبناني: تفكيك شبكة تجسس إسرائيلية خططت لأعمال إرهابية واغتيالات    كوت ديفوار يكتسح سيشل بسباعية في تصفيات كأس العالم    الحضرى يشيد بدور الرئيس السيسى فى إيقاف الحرب على غزة واتفاق شرم الشيخ    مصرع أب وابنه غرقا بمياه النيل قرب محطة العلالمة ببني سويف    نيابة العامرية تطلب تحريات العثور على جثة فتاة مقتولة وملقاة بالملاحات في الإسكندرية    الداخلية تكشف حقيقة فيديو "التحفظ على دراجة نارية دون سبب" بالجيزة    تامر عاشور يواصل تجهيز ألبوم الشتاء ويسجل أغاني جديدة    إيهاب فهمى عن إيقاف الحرب على غزة بعد اتفاق شرم الشيخ: مبادرة ومباراة رائعة    قصر ثقافة الطفل يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر    في اليوم العالمي للبيض، 6 أسباب تجعله أكثر الأطعمة صحة على الإطلاق    وزير الصحة يوجه بتكثيف المرور الميداني ل12 محافظة لإتمام 28 مشروعا صحيا    خبير قضايا الجرائم الإلكترونية: دليل سريع لتأمين الراوتر وكلمات المرور    مواهب مصرية في الملاعب الأوروبية تنضم للمنتخبات    الخارجية الفرنسية: علينا تقديم الدعم اللازم لاتفاق شرم الشيخ لوقف إطلاق النار بغزة    "سلامتك تهمنا".. حملة من «النقل» لمواجهة السلوكيات الخطرة على قضبان السكة الحديد    أكشن وأحداث غير متوقعة.. موعد وقنوات عرض مسلسل المؤسس أورهان الموسم الأول    الإعلان التشويقي لفيلم "ولنا في الخيال.. حب؟" يمهّد الطريق لعرضه قريبا    برلماني: الرئيس السيسى صنع الفارق فى المنطقة    النقض تحدد 22 أكتوبر لنظر طعن مضيفة متهمة بقتل ابنتها على حكم سجنها 15 سنة    مكتب رعاية المصالح الإيرانية يهنئ المنتخب بتأهله لكأس العالم: إنجاز للأبطال المصريين    الزمالك: ندرس ضم مدرب عام مصري لجهاز فيريرا    شيخ الأزهر والمفتى ووزير الأوقاف يعزون المهندس إبراهيم محلب فى وفاة شقيقته    لبنان: بيروت ودمشق اتفقتا على تشكيل لجان مشتركة لمعالجة الملفات العالقة    فرنسا: العنانى قاد بحملته الدقيقة تحديد رؤية دولية لدور يونسكو والإصلاحات اللازمة    أحمد عمر هاشم يستحضر مأساة غزة باحتفال الإسراء والمعراج الأخير    هالاند لاعب شهر سبتمبر في الدوري الإنجليزي    ياسر ريان: الرئيس السيسي عاملنا هيبة فى الخارج وموقفه تاريخى فى اتفاق شرم الشيخ    الخبراء تطالب بحوار مجتمعي قبل فرض ضريبة على المشروبات الغازية    أصحاب الكهف وذي القرنين وموسى.. دروس خالدة من سورة النور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 10-10-2025 في محافظة الأقصر    أدعية يوم الجمعة.. نداء القلوب إلى السماء    قرار جديد من الجمارك المصرية.. إعفاء لهاتف واحد فقط لكل مسافر كل 3 سنوات    «الداخلية»: ضبط شخص اعتدى على زوجة شقيقه وحطم محتويات شقتها بالدقهلية    مصر تستعد لتطبيق التوقيت الشتوي وبداية فصل الشتاء 2025    الطرح الجديد لوحدات «جنة» و«سكن مصر» 2025.. أسعار مميزة وأنظمة سداد مرنة للمواطنين    إيرادات فيلم "فيها إيه يعني" تتجاوز ال30 مليون جنيه خلال 9 أيام عرض بالسينمات    الحسابات الفلكية تكشف أول أيام شهر رمضان المبارك لعام 1447 هجريًا    الصحة: الكشف الطبي على 3521 مرشحا لانتخابات مجلس النواب بجميع المحافظات    «الخريف موسم العدوى».. كيف تحمي نفسك من الفيروسات الهوائية؟ (فيديو)    شرط يمنع التقدم لحج القرعة هذا العام.. تعرف عليه    إعلام إسرائيلى: الحكومة ستجرى تصويتا هاتفيا على استبدال أسماء 10 أسرى فلسطينيين    «ضاعت على ترامب».. إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للسلام    إقبال ملحوظ في انتخابات التجديد النصفي لنقابة أطباء القليوبية ببنها    سعر الأسمنت اليوم الجمعه 10 اكتوبر 2025 فى المنيا    لليوم الثالث.. استمرار تلقي أوراق طالبي الترشح لانتخابات مجلس النواب    الأهلي يجيب.. هل يعاني أشرف داري من إصابة مزمنة؟    ترامب يدعو إلى طرد إسبانيا من «الناتو»    أمطار لمدة 24 ساعة .. بيان مهم بشأن حالة الطقس في القاهرة والمحافظات    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    وليد صلاح: عقدنا اجتماعا مع مانشيني.. وتوروب مناسب لكل معاييرنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا تخشى إسرائيل السلام.. وتتهرب منه دائما؟ / عبد المالك سالمان
نشر في محيط يوم 10 - 06 - 2008


لماذا تخشى إسرائيل السلام.. وتتهرب منه دائما؟
عبد المالك سالمان
تلقى العرب صدمة سياسية كبيرة عندما طرحوا المبادرة العربية للسلام، وفوجئوا بالموقف الإسرائيلي الباهت الذي تعامل مع المبادرة العربية للسلام بعدم اكتراث يصل إلى درجة الرفض ، ولكن لم يتم إعلان ذلك رسميا ، ولكن واقعيا لم تفعل إسرائيل شيئا لإبداء شيء من الإيجابية والمرونة لقبول العرض التاريخي العربي للسلام.
وهذا الموقف الإسرائيلي بحد ذاته يدعو إلى التأمل والتفكير مليا وإثارة السؤال الذي بات أكثر إلحاحا وهو: هل إسرائيل تريد السلام حقا أم أنها تخشاه وتناور بشأنه باستمرار؟ إن عدم تجاوب إسرائيل مع المبادرة العربية للسلام، قد كشف واقعيا حقيقة الموقف الإسرائيلي من السلام، فالمبادرة العربية توفر لإسرائيل ما ظلت تطالب به منذ نشأتها الاستعمارية، وهي قبول المحيط العربي بوجودها في مقابل انسحابها من الأراضي العربية المحتلة في عام 1967 أي أنها ستحصل على ما يفوق ما خصصه لها قرار التقسيم عام 1947م الصادر عن الأمم المتحدة من أراضي فلسطين، كما أنه سيفتح لها الباب للتطبيع مع البلدان العربية على قاعدة "الأرض مقابل السلام" التي اعتمدها مؤتمر مدريد.
ولا شك أن التطبيع وإقامة علاقات مع البلدان العربية سوف يبدد اسطوانة الدعاية الصهيونية التي ظلت ترددها منذ عام 1948م، وهي أن إسرائيل كيان ديمقراطي صغير مهدد في وجوده وأمنه ومحاط بغابة من الأعداء (العرب) الذين يتطلعون إلى تدميره، وبناء على هذه الدعاية حظيت بدعم غربي وأميركي منقطع النظير سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
فهل أحد أسباب الرفض الإسرائيلي للسلام مع العرب أنها تخشى تراجع بيئة التعاطف الغربي معها والذي أمدها بكل أسباب البقاء والدعم منذ نشأتها، وانها تخشى أن تجد نفسها في حال إهمال غربي لها إذا أدرك الغرب أن وجودها بات مستقرا، وان التهديد الإقليمي لها قد تراجع؟
الإجابة هي: ربما.. لكن هذا ليس أكيدا لأن لدى القوى الصهيونية في أميركا والغرب ما يكفي من النفوذ للإبقاء على الدعم الغربي لإسرائيل، وبالتالي فإن هذا لا يكفي مبررا لتهرب إسرائيل من مبادرة السلام العربية، وإن بقي أحد الأسباب في الخلفية السيكولوجية والنفسية لمحاولة فهم ألغاز التصرفات والسلوكيات الإسرائيلية التي ترغب دوما في بقاء كيانها موضع حدب ومساندة من الغرب الاستعماري.
لكن في النهاية، نحن أمام حالة مثيرة لعلامات الاستفهام، ولابد من بحث عن تفسير واستقراء سياسي لحقيقة الموقف الإسرائيلي من قضية السلام لأن هذا سوف يرتب نتائج بالغة الأهمية، لعل في مقدمتها الإجابة عن التساؤل التالي: ما هو الموقف العربي الواجب اتخاذه إزاء التعنت الإسرائيلي بشأن السلام، هل سيظل العرب يمارسون سياسة خداع النفس بالحديث عن أن السلام يشكل خيارا استراتيجيا في حين أن الجانب الإسرائيلي يراوغ ويماطل إلى ما لا نهاية؟
من التفسيرات الرائجة في هذا السياق ، أن إسرائيل مجتمع نشأ من خليط من الأجناس من شتات اليهود في كل بقاع العالم ، وهو مجتمع قام على أساس إحياء أسطورة وهي "العودة إلى أرض الميعاد" وفي سبيل جعل هذه الاسطورة واقعا تم الترويج لأساطير من قبيل أن أرض فلسطين هي أرض بلا شعب لشعب بلا أرض هو "الشعب اليهودي" وتم على إثر ذلك اغتصاب أراضي فلسطين وتشريد سكانها الأصليين من الشعب الفلسطيني.
وهذه هي الحقيقة التاريخية التي يدركها كل سكان إسرائيل ، أن هناك شعبا كان ضحية قيام الكيان الإسرائيلي ، وان دولة إسرائيل قد قامت على أشلاء ومعاناة الشعب الفلسطيني، الذي مازال متمسكا بحلم العودة، وفي ضوء ذلك ينتاب الإسرائيليين هاجسان: الهاجس الأول: ان أي اعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني والإقرار بحقه في أرض فلسطين وإقامة دولة فلسطينية حتى ولو كانت على حدود 22% من أراضي فلسطين التاريخية ، فإنها ستشكل بالنسبة إليهم اعترافا بحق الشعب الفلسطيني في أرضه، وإنهاء لأكذوبة عدم وجود شعب فلسطيني له الحق في أرض فلسطين.
وانه إذا نجح الفلسطينيون في إقامة دولة ولو محدودة لهم، ستكون هذه بمثابة بداية النهاية لإسرائيل ذاتها، لأن الفلسطينيين سيتمكنون في نهاية المطاف من جمع شتاتهم، وتكريس تفوقهم الديموجرافي، وعلى المدى البعيد لن يفضل اليهود البقاء في فلسطين وقد يبدأون رحلة العودة بالهجرة المعاكسة إلى المنافي من جديد، ولذلك هناك إصرار إسرائيلي على رفض الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين، ومحاولة تقليص هذا الحق إلى أضعف مدى ممكن ليختزل في حالات محدودة ونادرة تحت مسمى "جمع شمل بعض العائلات" لاعتبارات إنسانية.
ويواكب هذا التفكير الصيحات التي يطلقها اليمين الصهيوني الذي يؤكد في خطابه السياسي أن الأراضي من البحر إلى النهر لا تتسع مطلقا لشعبين أو لدولتين ولهذا يجعل الاستيطان هدفا استراتيجيا لبقاء إسرائيل، ولا يعترف بأي سياسات توقف الاستيطان في الضفة الغربية.
والهاجس الثاني: يتمثل في فكرة الخوف من انتفاء فكرة الصراع وغياب الخطر الخارجي على تماسك الشعب الإسرائيلي، والخشية من انفجاره من الداخل في ظل أجواء السلام، فالسلام مع الجانب الفلسطيني والمحيط العربي، ينهي فكرة التهديد الخارجي الذي يهدد وجود وأمن إسرائيل.
والمجتمع الإسرائيلي يقوم على تعايش الأضداد فهناك تكتلات وانقسامات سياسية وأيديولوجية وثقافية لا نهائية، هناك مخاطر الانقسام بين العلمانيين والدينيين وبين اليهود "الاشكناز" الذين قدموا من البلدان الأوروبية والغربية ويعتبرون أنفسهم مؤسسي وبناة إسرائيل ، واليهود السفارديم وهم من يطلق عليهم تسمية اليهود الشرقيين، أي الذين جاءوا من البلدان العربية والشرقية مثل إيران وغيرها ، وبالإضافة إلى ذلك هناك اليهود الفلاشا الذين جاءوا من الحبشة أو أثيوبيا ، وهؤلاء اليهود الشرقيون يشعرون منذ نشأة إسرائيل بمشاعر الاضطهاد والتهميش من قبل الاشكناز حكام البلاد، ويشعرون بأنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية ويتعرضون لصنوف من ممارسات التمييز العنصري.
وبالتالي هناك مخاطر يرصدها علماء الاجتماع والسياسة من انفجار هذه الانقسامات داخل إسرائيل في هيئة صراعات اجتماعية وسياسية إذا غاب العامل الخارجي الموحد فيما بينها وهو الحديث الدائم عن التهديد العربي للوجود الإسرائيلي، حتى ان البعض يطرح فكرة انفجار صراع القبائل اليهودية في الداخل الإسرائيلي على هيئة حروب أهلية، وهو سيناريو لا يستبعده المتخصصون في الشئون الإسرائيلية.
لذلك يرى هؤلاء أن التهرب من استحقاقات السلام سيظل سياسة إسرائيلية دائمة، ولن تتمكن إسرائيل من الإقرار بمتطلبات السلام ، وفي المقابل ستعمل دوما على اختلاق الأعذار وسوق المبررات لادعاء أن الجانب الآخر هو السبب في تعثر محاولات التسوية ، أو اختلاق شروط تعجيزية يصعب على الجانب الفلسطيني أو العربي القبول بها من تلك التي جاءت في "خريطة الطريق"، وبالتالي الزعم والادعاء بأن الجانب العربي هو الذي يعرقل عملية السلام وان إسرائيل تحتاج إلى مبادرات حسن نية من جانب الطرف العربي.
وعلى سبيل المثال، فإن الجانب الإسرائيلي يطالب الطرف الفلسطيني بنزع سلاح جميع الفصائل الفلسطينية قبل المضي قدما في المفاوضات بحجة ان ذلك ضروري لإثبات ان الفلسطينيين قد تخلوا عن "الإرهاب"، وهذا ما لم يحدث في التاريخ من قبل أن ينزع طرف سلاحه تماما قبل التوصل إلى تسوية أو حل سياسي للصراع.
ومن ذلك ، أيضا ، مطالبة إسرائيل وبضغوط من إدارة بوش العرب للسير في خطوات التطبيع مع إسرائيل من أجل تشجيعها على السلام والقبول بالتنازلات المؤلمة، وترك المفاوضات تتوصل إلى التسوية مع مرور الوقت وهذا معناه أن يقدم العرب آخر أوراقهم التفاوضية المهمة وهي التطبيع على طبق من فضة لإسرائيل كدليل فقط لإثبات حسن النوايا، من دون أن تكون إسرائيل مطالبة بالالتزام بأي شيء وخاصة في مجال الانسحاب، وقبل أن يتم التوصل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية أو لقضايا الصراع العربي الإسرائيلي.
وتصور الدعاية الإسرائيلية أنه طالما أن العرب لا يستجيبون لهذه الشروط والمطالب الإسرائيلية، فإنهم لا يثبتون جدية في العمل من أجل تحقيق السلام ، وهكذا تستمر إسرائيل في طرح فكرة "العربة أمام الحصان" لعرقلة مفاوضات السلام من ناحية، وللتهرب من أي استحقاقات بشأن السلام من ناحية أخرى، وإلقاء التهمة، أيضا، على الجانب العربي في إعاقة محاولات إحلال السلام.
وفي هذا السياق، سادت خلال السنوات الأخيرة في إسرائيل فكرة أن الجانب الفلسطيني هو الذي يرفض السلام، ونجد أن هذه الفكرة متغلغلة في خطاب اليمين الصهيوني من الأحزاب اليمينية الدينية المتطرفة أو اليمين السياسي المتشدد مثل الليكود، كما أنها بدت تروج في خطاب اليسار الإسرائيلي أيضا وسط قطاعات من المنابر والمثقفين المعبرين عن تيار حزب العمل بالذات.
وتتمحور هذه الفرية أو الادعاء الغريب، بأن الفلسطينيين أهدروا فرصة تاريخية لإحلال السلام عندما رفضوا "العرض السخي" الذي قدمه إيهود باراك لياسر عرفات في مؤتمر كامب ديفيد عام 2000 الذي رعاه الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون ويصورون الأمر بأن عرفات لم يكن جادا في السعي للسلام، لأنه في تصورهم ان ما قدمه باراك لا يستطيع أن يقدمه أي زعيم إسرائيلي آخر.
وفي هذا السياق، صرحت تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية والمرشحة لزعامة حزب كاديما وخلافة إيهود أولمرت في رئاسة الوزراء في ضوء توقع تنحيه عن رئاسة الحكومة بسبب فضيحة الفساد التي يتم التحقيق معه حاليا بشأنها، بقولها: "إن ما قدمه إيهود باراك لعرفات في كامب ديفيد اتسم بالمبالغة وخاصة في قضية اللاجئين".
في حين أن عرفات لم يكن باستطاعته أبدا القبول بما عرض عليه في كامب ديفيد، وقال لكلينتون: لو قبلت ما يعرضه باراك فسوف يعلق الشعب الفلسطيني المشنقة لي عند عودتي في رام الله، لأن هذا كان يعني التخلي عن حق العودة للاجئين، حيث عرض باراك العودة فقط لمجموعة صغيرة من اللاجئين إلى أراضي عام 1948، وأن يعود بقية اللاجئين إلى الدولة الفلسطينية في الضفة إذا أرادوا أو أن يتم تعويضهم ماليا.
وفي ذات الوقت لم تكن هناك عروض حقيقية بشأن حل مشكلة القدس وتمحورت أفكار باراك في الإبقاء على السيادة لإسرائيل تحت المسجد الأقصى والسيادة للفلسطينيين فوق أرض المسجد الأقصى فقط وساحة الحرم، وهو ما لم يكن لعرفات أو غير عرفات أن يقبله.
وتعمل الدعاية الإسرائيلية منذ كامب ديفيد على تصوير الجانب الفلسطيني بأنه هو الذي يرفض السلام وذلك لتضليل الرأي العام الأوروبي والغربي والأميركي خاصة بهذه الدعاية، وتم تصوير اندلاع انتفاضة الأقصى ردا على استفزاز ارييل شارون وتدنيسه لساحة الحرم القدسي على أنها ترجمة لميول الفلسطينيين نحو "الإرهاب".
ومن هنا، تبرز المراوغات الإسرائيلية المتواصلة بشأن رفض السلام، وقد تبلورت الاستراتيجية الإسرائيلية في السنوات الأخيرة وخاصة في عهد أولمرت في صورة المعادلة التالية: انه لا مانع من الدخول في مفاوضات مفتوحة مع الجانب الفلسطيني حول كل القضايا المطروحة مع عدم التوصل إلى أي نتيجة في أي قضية، وفي ذات الوقت استغلال هذه المفاوضات كغطاء أمام العالم الخارجي يقدم صورة إيجابية لإسرائيل على أن تواصل إسرائيل مخططاتها في توسيع الاستيطان في الضفة الغربية لالتهام أكبر قدر من مساحات الأراضي الفلسطينية لجعل إمكانية قيام الدولة الفلسطينية أمرا مستحيلا عمليا.
يعزز ذلك الرغبة في ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة لإسرائيل وفق التعهد الذي حصل عليه شارون من بوش عام 2004، وجعل المفاوضات هي ذاتها المرجعية الأساسية لعملية التفاوض وهو ما حققه لها بوش في مؤتمر أنابوليس مع التهميش المتواصل للمرجعيات الدولية لعملية السلام.
ويواكب ذلك تكتيك إسرائيلي بات متكررا، وعادة ما ينفذه اليمين الإسرائيلي بالذات وخاصة حزب الليكود، وهو انه كلما كانت إسرائيل مقدمة على مفاوضات عميقة مع الأطراف العربية وخاصة الطرف الفلسطيني يتم تفجير أزمة سياسية داخلية في إسرائيل تعرقل المضي قدما في عملية السلام، وتمكين إسرائيل من مواجهة الضغوط الدولية عليها للتوصل إلى تسوية نهائية.
ويشير المحللون الإسرائيليون إلى أن تفجير أزمة فساد أولمرت الأخيرة واتهامه بتلقي رشاوى قد جاء في هذا السياق أيضا، حيث خشى الليكود من اتجاه أولمرت لإبرام تسوية مع الجانب الفلسطيني فحرك أجهزة التحقيق القانوني الإسرائيلي للتحقيق مع أولمرت لمنعه من إنجاز أي شيء سواء على الجانب الفلسطيني أو السوري، ناهيك عن تحريك آلية الإعاقة من داخل الكنيست عبر تحريك مشروع قانون يمنع الانسحاب من الجولان إلا إذا حاز على تصديق ثلثي أعضاء الكنيست وليس الأغلبية العادية البسيطة مما يجعل الأمر صعبا على أولمرت بشأن إبرام سلام مع سوريا، وحتى على أي رئيس وزراء إسرائيلي مقبل.
وإذا أضفنا إلى ذلك ما يمكن أن نطلق عليه "عقدة رابين" وهي العقدة المتعلقة باغتياله عندما أظهر اتجاها جديا لإحلال السلام مع العرب، فتم اغتياله من جانب اليمين الإسرائيلي المتطرف، فيمكن القول إن أي رئيس وزراء إسرائيلي قادم لن يكون قادرا على إحلال السلام مع العرب لأنه سيكون مخاطرا بحياته.
وتؤكد هذه الحالة موقف باراك في مؤتمر كامب ديفيد حيث تراجع عن التجاوب مع المتطلبات العقلانية والواقعية للحل مع الجانب الفلسطيني، ومن قبله مع الجانب السوري رغم أن المفاوضات اقتربت من حل نحو 98% من القضايا الخلافية وذلك لأن باراك جبن في نهاية المطاف، وخشى أن يلقى نفس مصير أستاذه إسحاق رابين ويتم اغتياله لو أبرم سلاما مع الفلسطينيين أو مع سوريا، وهذا ما أشارت إليه كتابات إسرائيلية وأميركية كثيرة ناقشت أسباب فشل مباحثات كامب ديفيد عام 2000 ومن هنا، يمكن تفسير أسباب الأزمة الأخيرة في إسرائيل بشأن استقالة حكومة أولمرت.
والتمهيد لإجراء انتخابات جديدة مبكرة في نوفمبر القادم 2008، يتوقع الكثيرون أنها سوف تعود بحزب الليكود بزعامة نتنياهو إلى الحكم لتكرر نفس السيناريو الذي ساد عام 1996، بعد اغتيال رابين أو عام 2000 حين تم إسقاط باراك بعد فشل محادثات كامب ديفيد والإتيان بالليكود بزعامة شارون، والآن سوف يتم إسقاط أولمرت وإعادة الليكود المتشدد بزعامة نتنياهو ليتكرر ذات السيناريو الذي يمكن إسرائيل من الهروب من الالتزام بالسلام إلى ما لا نهاية.
وفي ضوء زيارة أولمرت الأخيرة لواشنطن وتهديده من هناك بضرورة وقف البرنامج النووي الإيراني بأي وسيلة، فربما بات السيناريو الأرجح في إسرائيل الآن هو القيام بعملية عسكرية لضرب المفاعل النووي الإيراني قبل انتهاء ولاية بوش، وربما سافر أولمرت للحصول على ضوء أخضر أميركي لذلك ربما أملا في أن تساعد هذه المغامرة على تقويته سياسيا، أما عملية السلام فعليها أن تنتظر سنوات طويلة قادمة لأن إسرائيل لم تكن أكثر بعدا عن القبول بالسلام مع العرب مما هي عليه في الوقت الراهن، وهي الخلاصة التي على العرب إدراك معطياتها جيدا.
عن صحيفة الوطن العمانية
10/6/2008


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.