حروب المليارات في العراق! كاظم الموسوي نُشرت مقالات وأبحاث وعُقدت ندوات في اغلب المؤسسات التشريعية والأكاديمية الأميركية والأوروبية وغيرها عن الكلف المادية للحرب الامبراطورية على العراق وقبله أفغانستان وغيرها من الحرائق الصغيرة، الفتن الاستعمارية، التي تشعلها الإدارة الأميركية ومن ولاها من غربيين أو أهل البلاد المبتلية بتلك النيران، وقدرت بأرقام فلكية وبالتأكيد لمصالح وغايات أميركية أو غربية عموما. ولم تتحرك تلك الجهات أو غيرها إلى التفكير بالبحث أو تسجيل تقديراتها عن حصيلة أو مجموع الخسائر المادية التي تكبدها العراق أو أفغانستان أو أي بلد آخر تعرض للعدوان وجريمة الحرب والاحتلال. فهل هذه الخسائر الفادحة بالتأكيد مقارنة بالأرقام الفلكية الأميركية والبريطانية وغيرها، هي تحصيل حاصل، أم أنها ليست بوارد الذكر بعد اغتيال الدول وفرض الاحتلال وهيمنته الاستعمارية على كل المقدرات والحسابات؟. أم يعود ذلك إلى هيمنة الامبراطورية وتأثير آلتها الإعلامية وإرهاب أساطيلها العسكرية أو قد يكون ضعف المؤسسات المحلية وارتهانات اغلبها ورهانات معظمها وارتباكات بعضها سببا في الصمت أو التغطية المفضوحة؟. إذا قدرت كلفة حرب الولاياتالمتحدة على العراق للسنوات الخمس الأولى بثلاثة تريليون دولار، حسب دراسات الاقتصاديين الأميركيين جوزيف ستيجلتز وليندا بيلمز في كتاب صدر لهما، ويتضاعف هذا الرقم لسنوات أخرى، ومقارنة بحربي فيتنام وكوريا، فكم ستكون تقديرات أمثالهما من العراق أو أفغانستان عن الفترة نفسها من الثروات العراقية والأفغانية حصرا وللدراسات المقارنة؟. مثل هذا السؤال والجواب عنه يحيل إلى أسباب الحروب والأهداف منها والخطط الاستراتيجية التي رسمتها الإدارة الأميركية والمتنفذون فيها لارتكاب تلك الجرائم في الحرب والاحتلال وتدمير الدول والشعوب والأمن والاستقرار والسلام العالمي. وقد بات اكثر من واضح اغلب تلك الأهداف ولكن الإشارة إلى بعض تلك الكلف والخسائر وما أنتجته من ظواهر معروفة في مثل تلك الحالات مثل الرشى والفساد العام والنهب والسرقات العامة والخاصة وآثارها على المصالح الوطنية والقومية والاستراتيجيات التي ترسم من كل الأطراف وبكل الاتجاهات قضية مهمة تاريخيا وقانونيا وإنسانيا. وهي مسألة مطلوبة اليوم أو ملحة لمعرفة الواقع والوقائع الدامغة التي تحركه، ومن التأكد من الأهداف التي قادت إليها الحروب والإدارات التي تتحكم بالسياسات الدولية. كشف تقرير نشرته مؤسسة بلاتفورم بالاشتراك مع منتدى الدراسات السياسية وتغيرات النفط العالمية بالولاياتالمتحدة أن العراق صاحب ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، ولهذا تريد الإدارة الأميركية ومن تعاون معها إصدار قانون نفط وغاز يمنح شركاتها فرص استغلال الثروة العراقية وحرمان الشعب العراقي منها. حيث وضح التقرير أن البحث في صيغ اتفاقيات تقاسم إنتاج نفط العراق من خلال عقود طويلة الأجل تعطي الشركات الأجنبية ما لا يقل عن 64 في المائة من الاحتياطي النفطي، ويتحمل العراق تكلفة ما بين 74 إلى 194 مليار دولار خلال سريان فترتها، مقارنة فيما لو ترك تطوير النفط على ما كان عليه في يد القطاع العام، أي سيتحمل العراق ما بين ضعفين إلى سبعة أضعاف ميزانية الدولة العراقية مما سيضمن أرباحاً فاحشة للشركات النفطية الكبرى المدعومة أميركيا وبريطانيا، ويكرس السيطرة على الثروة النفطية العراقية، وبالتالي خسارة العراق مئات المليارات من الدولارات. أضاف معد التقرير جريج موتيت: "إن صيغة العقود التي يجري الترويج لها من أكثر الخيارات تكلفة وغير ديمقراطية"، و"نفط العراق يجب أن يكون لمنفعة الشعب العراقي وليس لشركات النفط الأجنبية". ودعا إلى حوار مفتوح في العراق حول طريقة تطوير مصادر النفط وليس التفاوض على صفقة طويلة الأجل (30 عاماً) تجرى في الخفاء "وراء الأبواب المغلقة"، على حد وصف موتيت الذي أشار إلى أن "المؤسسات العراقية جديدة وهشة، وقد بينت تجارب سابقة لدول أخرى أن اليد العليا في مفاوضات اتفاقيات تقاسم الإنتاج وفي أوضاع متشابهة تحتفظ بها دائماً شركات النفط، وحذر من استغلال شركات النفط الكبرى استمرار عدم الاستقرار في العراق الآن للتحايل والحصول على شروط "متميزة للغاية" تربط العراق بهذه الشروط لعقود طويلة". هذا إضافة إلى ما نشر عن أبواب أخرى لتبذير المليارات العراقية وحرمان الشعب منها من خلال ما عرف بتهريب النفط ومشتقاته. حيث ورد في تقرير رسمي نشر في بغداد قبل عامين، وهنا للمقارنة الزمنية، ( كيف وماذا يحصل الآن؟) إن نتائج التحقيق المستقل لوزارة النفط العراقية رسمت صورة قاتمة للانتهاكات الواسعة النطاق التي تنتشر في كل ركن من أركان هذه الصناعة. حيث أدى منذ عام 2003 انتشار التهريب إلى تحويل العراق من أحد مصدري منتجات النفط الرئيسيين إلى مستورد لها. وخلص التقرير إلى أن "هذه المشاكل أفضت إلى فقد مليارات الدولارات، سواء في صورة خسائر فعلية مباشرة أو في الفرص الضائعة". ودعا التقرير إلى "عمل جذري وعاجل" لوقف الانتهاكات ومعاقبة المتورطين فيها، بما في ذلك شن تشريع جديد يجعل تهريب النفط جريمة "تخريب اقتصادي عظمى". الثروة النفطية في العراق، مليارات الشعب العراقي، موضوع مخططات الاحتلال والقوى المتخادمة معها من اجل حصص لها بين هذه الكلف المنهوبة من الثروة الوطنية، وبالتجربة التاريخية تشجع المخططات الاستعمارية البرجوازيات الكومبرادورية الجديدة والمافيات المتعاونة إلى شن حروب داخلية لتقاسم النفوذ والسيطرة على المنافع الشحيحة التي توزعها قوات وشركات الاحتلال على حساب الدم العراقي للطبقات الفقيرة وعموم الشعب العراقي. وهذا ما قدمته وسائل الإعلام مؤخرا بشكل صارخ. حروب المليارات في العراق تدمر البلاد وتشتت العباد وترسخ الاحتلال والهيمنة الاستعمارية. عن صحيفة الوطن العمانية 19/5/2008