السابع عشر من نيسان يوم خالد في ذاكرة الشعب السوري ومحطة وطنية هامة نتوقف عندها بكل إجلال وإكبار تقديراً لمن ساهم في صنع الاستقلال وضحى في سبيل حرية هذا الوطن وترك لنا مسؤولية الحفاظ على هذه الأمانة لتبقى سورية حرة مستقلة ووطناً نفخر به.. وشعباً يستحق الحياة..
إن يوم الاستقلال ليس مجرد يوم رسمي لتبادل الخطابات وتعليق الأعلام وتعطيل الدوائر فقط بل هو عيد الأعياد ويوم مجيد في تاريخ الوطن نقف عنده لتأكيد مفهوم ومسلك وطني, يجب أن نتبناه ونمارسه من خلال فهمنا لمفهوم الجلاء والمعاني السامية لهذا الحدث والمفهوم الشامل لمعنى الحرية والاستقلال.
وهذا يعني أن حرية الوطن وحماية ترابه والحفاظ على سيادته واجب مقدس ومنهج متكامل تنفذه الدولة والمواطن في إطار مسؤولية متبادلة ورؤية حضارية يقوم فيها كل مسؤول من موقعه وكل مواطن حسب دوره وإمكانياته.
إن المعاني التي يمكن استنباطها من عيد الجلاء كثيرة وفي مقدمتها أن لا شيء يعلو على الاستقلال ولا شيء مهم أكثر من الحرية والسيادة, وأرض الوطن مقدسة لايمكن التفريط بها ودماء الشهداء الطاهر ثمن غال للحرية لايعادله ثمن ومن واجبنا أن نورث أبناءنا هذه المفاهيم كما ورثناها عن أجدادنا.
لقد أثبت الشعب العربي السوري إنه شعب مقاوم لا يقبل الذل ولا العار فقد قاوم المستعمر التركي العثماني حتى نال الاستقلال الأول عام ,1919 وتصدى للاستعمار الفرنسي منذ اللحظة الأولى لدخوله سورية في معركة ميسلون في 24 تموز ,1920 عندما تصدى القائد البطل يوسف العظمة للجيش الفرنسي المحتل رغم معرفته بعدم التكافؤ بين قوات الطرفين ولكنه قال يجب أن تعرف فرنسا أنها لن تدخل دون مقاومة حتى لوكان ذلك على أجسادنا. وتتالت الثورات في المنطقة الشمالية والساحلية والغوطة وتوجت بالثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة سلطان باشا الأطرش ووقف المجاهدون والوطنيون والسياسيون كلاً يقاتل في ميدانه وخندقه حتى تحقق الجلاء وطرد المستععر الفرنسي من أرض سورية.
لقد تميزت الثورات السورية والمعارك التي خاضها الثوار والمجاهدون في كافة المناطق السورية بالروح الوطنية العالية التي حملت شعار الثورة السامي (الدين لله والوطن للجميع) فكان أبطال الغوطة يقاتلون مع إخوتهم في جبل العرب وأبناء جبل العرب يقاتلون مع إخوتهم في الغوطة والقلمون وكانوا جميعهم يقاتلون في الجولان والبقاع, وكان قادة الثورة الكبار موجودين في كل ساحات القتال أمثال سلطان الأطرش والقاوقجي وصالح العلي وهنانو وأحمد مريود وسعيد العاص وحسن الخراط ورمضان شلاش ومحمد عز الدين ومحمد الأشمر وحسن الحكيم والمكان لايتسع لذكرهم جميعاً, لكنهم كانوا يداً واحدة أينما طلبهم الواجب وحدهم المصير وتراب الوطن.. ما قاتلوا لمكسب أو منصب بل تركوا منازلهم ومناصبهم وأموالهم وثرواتهم في سبيل دعم الثورة ورجالها, كان المقاتل يبيع من رزقه ليشتري بارودة وفرساً إذا سمحت له الحال.
بهذه الروح الوطنية كانت المقاومة ضد المحتل ومن هنا ندرك المعاني النبيلة للمقاومة التي أسس لها آباؤنا وأجدادنا ووضعوا الأسس والثوابت التي نسير عليها إلى يومنا هذا في سبيل الحفاظ على سيادتنا الوطنية, وما الحروب التي خاضتها سورية مع العدو الصهيوني وماتقوم به اليوم من صمود ومقاومة ماهي إلا استمراراً لمسيرة الكفاح مقاتلة المستعمر والدفاع عن أرض سورية, وها هم أهلنا في الجولان يقفون بكل شموخ في مواجهة العدو الصهيوني رافضين الخضوع وتغيير الهوية, يجاهدون بإمكانياتهم للحفاظ على هويتهم وأرضهم بانتظار يوم التحرير الذي سيعود فيه هذا الجزء الغالي إلى الوطن الأم, تحية لهم في هذا اليوم المجيد ولهم كل المحبة والتقدير لثباتهم وصمودهم في الأرض.
إن الأمثلة على دور المقاومة في تحرير الأرض شاهد أمامنا في فلسطين ولبنان والعراق وما رأيناه من صمود المقاومة اللبنانية في الجنوب ودورها البطولي في دحر العدو الصهيوني وهزيمته في عام 2000 وصمودها المشرف في حرب تموز عام 2006 الذي أذهل العالم وأدى إلى هزيمة إسرائيل شر هزيمة اعترف بها قادة الجيش الصهيوني واعترفت بها حكومة إسرائيل ومازالت تداعياتها تؤثر على الساحة السياسية والعسكرية والاجتماعية في إسرائيل حتى اليوم..
وهاهي المقاومة الفلسطينية في غزة صامدة في وجه القوات الإسرائيلية رغم الحصار والتجويع والتدمير والتقتيل .ها هم صامدون في غزة والضفة الغربية يوقعون الرعب في قلوب الصهاينة رغم قلة إمكانياتهم المادية والعسكرية.
كما أننا نسمع كل يوم عن أخبار المقاومة في العراق وماتوقعه في صفوف القوات الأميركية والمتحالفة مع أميركا وقد تجاوز عدد القتلى من الجيش الأميركي أكثر من 4000 جندي أميركي غير القتلى من قوات التحالف الأخرى.
لذلك نقول إن المقاومة مع الحق قوة لا تقهر وخاصة إذا كان سلاحها الإيمان بالله والوطن فهي أقوى من المدافع والطائرات والصواريخ, إن الإنسان الفعال المخلص لقضيته هو أمضى سلاح في وجه المستعمر لذلك خرج المستعمر من كل أرض احتلها, فقد خرج من الجزائر بعد أكثر من 120 عاماً من الاحتلال, وخرج من مصر وسورية وخرج من فيتنام ومن جنوب إفريقيا وسيخرج من الجولان قريباً إن شاء الله.