ايران واسرائيل.. مبارزة الابادة..أين العرب؟ محمد خروب هل جاءكم نبأ التهديد الايراني غير المسبوق لاسرائيل، بأنها ستمحى من على وجه الارض اذا شنت هجوماً على ايران؟. التهديد لم يكن سرياً ولم يتم تسريبه لوكالات الانباء، بل لم ينسب الى مصادر رفيعة أو غير رفيعة في الدولة الايرانية.. والقائل شخصية عسكرية ذات منصب رفيع في الجمهورية الاسلامية وهو محمد رضا اشتياني.. الذي قال في وضوح لا يقبل التأويل اذا ارادت اسرائيل اتخاذ أي اجراءات ضد الجمهورية الاسلامية فسنمحو اسرائيل من على وجه الكون.. أين من هنا اذاً؟. طهران تجاوزت الخطوط الحمراء التي كانت حدودها تصريحات الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، الذي كان يتنبأ بزوال اسرائيل ودمارها ويدعو الى ازالتها لكنه لم يقل ان تلك المهمة مسؤولية ايرانية.. الأمر الآن اختلف وخرجت الامور أو كادت على نطاق السيطرة، ويبدو أنها آخذة في التدحرج على نحو ربما يكون من الصعب على احد من اللاعبين العودة الى المربع الاول، الذي انطلقت منه حملة التهديدات المتبادلة بالابادة، والتي اطلقها وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر (المعروف باسمه العراقي فؤاد حيث ولد وعاش طفولته). ماذا قال بن اليعازر؟. وزير البنى التحتية (وهو وزير دفاع سابق وأحد ابرز المؤيدين لايهود باراك رئيس حزب العمل) اطلق تهديداً (غير مسبوق ايضاً)، عندما قال اذا ما تجرأت ايران على اطلاق الصواريخ الباليستية العادية (وليست الذرية) على اسرائيل فستكون هذه نهاية ايران.. يعلم الجميع ان الدخول الى ميدان المبارزة بالابادة الذرية محفوف بالمخاطر، لأن أي حسابات غير دقيقة قد تشعل في المنطقة حريقاً ذرياً وحرب تدمير متبادل بكافة الاسلحة، وخصوصاً البيولوجية والكيماوية، وهي متوفرة بكثرة في ايران وسوريا، وخصوصاً في اسرائيل ذات الترسانة الضخمة من اسلحة الدمار الشامل، لا يعرف احد أين ستنتهي الامور وكيف سيكون شكل المنطقة وطبيعة موازين القوى، بعد ان ينجلي غبار المعركة الذري وبعد ان تتراجع أو تخف تداعيات السموم الكيماوية والبيولوجية التي ستشكل سحابات كثيفة في سماءات المنطقة بأسرها.. نتحدث هنا عن نموذج مصغر ليوم (قيامة) عسكرية حقيقية، اذا لم يتم كبح جماح حرب التصريحات التي تجاوزت التصريح الشهير للرئيس العراقي السابق صدام حسين في اواخر ثمانينات القرن الماضي، عندما هدد بحرق نصف اسرائيل وبدأ بعد تلك اللحظة التي تلت تصريحه الاخرق وغير المسؤول والساذج، العد العكسي لاطاحته اذ تبين ان نظامه لا يعدو كونه نمراً من ورق وأن ليس لديه ما يحرق 1% من اسرائيل، بل حتى لو توفر على مثل هذه القدرة فإن الحكمة السياسية وبعد النظر يفرضان عليه عدم التصريح بذلك حتى لو كان يتوفر على مثل هذه القدرة لكنها ثقافة التظاهر والكبرياء الفارغ والسذاجة السياسية التي تعوّد عليها عرب اليوم (لا تنسوا عرب الامس)، والتي افضت بنا الى كل هذه الهزائم والكوارث والانكسارات.. المهم.. تبادل التهديدات بالابادة لا تنطق عن الهوى ولا يمكن اعتبارها سذاجة سياسية أو مجرد زلة لسان، وإن كانت تهديدات بن اليعازر قد تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل وسائل الاعلام الاسرائيلية، لعل ابرزها مقال الكاتب اليساري كوبي نيف في صحيفة معاريف يوم اول من أمس الاثنين، عندما قال (.. اذا لم يكن وزير البنى التحتية يتحدث هراء، فإن بيد اسرائيل منظومة اسلحة للدمار الشامل، قادرة على ان تمحو عن وجه البسيطة بلداناً بمدى لا يقل عن الفي كيلو متر من هنا، وهذا ليس العراق وايران بل وتركيا واليونان ورومانيا وهنغاريا وليبيا والسودان.. ثم يختم: لا.. إن اسرائيل لا يمكنها حقاً ان تطلق عشرات القنابل الذرية على ايران، اذا ما اطلقت هذه بضعة صواريخ علينا، هذا ليس حقاً ممكناً.. هذا ممكن فقط في الكلام. ناهيك عن ان كلام وزير البنى التحتية لاسرائيل يبرر بناء القنبلة الذرية من جانب ايران، ذلك انه اذا كان بوسع اسرائيل ان تهدد ايران بابادة شاملة بسبب بضعة صواريخ مختلقة، فسيقول الان زعماء ايران لشعبهم وللعالم، اننا نحتاج بالتالي الى بضع قنابل ذرية تمنع اسرائيل من العربدة.. أليس كذلك؟. قد يكون الايرانيون قرأوا مثل هذا الكلام أو هم لم يطّلعوا عليه ابداً، لكنهم في كل الاحوال لا يتركون امورهم للصدفة وينجحون في ادارة صراعهم المقترح مع الولاياتالمتحدة واسرائيل بذكاء وبعد نظر وحساب دقيق للمعادلات الاقليمية والدولية، دون ان يقعوا في وهم نتائج الحوار الذي تدعوهم اليه الولاياتالمتحدة، والذي كشفت صحيفة ذي اندبندنت البريطانية يوم امس عن سلسلة لقاءات سرية عبر قناة خلفية جرت بين واشنطنوطهران على مدى الاعوام الخمسة الماضية، ناقشا خلالها البرنامج النووي الايراني والعلاقات الاوسع نطاقاً بينهم.. الخبر الذي اوردته الصحيفة البريطانية ذات الصدقية العالية، جاء على لسان توماس بيكرنغ مندوب اميركا السابق لدى الأممالمتحدة، رغم ان الصحيفة اشارت الى ان اياً من الاميركيين أو الايرانيين الذين شاركوا في تلك المحادثات لم يكونوا اعضاء في حكومتي البلدين لكن كل طرف ابلغ سلطاته كما قالت الصحيفة.. نحن اذاً أمام لعبة سياسية ودبلوماسية (ببعد عسكري) معقدة يديرها الطرفان الاميركي والايراني بحذر وذكاء وتربص وفي دهاء على الطريقة التي تدار بها لعبة الشطرنج، التي وان كان الايرانيون اخترعوها وبرعوا فيها الا ان الاميركيين لا يقلون مهارة وذكاء عنهم.. اسرائيل طرف مهم في هذه اللعبة لكنها ليست ذات صلاحية في اتخاذ قرار (الابادة) ، بل ستكون مشاركة في أي حرب تشنها الولاياتالمتحدة يرجح الخبراء (الاميركيون خصوصا) انها ستتم في شهر تشرين الأول المقبل. ماذا عن مبارزة الابادة وحرب التهديدات المندلعة؟.. هي جزء من تحسين شروط التفاوض كما هي جس للنبض أو رفع لوتيرة التوتر والتصعيد المحسوب ، لكن السؤال الاهم هنا، ماذا عن العرب الذين يواصلون التثاؤب ويستمرئون العجز والتبعية وفقدان الارادة والادوار ويستعدون لدفع الفواتير، كما جرت العادة؟. عن صحيفة الرأي الاردنية 16/4/2008