فلسطين ليست كوسوفو والمفاوضات "لو بدها تشتي غيّمت" هاني المصري اهمية تصريحات ياسر عبد ربه، التي طالب فيها بإعلان الاستقلال في الاراضي الفلسطينية على طريقة كوسوفو، لان كوسوفو ليست افضل من فلسطين، إذا استمر عدم التقدم في المفاوضات، لا تكمن في صحتها او توقيتها او في كونها قد ترجع الى مناكفات داخلية تتعلق بالادوار في اطار الوفد التفاوضي. وانما في كونها كشفت وسلطت الضوء على ازمة المفاوضات التي تبدو مستعصية في ظل استمرار العدوان العسكري الاسرائيلي بكل اشكاله، وتكثيف الاستيطان بمعدلات اعلى مما حصل خلال السنوات الخمس الاخيرة، واستكمال بناء جدار الفصل العنصري، وتعميق فصل القدس وتهويدها، واستمرار الحصار والحواجز والاعتقالات والاقتحامات للمدن والمناطق الفلسطينية، خصوصاً في غزة التي حولها الحصار الخانق والعدوان العسكري المتصاعد الى جحيم لا يطاق. ان تصريحات عبد ربه تطرح ضرورة التفكير فلسطينياً ملياً وبشكل مسؤول بمسألة بناء خطة ب، من خلال اعتماد خيار آخر (ان لم أقل خيارات وبدائل اخرى) ليكون اولاً عاملاً اضافياً لانجاح خيار المفاوضات او تقليل اضراره الى اقصى حد ممكن. وليكون ثانياً تبديلا جاهزاً ليحل محل خيار المفاوضات كخيار استراتيجي وحيد عندما يثبت للجميع، خصوصاً لمن لا يزال يراهن على خيار المفاوضات، ان اسرائيل لا يمكن ان تقتنع او تجبر بالمفاوضات وحدها، على تغيير سياستها المعادية للسلام والمؤمنة بالقوة لحل الصراع، والقبول بالحد الادنى من الحقوق الفلسطينية التي يقرها القانون الدولي والشرعية الدولية التي أكدت على حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه باقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة العام 1967 بما فيها القدس، وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا وفقا لقرار 491. لقد بات واضحاً ان اسرائيل غير جاهزة للسلام، وان الحكومة الاسرائيلية الحالية لا تفكر بالسلام أكثر مما تفكر بكيفية بقائها في الحكم، ومدى اهمية اقناع الفلسطينيين او اجبارهم لتغيير وعيهم والقبول بما تطرحه عليهم اسرائيل من حلول تصفي قضيتهم من كافة ابعادها وجوانبها. لقد اعتبرت حكومة أولمرت ان قضية اللاجئين اصبحت وراءها بعد ان اعلن اولمرت في خطابه في مؤتمر انابوليس تمسكه بورقة الضمانات الاميركية التي منحها بوش لشارون عام 4002، وبيهودية اسرائيل، وان مشكلة اللاجئين يجب ان تحل بعيداً عن اسرائيل وبمساعدتها من خلال آلية تعويض اللاجئين واقناعهم بالتوطين في اماكن تواجدهم او السفر الى بلدان اخرى، ومن يصرمنهم على العودة فليعد الى الدولة الفلسطينية وليس الى اسرائيل. وذهبت تسيفي ليفني وزيرة الخارجية ورئيسة الوفد المفاوض العبر من اولمرت عندما صرحت بان اسرائيل لا يجب ان تساهم في حل مشكلة اللاجئين باي شكل من الاشكال لانها قضية لا تعنيها، ولا حتى وفقاً للقواعد المذكورة والتي تصفيها وحددها اولمرت في انابوليس!! وبعد استبعاد قضية اللاجئين تعمل حكومة اولمرت على اسقاط قضية القدس، سواء من خلال التوسع الهائل في اقرار المشاريع الاستيطانية في القدس، حيث بلغت الوحدات الاستيطانية التي اعلن عن الاستعداد لبنائها بعد اجتماع انابوليس وحتى كتابة هذه السطور، أكثر من عشرين الف وحدة استيطانية، أو من خلال المطالبة بتأخير التفاوض حول القدس الى المراحل الاخيرة من المفاوضات تحت حجة ان التفاوض حولها يمكن ان يفجر المفاوضات، والادعاء على لسان اولمرت نفسه بأن ابو مازن وافق على هذا التأجيل، رغم النفي الفلسطيني لهذا الادعاء والتمسك بوحده القضايا واستحالة فصلها عن بعضها البعض. فكيف يمكن التفاوض على قضية الحدود، التي تعتبر اسرائيل أنها قضية اسهل واقل تعقيدا من بقية القضايا، اذا تم القفز عن قضية القدس التي تدخل بقوة في مسألة الحدود، إن أقصى ما يمكن أن تصل إليه المفاوضات في ظل الحقائق التي تقيمها إسرائيل على الأرض ومع موازين القوى الحالية والمعطيات المحلية والعربية والدولية. دولة ذات حدود مؤقتة وتأجيل التفاوض على القضايا الأساسية خصوصاً قضيتي القدس واللاجئين إلى أجل غير مسمى. ويمكن أن تحاول إسرائيل التغطية على هذا الحل التصفوي الذي أعلن الرئيس أبو مازن رفضه له مراراً وتكراراً من خلال الاتفاق على إعلان مبادئ أو أسس قيام الدولة الفلسطينية خلال العام الحالي، كما صرح بذلك أولمرت نفسه ونائبه حاييم رامون بحجة استحالة الاتفاق خلال هذا العام على معاهدة سلام نهائية. إن الخطة "ب" أو الخيار البديل يمكن أن يبدأ بتعزيز مقومات الصمود واعتماد المقاومة المثمرة المنسجمة مع القانون الدولي وإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة الوطنية، والسعي لكي تكون المفاوضات مرجعيتها القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية والفتوى القانونية لمحكمة لاهاي، واعتماد برنامج وطني واقعي ديمقراطي بعيداً عن المغامرة والأوهام، ومقاطعة الاستيطان عملاً وتجارة وتعاملاً، ومقاومة التطبيع المجاني، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية التي لها بديل محلي واستعادة البعد العربي والدولي للقضية الفلسطينية بوصفها قضية عادلة استقطبت بالسابق وتستطيع أن تستقطب الآن التأييد الدولي الجارف الكفيل بإحداث التوازن المطلوب في ميزان القوى بما يسمح بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. ورغم وجاهة رد أبو علاء وصائب عريقات على زميلهما في الوفد المفاوض ياسر عبد ربه، الذي كان تصريحه قفزة بالهواء أو بالون اختبار من دون تنسيق وإعداد مسبق، ولم يصدر بعد قرار قيادي، وبدون القدرة على تحويل إعلان كهذا إلى حقيقة، لأن الاستقلال ليس بالإعلانات، وإن كوسوفو ليست فلسطين، لأنها ليست تحت الاحتلال، ولأن الولاياتالمتحدة الأميركية وحلف الأطلسي أيدوا خطوة استقلال كوسوفو قبل مضي 24 ساعة على اتخاذها، بينما رفض ناطق باسم الخارجية الأميركية تصريح عبد ربه رغم كونه مجرد تصريح لا أكثر. إلا أن الرد على عبد ربه لا يستقيم بالقول له إن طريق الاستقلال يمر بالمفاوضات الحالية، لأن المفاوضات الجارية "لو بدها تشتي لغيّمت". فعندما يعلو صوت هدير الطائرات وقصفها وصوت المدافع وجنازير الدبابات والجرافات التي تبني المستوطنات على صوت المفاوضات، تكون الضرورة الوطنية تفترض بناء الخيارات والبدائل الأخرى، حتى تدرك إسرائيل ومن وراء إسرائيل أن فشل المفاوضات يمكن أن يجعل إسرائيل تخسر من احتلالها أكثر مما تربح عند اعتماد البديل. عندها وعندها فقط ستدخل إسرائيل في مفاوضات جادة قادرة على تحقيق الحرية والاستقلال والعودة والأمن والاستقرار والسلام؟ وإلى أن نعد البديل تبقى القضية الفلسطينية في خطر. عن صحيفة الايام الفلسطينية 23/2/2008