يحدث في لبنان اليوم.. ماذا سيحدث؟ محمد خرّوب ربما لم يكن توقيت اغتيال القائد البارز في حزب الله، والمطلوب اسرائيلياً وخصوصاً اميركياً، عماد مغنية، مقصوداً لذاته ليتزامن مع ذكرى الرابع عشر من شباط، التي ستضع لبنان اعتباراً من اليوم الخميس، أمام مفترق حقيقي، بعد ان تلقى حزب الله ضربة موجعة وقاسية، بل ومهينة، وبعد أن تحقق الاختراق الأمني، الذي كان يفاخر به عن حق، والذي سيكون موضع تندر وشماتة من قبل معارضيه في لبنان، الذين سيرون في ما حصل في رسالة واضحة، بأن امكانية توجيه ''صفعات'' للحزب باتت واردة، وستكون تعليقاتهم الساخرة أشد وطأة على دمشق، التي حصل فيه الانفجار وبالقرب من مركز استخباري سوري كبير، وسيعيدون التذكير بالغارة الاسرائيلية على ما وصف بالموقع ''النووي'' بالقرب من دير الزور في 6 ايلول الماضي، اضافة الى سلسلة الاغتيالات والغارات، كتلك التي تمت في عين الصاحب. ليست مهمة صعبة او مستحيلة، الرد على مثل هذه المواقف التي تستدعي اولاً طبيعة الحروب الاستخبارية المحتدمة، على اكثر من ساحة وعبر اكثر من قارة وفي داخل اكثر من بلد على سطح المعمورة، ما بالك اذا كانت منطقة كمنطقتنا ودولة مثل لبنان، لم تتوقف حروب اجهزة الاستخبارات الاقليمية والدولية لحظة واحدة على ارضها؟. سجل اولمرت نقطة ثمينة لصالحها، في صراع البقاء السياسي، الذي يخوضه منذ ان وضعت حرب تموز 2006 اوزارها، وخصوصاً بعد تقرير فينوجراد النهائي، والنقطة ''الثمينة'' ذاتها، شاركه فيها ايهود باراك وزير دفاعه والباحث عن أي انجاز، ليصد الانتقادات اللاذعة والمتواصلة التي توجهها احزاب المعارضة، كما في داخل حزب العمل الذي يرأسه، والاوساط الصحفية والاعلامية على قراره البقاء في الحكومة وعدم الاستقالة، كما كان وعد في خطابه الشهير، الذي تصفه الصحف الاسرائيلية بخطاب ''سدوت-يم''، والذي قال فيه (وقتذاك) انه اذا جاء تقرير فينوجراد النهائي قاسيا بحق اولمرت، فانه سيسارع الى سحب وزراء حزب العمل من الائتلاف الحكومي، اذا لم يقم اولمرت بالاستقالة، أو اذا لم يبادر حزب كاديما باستبدال اولمرت وانتخاب رئيس جديد له (كان يفضل تسيبي ليفني). تَبَجّح آخر سيضاف اعتبارا من اليوم الى قاموس الثنائي اولمرت - باراك (مستر أمن)، وهو تصفية الحاج رضوان (عماد مغنية)، وستلوذ اسرائيل بالصمت وتضفي على عملية ''كفرسوسة'' غموضا واثارة، على الطريقة التي سارت عليها منذ عملية دير الزور (6 ايلول 2007)، والتي لا تستطيع الصحافة الاسرائيلية (حتى الآن) الاشارة اليها، إلاّ اذا اضافت اليها عبارة (وفق مصادر اجنبية)، دون ان تسمح لها بالخوض في التفاصيل. وقائع التاريخ اللبناني الحديث وعلى وجه الدقة الذي بدأ في العام 1982، وهو عام الاجتياح الاسرائيلي الاكبر وعام احتلال بيروت وترحيل منظمة التحرير الفلسطينية الى المنافي، وايضا عام قيام حزب الله وبروزه كرقم صعب في المعادلة اللبنانية والاقليمية، تقول ان اسرائيل بتصفيتها لقائد في الصف الاول او الثاني، تحصل على من هو اكثر تشددا وشعبية منه، حدث هذا مع عباس الموسوي امين عام الحزب، والذي لم يكن خطيبا مفوهاً او شخصية كاريزمية، فجاء حسن نصرالله ليتصدر المشهد، كذلك الحال مع راغب حرب وبعض الكوادر القيادية، التي نجحت اسرائيل مباشرة او عبر عملائها الكثر في لبنان في تصفيتهم. ما يعنينا هنا هو محاولة قراءة ما بعد تصفية عماد مغنية، الذي غدا شخصية اسطورية، بعد كل الاموال والجوائز التي رصدت لاعتقاله واغتياله، وبعد كل ما اثير حول قدراته التنظيمية والعسكرية وعقله الاستراتيجي، الذي يصل بين جنوب لبنان وبيروت والعاصمة التركية انقرة، الى بيونس ايرس في الارجنتين والتخطيط لخطف الطائرات والاختفاء في طهران، ثم ترحيل الاخيرة له خوفاً من الانتقام، ثم الكشف عن انه كان حارساً لياسر عرفات، الى الاقرار مؤخراً بأنه كان مهندس حرب تموز 2006، ومديراً لعمليات حزب الله ضد الجيش الاسرائيلي، والمخطط الكفؤ لحماية زعماء حزب الله وتوفير الامن لهم.. تصفية شخصية كهذه تدفع حزب الله الى اعادة قراءة المشهد اللبناني والاقليمي، وفق المعطيات التي افرزتها عملية كفرسوسة، وايضا في ظل ردود فعل ''الاكثرية'' على الضربة الموجعة التي تلقاها الحزب، والتي يمكن رصدها في التظاهرة الشعبية التي دعت اليها الموالاة ''اليوم'' في مناسبة الذكرى الثالثة لاغتيال رفيق الحريري، والتي هدفت الاكثرية من ورائها استعادة بعض الزخم الجماهيري، الذي فقدته عبر لجوئها الى التصعيد وتَقَصُّد اختيار لغة التهديد بالحرب والاستعداد لحرق الاخضر واليابس.. ذكرى الرابع عشر من شباط، رأى فيها وليد جنبلاط ''موعداً مع التجديد والتحدي''، وأعلن في غير مواربة، ان التعايش مع حزب الله لم يعد وارداً، واتهمه صراحة بأنه يريد اقامة دولة ''شيعية'' في المنطقة الواقعة الى جنوب طريق الشام.. فيما لوّح سمير جعجع وسعدالدين الحريري، براية المحكمة الدولية وقصاصها القريب.. قد تكون هذه التصريحات باتت جزءاً من ''الماضي''، رغم طزاجتها واصدائها التي كانت ما تزال تتردد الى ما قبل الكشف عن اغتيال عماد مغنية صباح يوم امس. ما قد يحدث اليوم في ساحة الشهداء (حيث تتجمع الموالاة)، وقريباً من السراي الحكومي القريب (حيث تعتصم المعارضة منذ عام ونيف)، سيكون المؤشر على الطريق الذي سيذهب اليه لبنان، وخصوصاً انه اليوم الذي سيشيع فيه جثمان عماد مغنية أو الحاج رضوان.. ايضاً. عن صحيفة الرأي الاردنية 14/2/2008