الولايات المتحدة وسيادة العراق:. الحزب الشيوعي نموذجاً محمد خرّوب ما يزال موقف الحزب الشيوعي العراقي من مسألة الغزو الاميركي للعراق، ومشاركته في التشكيلات والحكومات، التي جاء بها الاحتلال، سواء تلك التي حملت اسم مجلس الحكم، ام الحكومات الانتقالية، وصولاً الى حكومة نوري المالكي، التي توصف بأنها اول حكومة دائمة، جاءت بعد اول انتخابات عامة، تجري وفق الدستور الدائم الذي تم اقراره.. نقول ما يزال هذا الموقف يثير الكثير من الاسئلة، والشكوك والالتباس، حول ما استقر عليه حال الشيوعيين العراقيين، وان كان يصعب تصنيفهم تحت هذا العنوان العريض لأن الحزب الحالي تعرض لانشقاقات وانسحابات من صفوفه وان كان ما يزال يحمل اسم ذاك الحزب العريق والمناضل الذي لعب دوراً بارزاً في تاريخ العراق الحديث منذ ان تم اشهاره قبل 74 عاماً (تأسس في العام 1934) بل هو في واقع الحال اقدم حزب سياسي في الدولة العراقية التي تأسست في العام 1923. الأضواء التي سُلطت على الحزب الشيوعي العراقي لم تزل قائمة وكل ما بذله قادة هذا الحزب وبعض رموزه لتبريره موقفهم الممالىء او المتماهي مع مواقف الاحزاب والمكونات السياسية والحزبية العراقية وخصوصاً منها تلك الدينية ذات المنحى الطائفي الواضح، لم تنجح في اقناع احد، بأن الشيوعيين العراقيين الذين برزوا على خريطة ما بعد التاسع من نيسان 2003 هم انفسهم الذين كانوا يتوفرون على رؤية سياسية واضحة ترفع شعار اعط الشعب ما يريد، وطنٌ حر وشعب سعيد ووفق نظرية محددة لا تهمل موازين القوى ولا تفسح في المجال للانفعال او العدمية او التهور او الانزلاق الى مواقع التطرف او الارهاب او صرف النظر عن مخاطر هيمنة الاحزاب الدينية والطائفية ولكنها في الآن ذاته، لا تتنازل عن مواقفها ورؤاها حيال الخطر الذي تشكله سياسات الولاياتالمتحدة، بما هي القطب الاوحد، على الأمن والسلم الدوليين وخصوصاً بعد وصول الادارة الاميركية الحالية الى البيت الابيض والحروب العدوانية التي بدأتها مباشرة بعد هجمات الحادي عشر من ايلول 2001، تلك الحروب غير المشروعة التي لم تستند الى القانون الدولي، بل تم اختراع مبرراتها الكاذبة التي بدأت تظهر للعالم الآن، وتضع الولاياتالمتحدة على رأس اكثر الدول تهديداً لأمن واستقرار العالم.. لا نحسب ان الشيوعيين العراقيين لا يدركون مثل هذه القراءة بل ربما لا تجد حزباً شيوعياً في العالم العربي يتوفر مثلهم على الخبرة والقدرة والتراث المجيد في النضال ومقارعة الاستبداد والديكتاتورية والشوفينية على نحو يثير الاعجاب وبخاصة قدرته على استقطاب البسطاء من الفلاحين والعمال والطلاب وحتى داخل صفوف المؤسسة العسكرية التي حظر النظام السابق عمل أي حزب سياسي داخلها باستثناء حزب البعث الحاكم.. لكن ذلك كله، لا يسوغ لهذا الحزب العريق، كل هذا الانخراط الكلي في المشروع الاميركي والجلوس على طاولة واحدة مع الاحزاب الدينية والطائفية التي يزعم انه يرفض ايديولوجياتها ومقارباتها السياسية والدينية.. وخصوصاً في اشارته الى ان ظاهرة سيطرة هذه الاحزاب (الطائفية والعرقية) على مقاليد الأمور في البلاد تعود الى تراجع الحركات الاشتراكية والقومية وضعفها .. مناسبة هذه العجالة هي المقابلة المستفيضة التي اجراها موقع ايلاف الالكتروني مع سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حميد مجيد موسى حيث اجابات الاخير كانت عمومية، لا يستطيع المدقق فيها ان يخرج بموقف سياسي او فكري محدد وواضح للحزب من مجمل ما يحدث في العراق من انهيار كامل للدولة ومؤسساتها، ومن سيادة مبدأ المحاصصة الطائفية والمذهبية وتمأسس الفساد ونهب الثروات الوطنية وتمزق نسيج المجتمع العراقي والاخطر من ذلك كله هو انعدام أي معارضة حقيقية وجادة للاحتلال الاميركي، وتفرد واشنطن في تقرير مستقبل العراق وتحديد الحزب او القائمة او الشخصية التي يحق لها المشاركة في الحكومة او البرلمان او استبعادها لهذا السبب او ذاك.. اكثر ما يلفت الانتباه في كل ما قاله ابو داود كما يناديه رفاقه في الحزب، هو قوله الذي لا تسنده أي ممارسات ميدانية او ادبيات او وثائق ان مقارعته للامبريالية مستمرة لكن علاقته مع الاميركان حالياً ضرورة راهنة لاعادة السيادة والاستقلال .. لا يستطيع المرء ان يصرف النظر عن التناقض الكبير الذي تضج به العبارة السابقة، وما تنطوي عليه من استغفال للقارئ والمتابع على حد سواء، وما تذهب اليه بعيداً في التعلق بالاوهام والاماني غير القابلة للتحقق وخصوصاً اذا كانت مطروحة من قبل قائد لحزب عريق لا يمكن شطب دوره (له وعليه) من تاريخ العراق المعاصر.. واذ حاول السيد حميد مجيد موسى استدعاء موقفه في المرحلة التي سبقت الغزو الاميركي البريطاني للعراق بالقول (ان الحزب عندما كان يواجه مهمة اسقاط الديكتاتورية قد ميز نفسه ورفض تحقيق ذلك عن طريق الحرب التي كانت تروج لها اميركا وبعض حلفائها لم يسمّهِم )، فانه بدا مستسلماً لما آلت اليه الأمور، مستطرداً لكن الحرب وقعت وسقط النظام وحصل ما حصل في البلد .. حسناً، رغم التجاهل المقصود للمخططات الاميركية بعيدة المدى (والمعلنة) في العراق وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال، ثمة بعض التساؤلات.. ماذا حصل في البلد؟ وماذا يحصل الآن؟ وكيف يبدو الحزب الشيوعي مقتنعاً بمقعدين في مجلس النواب، ولا يستطيع الخروج على هذه المعادلات التي يقول انها واقع لا يمكن تجاهله؟.. وأين هي الجهود والمحاولات التي بذلها الشيوعيون العراقيون لفك ارتباطهم (الذي يبدو وثيقاً) مع الاحزاب الدينية، والطائفية، والمذهبية، التي تبسط هيمنتها على المشهد العراقي؟ وكيف يمكن ان تمضي خمس سنوات كاملة دون ان يتمكن الشيوعيون (هذا ان رغبوا) في اقامة جبهة وطنية او تحالفات ذات طابع علماني ووطني مهما كانت مؤثرة، لكنها تنأى بنفسها عن الاحتلال ولا تقع تحت وهم اعتبار العلاقة مع اميركا، ضرورة راهنة لاستعادة السيادة؟. اسئلة كثيرة بلا اجابات وقراءة نص المقابلة يسمح للمتابع بمزيد من الاطلاع (ايلاف 5 و6 شباط الجاري).. عن صحيفة الرأي الاردنية 9/2/2008