أول الشرارة ... أول الفكرة علي بدوان في لحظات صعبة من تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، غادر الدكتور جورج حبش دنيا الوجود بعد أن ملأ الساحة الفلسطينية والعربية حضوراً وفعلاً وتأثيراً، كما يغادر الرجال التاريخيون من أبناء فلسطين من صنو القسام والشقيري وياسر عرفات... غادر جورج حبش دنيا الوجود رجلاً صلباً ومنتمياً، كصلابة وانتماء شجرة الزيتون الفلسطينية العتيقة، بعد أن صنع المكانة كرائد في الكفاح الوطني التحرري للشعب الفلسطيني، فكان أول الشرارة، وأول اللهيب والفكرة الصاعدة التي تلت نكبة فلسطين، ففي حرم الجامعة الأميركية في بيروت وبدءاً من كتائب الفداء والعروة الوثقى مروراً بحركة القوميين العرب والجبهة الشعبية بدء رسالة الوطنية، فقد ولد في مدينة اللد عام 1924 ودرس طب الأسنان في الجامعة الأميركية في بيروت، عاش لحظات النكبة. وشاهد بأم عينه مأساة شعب بأكمله إبان التهجير العرقي الواسع الذي نفذته العصابات الصهيونية، خصوصاً في منطقة اللد والرملة حيث قاد إسحق رابين عملية طرد الفلسطينيين من وسط فلسطين فالتجأت أسرة جورج حبش من اللد الى الضفة الشرقية، فتركت النكبة بصماتها الكبيرة على شخصية وسمات وتكوين الدكتور حبش، فشب على المأساة محاولاً تلمس طريق العودة والتحرير، فانطلق بتوسيع إطارات حركة القوميين العرب التي تشكلت نواتها الأولى في الجامعة الأميركية في بيروت، متلمساً عبرها طريق العودة الى فلسطين. ومن مخاضات حركة القوميين العرب عمل في التأسيس لانطلاقة الجناح العسكري الفلسطيني منذ عام ,1963 فأعلن الدكتور جورج حبش بعد حين من نضوج الفكرة ونمو أزهارها، أعلن قيام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 7/12/,1967 عبر بيانها التأسيسي الموجه للشعب الفلسطيني والأمة العربية، والداعي «لإعلان الكفاح المسلح والاستمرار فيه بالرغم من كل الصعاب»، والى اعتماد «لغة العنف الثوري ضد الاحتلال»، مركزاً على أهمية العمل في الداخل الفلسطيني، وعلى تكريس شعار «نموت ولا نهاجر»، ومؤكدا على ضرورة مصارحة الجماهير، فطرحت الجبهة الشعبية بقيادته شعار «كل الحقيقة للجماهير». جورج حبش، الرجل الوحدوي المسيس صاحب مقولة (كل البنادق نحو العدو)، وصاحب مقولة (ثورة ثورة حتى النصر) تمسك بالبعد القومي للصراع مع الصهيونية مع تحوله الى الماركسية مازجاً بين الخاص والعام، ارتبط بعلاقة خاصة ذات طابع قومي حميمي مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، خطيب مفوه، يمتلك حضوراً وكاريزما عالية بين الناس، منظّر سياسي وإيديولوجي، قادر على جذب الاهتمام وتحشيد الناس، وعرف عنه وحدويته، ونزاهته العالية، ونقاؤه الوطني، ورفضه المساومات الى حد التطرف وفقدان السياسة، فاكتسب لقب (ضمير وحكيم الثورة)، له العديد من المقولات التي حاول فيها دوماً تكريس رؤيته ومفاهيمه الكفاحية، فهو من قال: ÷ «تستطيع طائرات العدو أن تقصف مدننا ومخيماتنا وتقتل الأطفال والشيوخ والنساء ولكن لا تستطيع قتل إرادة القتال فينا». ÷ «لا تستوحشوا طريق الحق لقلة السائرين فيه». ÷ «أنا مسيحي الديانة، إسلامي التربية، اشتراكي الفكر». ÷ «لا عذر لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها». تخلى طواعية عن موقعه كأمين عام للجبهة معتبراً خطوته بأنها تأتي «إيماناً مني بإفساح المجال لقادة غرسوا في النضال، وقناعة مني بأن الجبهة الشعبية لديها القدرة على خلق القيادات... إضافة للجانب الديموقراطي». وباستقالته من الأمانة العامة للجبهة سلم دفة القيادة للشهيد أبو علي مصطفى الذي يعتبر بدروه من أبرز الشخصيات التي لعبت دوراً هاماً في تاريخ الجبهة الشعبية والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، الذي استشهد يوم الاثنين 27 آب (أغسطس) 2001 في عملية اغتيال نفذها الاحتلال، بقصف مكتبه في مدينة البيرة مباشرة من طائرة مروحية أميركية الصنع تعمل في جيش الاحتلال، فكان أول أمين عام يستشهد فوق أرض فلسطين. قبله، خارج أرضه، سقط فتحي الشقاقي، بعدما أمضى في مقارعة السجون والأسلاك الشائكة نحو خمس وأربعين سنة متواصلة». عن صحيفة السفير اللبنانية 28/1/2008