مصر والسعودية علاقات ممتدة وآمال معقودة    أمانة المصريين بالخارج ب"مستقبل وطن" تستعد لانتخابات مجلس النواب بخطة عمل مكثفة    قبل انطلاق النسخة الثالثة.. صفقات أندية دوري المحترفين موسم 2025-2026    قناة «هي» تعلن عن برنامج سياسي جديد بعنوان «السياسة أسرار»    اختيار رئيس المصرية للاتصالات وأورانج ضمن أقوى 20 قائدا للبنية التحتية الرقمية في إفريقيا    نصر وشاكر ضمن قائمة أقوى قيادات البنية التحتية الرقمية في إفريقيا    عيار 21 يسجل رقما جديدا.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025 بالصاغة بعد الانخفاض    رسميا بعد إلغاء الاشتراطات.. خطوات استخراج رخصة بناء جديدة وعدد الأدوار المسموح بها    سعر طن الحديد الاستثماري وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 22 أغسطس 2025    تعليم الجيزة تواصل أعمال الصيانة والتجديد استعدادا للعام الدراسي الجديد    إعلام فلسطيني: استشهاد طفل بقصف إسرائيلي على مخيم النصيرات وسط غزة    اليوم، إعلان رسمي عن المجاعة في غزة للمرة الأولى    نتنياهو يوجه ببدء مفاوضات لإطلاق الرهائن وإنهاء الحرب في غزة    ليبيا: إحباط محاولة لاستهداف مقر الأمم المتحدة في جنزور    طبيب الزمالك يكشف عن إصابة أحمد حمدي    تصدر المصري والقطبين "يوم فوق ويوم تحت"، ترتيب الدوري المصري بعد الجولة الثالثة    آدم كايد يعرب عن سعادته بفوز الزمالك على مودرن سبورت    خوان ألفينا يحصل على جائزة أفضل لاعب في مواجهة الزمالك ومودرن    كيف تفاعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع فوز الزمالك على مودرن سبورت بالدوري؟ (كوميك)    لاعب الأهلي الأسبق: ديانج لا غنى عنه.. وبن رمضان الصفقة الأفضل    اليوم انطلاق مباريات دوري المحترفين بإقامة 3 مباريات    إحالة أوراق المتهم بقتل أطفاله الأربعة في القنطرة غرب إلى مفتي الجمهورية    تنفيذ حكم الإعدام في مغتصب سيدة الإسماعيلية داخل المقابر    غرق طالب طب بروسيا خلال إجازته الصيفية في مطروح    روسيا تفرض على مواطنيها تطبيق منافس لتطبيق واتساب.. ما القصة؟    ليلة استثنائية في مهرجان القلعة.. علي الحجار يُغني المشاعر وهاني حسن يُبدع بالسيمفوني| صور    بحضور كامل العدد، علي الحجار يشعل أجواء القلعة بباقة من أشهر أغانيه    تعرف على العروض الأجنبية المشاركة في الدورة ال32 لمهرجان المسرح التجريبي    «بيحبوا يقعدوا لوحدهم».. 4 أبراج تجد راحتها في العزلة    محمد رمضان ينشر فيديو استقباله في بيروت: "زي ما فرحتوني هدلعكم"    جولة مفاجئة لوكيل مستشفى الفيوم العام لضمان جودة الخدمات الطبية.. صور    مش هتشتريه تاني.. طريقة عمل السردين المخلل في البيت    طريقة عمل السينابون بالقرفة بسهولة في المنزل    «هتسد شهيتك وتحرق دهونك».. 4 مشروبات طبيعية تساعد على التخسيس    تظهر على أصابعك- 3 علامات تخبرك بأن كبدك مريض.. أعراض أمراض الكبد على الأصابع    الدوري المصري – موعد مباراة الزمالك المقبلة ضد فاركو والقناة الناقلة    مصرع شابين غرقا بنهر النيل فى دار السلام بسوهاج    جمصة تحذر من ارتفاع الأمواج اليوم وتطالب بالالتزام بتعليمات فرق الإنقاذ    اليوم.. فصل التيار الكهربائى عن عدد من مناطق وأحياء مدينة كفر الشيخ    أزمة وتعدى.. صابر الرباعى يوجه رسالة لأنغام عبر تليفزيون اليوم السابع    تقارير استخباراتية إسرائيلية : أغلب ضحايا حرب غزة من المدنيين    محمود فوزي: الحكومة ملتزمة بحماية المواطنين في تطبيق قانون الإيجار القديم    منتدى المنظمات الأهلية ب"القومى للمرأة" يعقد اجتماعه الدورى    «إزاي قبلت الإهانة».. تفاعل مع فيديو لعريس يركل عروسه ويسقطها في حمام السباحة    حدث بالفن| النصب على فنانة وإحالة نجمة لمجلس تأديب والتقرير الكامل لحالة أنغام الصحية    جمعوا 100 مليون دولار.. غانا تسلم أمريكا "النصابين الثلاثة".. ما القصة    3 ظواهر جوية تضرب البلاد .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «توخوا الحذر»    جهات طبية تقدم خدمات علاجية للمحامين بالمجان    الولايات المتحدة تفرض عقوبات على ميسري مبيعات النفط الإيرانية    العثور على 6 جثث في مصنع ألبان بولاية كولورادو الأمريكية    خالد الجندي: الدفاع عن الوطن وحماية مصالحه من تعاليم الإسلام    في مؤتمر صحفي.. قائمة المستقبل تعلن عن مرشحيها وبرنامجها لخوض انتخابات نقابة الأطباء    محافظ القليوبية يستعين بخبرات طبية لمتابعة مصاب حريق الشدية ببنها    هل يستجاب دعاء الأم على أولادها وقت الغضب؟.. أمين الفتوى يجيب    السيسي يصدر قانونًا بتعديل بعض أحكام قانون الرياضة    متصلة: بنت خالتي عايزة تتزوج عرفي وهي متزوجة من شخص آخر.. أمين الفتوى يرد    لا أستطيع أن أسامح من ظلمنى.. فهل هذا حرام؟ شاهد رد أمين الفتوى    رئيس المعاهد الأزهرية يتفقد المشروع الصيفي للقرآن الكريم بأسوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكامل مصر والسودان.. هل أصبح في خبر كان؟ / د. علي السلمي
نشر في محيط يوم 23 - 06 - 2009


تكامل مصر والسودان.. هل أصبح في خبر كان؟




د. علي السلمي

في ختام حديثه بندوة حزب الوفد عن قضية استصلاح الأراضي، ألمح المهندس حسب الله الكفراوي إلي مشروعات التكامل بين مصر والسودان وأبدي أسفه ونحن معه علي المصير الذي انتهت إليه تلك الفكرة.

ودفعني هذا إلي البحث عما جري، وتبينت أن الرئيسين السادات والنميري كانا قد وقعا في الثاني عشر من فبراير 1974 بالإسكندرية ما أطلق عليه »منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي« ليكون أساساً تنطلق منه جهود البلدين من أجل التنسيق السياسي والعمل الاقتصادي المشترك لما فيه خير الشعبين المصري والسوداني، ولا شك فإن الاستثمار الصحيح للطاقات الزراعية وترشيد موارد الدولتين من مياه النيل وفتح آفاق التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل المنتجة لأبناء الشعبين كانت كلها من الدوافع وراء توقيع المنهاج، فضلاً عن دواعي التنسيق السياسي.

ومضت السنوات من دون أن تتحقق أهداف المنهاج علي أرض الواقع، ثم وفي الثاني عشر من أكتوبر 1982، قام الرئيس مبارك بزيارة إلي الخرطوم تم أثناءها توقيع ميثاق للتكامل بين مصر والسودان، وكان الرئيس نميري هو أيضاً من وقع عن السودان! وفي كلمته في الاحتفال بتوقيع الميثاق، أفاض الرئيس مبارك في الحديث عن الروابط التاريخية بين البلدين منذ أواخر الدولة القديمة عام 1500 قبل الميلاد ومؤكداً أن »الرابطة القائمة بين أبناء وادي النيل هي أقوي وأعمق من كل صور الوحدة الدستورية«.

وكان قد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 705 لسنة 1982 بالموافقة علي ميثاق التكامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الديمقراطية بهدف توطيد علاقاتهما الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وبأن يعامل مواطن أي من البلدين المتمتع بحق الإقامة في البلد الآخر معاملة مواطنيه في كل الحقوق والواجبات التي حددها الميثاق، وإلغاء جميع القيود بما فيها الرسوم الجمركية التي تعوق حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال، وحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية، وحرية الإقامة والعمل والتملك والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي. وتمضي السنوات ولا يتحقق من مشروعات التكامل شيء.

وبوقوع الانقلاب العسكري ضد الرئيس نميري تقرر حكومة السيد الصادق المهدي الجديدة إلغاء المجلس الأعلي للتكامل وسحب ممثلها فيه وتبنت بديلاً عنه ما أسمته " ميثاق الإخاء" الذي وصفه الأستاذ فهمي هويدي في مقال نشره في شهر مايو الماضي بأنه »كان بمثابة نكوص أدي إلي تراجع العلاقات خطوات إلي الوراء«.

ثم تتأزم العلاقات بين مصر والسودان بعد حادث محاولة الاعتداء علي الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1995، التي شاركت فيها بعض أطراف الحكم في الخرطوم حسب فهمي هويدي في مقاله المشار إليه، ويتوقف أي حديث عن التكامل وتفرض علي السودانيين قيود في دخول مصر وينتظرون الساعات الطويلة في مطارات ومواني مصر قبل أن يحصلوا علي تأشيرة الدخول، وتلغي معاملة السودانيين المقيمين في مصر معاملة المصريين كما كان ميثاق التكامل ينص علي ذلك في المادة رقم 1 من الباب الأول.

وفي عام 2003، يقوم الرئيس مبارك بزيارة إلي الخرطوم وصفها صفوت الشريف وزير الإعلام في ذلك الوقت بأنها "زيارة تاريخية أعادت الدماء إلي اتفاقيات التكامل بين البلدين«، وفي تصريحاته خلال اجتماع النادي السياسي للحزب الحاكم مساء 3 مايو من ذلك العام، وصف الشريف نجاح التكامل بين مصر والسودان في التجارة والزراعة "بأنه نواة يمكن أن يحتذي بها لسوق عربية مشتركة"!

ولعلنا ندرك الآن سبب تعثر تلك السوق العربية المشتركة الموعودة منذ 1945. وفي ذلك الاجتماع للنادي السياسي يعلن يوسف والي وزير الزراعة في ذلك الوقت »أن لجنة الأمن الغذائي المشتركة قررت تخصيص 50 ألف فدان في السودان لزراعتها بالذرة الصفراء علي أن تقوم مصر بتوفير التقاوي العالية الإنتاج والتكنولوجيات المطلوبة لها، كما ذكر أنه تقرر إنشاء مزرعتين نموذجيتين مساحة كل منهما عشرة آلاف فدان إحداهما في الجانب السوداني والأخري في الجانب المصري من منطقة أرقين المقرر استصلاح مليوني فدان جديدة بها«.

وبعد عام تقريباً (مايو 2004) يصرح وزير الزراعة والموارد المائية السوداني في ذلك الوقت د. أحمد المجدوب آل خليفة بأن السودان قرر منح 150 ألف فدان بالمجان لكل مستثمر مصري بالسودان للعمل علي زراعتها وذلك بهدف تنمية السودان واستثماراً للأموال المصرية بشكل جيد.

ويتم الإعلان عن الاتفاق علي مبدأ الحريات الأربع لمواطني البلدين العمل، التنقل، التملك، والإقامة. ويوم 15 سبتمبر 2004 صدر بيان مشترك عقب اجتماع اللجنة البرلمانية المصرية السودانية المشتركة وبهذه المناسبة صرح د. أحمد فتحي سرور بأن هذا الاجتماع هو انتصار وتتويج لعلاقات التكامل بين البلدين، وقال إن البيان المشترك أكد أهمية دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار السياسي وإعطاء الأولوية للمشروعات الإنتاجية في مجال التكامل. كما أوضح أن اللجنة أكدت أهمية الإسراع بتنفيذ مشروع التكامل ووضع الإستراتيجية العشرية لتحقيقه!!

وتظل مشروعات التكامل بين مصر والسودان موضوعاً لتصريحات الرؤساء والوزراء من دون أن تجد طريقها للتنفيذ علي أرض الواقع. ويأتي العام 2008 لينعقد الملتقي الاستثماري السوداني المصري بالخرطوم في أول إبريل وبحضور د. محمود محيي الدين وثلة من رجال الأعمال المصريين .

ثم يحضر إلي مصر في شهر يوليو من نفس العام وزير الدولة للزراعة في السودان الدكتور صادق عمارة والمكلف رسمياً من الرئيس السوداني عمر البشير بمسئولية التكامل الزراعي بين البلدين ويصرح في ندوة عقدت بصحيفة الأهرام وأدارها الصحفي محمود مراد بأن هناك مساحة 1.6مليون فدان جاهزة للزراعة في منطقة أرقين [أرجين كما ينطقها الإخوة السودانيون]، وأن الحكومتين المصرية والسودانية سوف تشاركان في إنشاء مزرعة نموذجية علي مساحة عشرة آلاف فدان لتكون مزرعة إرشادية ولتطوير كثير من الأصناف ويبدأ العمل بها نهاية هذا الشهر (المقصود شهر يوليو 2008).

ويضيف الدكتور صادق عمارة أن الحكومة السودانية ستوجه دعوات رسمية لعدد من الوزراء المصريين لزيارة منطقة أرجين والاتفاق علي الخطوات التنفيذية للمشروع. وبالمناسبة لم يبق في منصبه من هؤلاء الوزراء سوي الوزيرة فايزة أبو النجا أطال الله في بقائها حتي تشهد تنفيذ مشروع أرجين أو أرقين وإنشاء المزرعة النموذجية التي كان دكتور يوسف والي قد بشرنا منذ ست سنوات أنهما مزرعتان وليست واحدة فقط.

وكما هو الشأن مع كل قضايا الفشل الوطني، فإن المسئولين يجدون المخرج لتبرير فشلهم في إلقاء التبعة علي القوي الخارجية المعادية للعمل العربي المشترك وعلي أصابع إسرائيل الخفية التي تلعب في الظلام لإفساد العلاقات المصرية السودانية، وهكذا وجدنا الكثير من الأقلام تنسب انهيار فكرة التكامل إلي تلك الفكرة الهابطة والتي تقوم علي ترويج نظرية المؤامرة.

ويكفي لتقدير حجم الفشل في تنمية علاقات مصر والسودان وتفعيل فكرة التكامل بينهما أنه خلال الخمسة والثلاثين عاماً المنقضية منذ توقيع منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي في 1974، فقد حققت جنوب إفريقيا انتصارها علي التمييز العنصري وقام فيها حكم ديمقراطي وتبواءت مركزها بين دول العالم الناهضة وتحتل أربع من جامعاتها مكانها في قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم، وتقترب ماليزيا من تحقيق رؤيتها في إقامة دولة متقدمة اقتصادياً وتقنياً بحلول العام 2020، وقطعت دول أوروبا مشواراً هائلاً علي طريق الوحدة الاقتصادية والنقدية والتنسيق السياسي من خلال أجهزة الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، كما أنجزت بولندا وغيرها من دول شرق أوروبا تقدماً اقتصادياً وديمقراطياً مشهوداً بعد تخلصها من الحكم الشيوعي.

وحتي روسيا تعتبر اليوم واحدة من الدول الثماني الكبري صناعياً وتقنياً وتأثيراً في المشهد السياسي العالمي. وبينما تقبع لافتة قديمة متآكلة فوق مبني متهالك في أحد شوارع الخرطوم لتدل علي موقع خال من الحياة هو »إدارة فرع جامعة القاهرة«، ينهض برج الفاتح شاهداً علي الاستثمار الليبي ويجوب مندوبو الشركات الصينية السودان بالطول والعرض ويدير الماليزيون فنادق الخرطوم، ونبقي نحن في انتظار المناسبة القادمة للحديث عن أهداف التكامل ومساحة المزرعة النموذجية التي ستقام إن شاء الله في منطقة أرجين برعاية وزيري الزراعة القادمين في الحكومتين المصرية والسودانية.



*استاذ جامعي ورئيس الجمعية العربية للادارة
جريدة الوفد
23/6/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.