المجلس الأعلى يقر الشروط الجديدة لإنشاء معاهد عالية خاصة    برلماني يطالب بتعميم مبادرة حياة كريمة بجميع القرى على مستوى الجمهورية    محافظ الغربية: كلنا موجودين لخدمة الناس والمواطن لازم يحس إننا شغالين علشانه    رئيس هيئة الاستثمار: نعمل على تقديم حوافز لشركات تكنولوجيا العقارات العالمية    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم الثلاثاء    مجسمات ضوئية واحتفالات متنوعة.. ارتفاع نسب الإشغال الفندقي بمنتجعات جنوب سيناء مع اقتراب الكريسماس    إنقاذ 11 من بين 19 راكبا تم اختطافهم في إقليم السند بباكستان    الخارجية القطرية: ندين تصديق حكومة الاحتلال على إقامة 19 مستوطنة بالضفة الغربية    موعد والقناة الناقلة لمباراة برشلونة وغوادالاخارا في كأس ملك إسبانيا    المقابل المادي يعرقل إتمام صفقة انتقال مدافع إنتر ميلان إلى برشلونة    «لديه بعض المشاكل».. دغموم يكشف سبب عدم انتقاله للزمالك    ضبط 3 سيدات وشخصين بتهمة ممارسة أعمال منافية للآداب بالإسكندرية    سقوط أمطار غزيرة بالبحيرة.. والمحافظة ترفع حالة الطوارئ    عاجل- وزيرة التضامن تعلن ضوابط وشروط اختيار مشرفي بعثة حج الجمعيات الأهلية 1447ه    مصرع طالب جامعي على يد اخر فى مشاجرة بالمنوفية    ضبط جزار ذبح ماشية نافقة خارج المجزر بمدينة الشهداء بالمنوفية    الخريطة الزمنية للعام الدراسي 2025–2026.. امتحانات نصف العام وإجازة الطلاب    الشاعر جمال بخيت يرد على اتهام أم كلثوم بالبخل في فيلم الست    متحدث الأوقاف يكشف أهمية افتتاح متحف قراء القرآن الكريم في توثيق التلاوة المصرية    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    عاجل- دار الإفتاء تحدد موعد استطلاع هلال شهر رجب لعام 1447 ه    الطب العلاجي يتابع تنفيذ توجيهات وكيل الوزارة بمستشفى بلقاس    الجيش الأوكراني يعلن إسقاط 57 مسيرة روسية    برلماني بالشيوخ: المشاركة في الانتخابات ركيزة لدعم الدولة ومؤسساتها    وزير التربية والتعليم ومحافظ أسوان يتابعان سير العملية التعليمية بمدرسة الشهيد عمرو فريد المتميزة للغات    وزير الخارجية يبحث تعزيز العلاقات الثنائية المشتركة بين مصر والمجر    الأهلي يوافق على عرض إشتوريل برايا لضم محمد هيثم    رمضان السيد: كأس العرب أقوى من أمم إفريقيا.. ومتفائل بمشوار الفراعنة مع حسام حسن    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر والقنوات الناقلة    اليابان ترفع تحذيرها من الزلزال وتدعو لتوخي الحذر بعد أسبوع من هزة بقوة 7.5 درجة    الاتحاد الأوروبي ولبنان يطالبان إسرائيل بالانسحاب واحترام وقف إطلاق النار    خروقات متواصلة.. الاحتلال يرتكب 5 انتهاكات جديدة لوقف إطلاق النار في لبنان    بدء تصويت المصريين بالأردن في اليوم الأخير لجولة الإعادة بانتخابات النواب    الذهب يرتفع وسط توقعات بخفض جديد للفائدة في يناير    البدري: الشحات وأفشة مرشحان للانضمام لأهلي طرابلس    التنازل عن أراضٍ لموسكو.. ما سبب المعركة الكلامية ل"زيلينسكي" مع واشنطن؟    وزارة الصحة توجه رسالة مهمة للحماية من مضاعفات الإنفلونزا.. اعرفها    مديرية الطب البيطري بالقاهرة: لا مكان سيستوعب كل الكلاب الضالة.. وستكون متاحة للتبني بعد تطعيمها    أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء 16 ديسمبر في سوق العبور للجملة    مباراة دراماتيكية.. مانشستر يونايتد يتعادل مع بورنموث في الدوري الإنجليزي    تعيين وتجديد تعيين 14 رئيسا لمجالس الأقسام العلمية بكلية طب قصر العينى    محافظ أسوان: صرف العلاج لأصحاب الأمراض المزمنة كل شهرين    نقيب المهن الموسيقية: فصل عاطف إمام جاء بعد تحقيق رسمي    محمد القس يشيد بزملائه ويكشف عن نجومه المفضلين: «السقا أجدع فنان.. وأتمنى التعاون مع منى زكي»    حورية فرغلي: بقضي وقتي مع الحيوانات ومبقتش بثق في حد    أيامى فى المدينة الجامعية: عن الاغتراب وشبح الخوف!    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 16 ديسمبر    إنقاذ قلب مريض بدسوق العام.. تركيب دعامتين دوائيتين ينهي معاناة 67 عامًا من ضيق الشرايين    العربية لحقوق الإنسان والمفوضية تدشنان حوارا إقليميا لإنشاء شبكة خبراء عرب    5 أعشاب تخلصك من احتباس السوائل بالجسم    منذر رياحنة يوقّع ختام «كرامة» ببصمته... قيادة تحكيمية أعادت الاعتبار للسينما الإنسانية    نقيب أطباء الأسنان يحذر من زيادة أعداد الخريجين: المسجلون بالنقابة 115 ألفا    محافظ القليوبية ومدير الأمن يتابعان حادث تساقط حاويات من قطار بضائع بطوخ    لجنة فنية للتأكد من السلامة الإنشائية للعقارات بموقع حادث سقوط حاويات فارغة من على قطار بطوخ    حضور ثقافي وفني بارز في عزاء الناشر محمد هاشم بمسجد عمر مكرم    هل الزيادة في الشراء بالتقسيط تُعد فائدة ربوية؟.. "الإفتاء" تُجيب    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟ الأزهر للفتوي يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تكامل مصر والسودان.. هل أصبح في خبر كان؟ / د. علي السلمي
نشر في محيط يوم 23 - 06 - 2009


تكامل مصر والسودان.. هل أصبح في خبر كان؟




د. علي السلمي

في ختام حديثه بندوة حزب الوفد عن قضية استصلاح الأراضي، ألمح المهندس حسب الله الكفراوي إلي مشروعات التكامل بين مصر والسودان وأبدي أسفه ونحن معه علي المصير الذي انتهت إليه تلك الفكرة.

ودفعني هذا إلي البحث عما جري، وتبينت أن الرئيسين السادات والنميري كانا قد وقعا في الثاني عشر من فبراير 1974 بالإسكندرية ما أطلق عليه »منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي« ليكون أساساً تنطلق منه جهود البلدين من أجل التنسيق السياسي والعمل الاقتصادي المشترك لما فيه خير الشعبين المصري والسوداني، ولا شك فإن الاستثمار الصحيح للطاقات الزراعية وترشيد موارد الدولتين من مياه النيل وفتح آفاق التنمية الاقتصادية وخلق فرص العمل المنتجة لأبناء الشعبين كانت كلها من الدوافع وراء توقيع المنهاج، فضلاً عن دواعي التنسيق السياسي.

ومضت السنوات من دون أن تتحقق أهداف المنهاج علي أرض الواقع، ثم وفي الثاني عشر من أكتوبر 1982، قام الرئيس مبارك بزيارة إلي الخرطوم تم أثناءها توقيع ميثاق للتكامل بين مصر والسودان، وكان الرئيس نميري هو أيضاً من وقع عن السودان! وفي كلمته في الاحتفال بتوقيع الميثاق، أفاض الرئيس مبارك في الحديث عن الروابط التاريخية بين البلدين منذ أواخر الدولة القديمة عام 1500 قبل الميلاد ومؤكداً أن »الرابطة القائمة بين أبناء وادي النيل هي أقوي وأعمق من كل صور الوحدة الدستورية«.

وكان قد صدر قرار رئيس الجمهورية رقم 705 لسنة 1982 بالموافقة علي ميثاق التكامل بين جمهورية مصر العربية وجمهورية السودان الديمقراطية بهدف توطيد علاقاتهما الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وبأن يعامل مواطن أي من البلدين المتمتع بحق الإقامة في البلد الآخر معاملة مواطنيه في كل الحقوق والواجبات التي حددها الميثاق، وإلغاء جميع القيود بما فيها الرسوم الجمركية التي تعوق حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال، وحرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية، وحرية الإقامة والعمل والتملك والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي. وتمضي السنوات ولا يتحقق من مشروعات التكامل شيء.

وبوقوع الانقلاب العسكري ضد الرئيس نميري تقرر حكومة السيد الصادق المهدي الجديدة إلغاء المجلس الأعلي للتكامل وسحب ممثلها فيه وتبنت بديلاً عنه ما أسمته " ميثاق الإخاء" الذي وصفه الأستاذ فهمي هويدي في مقال نشره في شهر مايو الماضي بأنه »كان بمثابة نكوص أدي إلي تراجع العلاقات خطوات إلي الوراء«.

ثم تتأزم العلاقات بين مصر والسودان بعد حادث محاولة الاعتداء علي الرئيس مبارك في أديس أبابا عام 1995، التي شاركت فيها بعض أطراف الحكم في الخرطوم حسب فهمي هويدي في مقاله المشار إليه، ويتوقف أي حديث عن التكامل وتفرض علي السودانيين قيود في دخول مصر وينتظرون الساعات الطويلة في مطارات ومواني مصر قبل أن يحصلوا علي تأشيرة الدخول، وتلغي معاملة السودانيين المقيمين في مصر معاملة المصريين كما كان ميثاق التكامل ينص علي ذلك في المادة رقم 1 من الباب الأول.

وفي عام 2003، يقوم الرئيس مبارك بزيارة إلي الخرطوم وصفها صفوت الشريف وزير الإعلام في ذلك الوقت بأنها "زيارة تاريخية أعادت الدماء إلي اتفاقيات التكامل بين البلدين«، وفي تصريحاته خلال اجتماع النادي السياسي للحزب الحاكم مساء 3 مايو من ذلك العام، وصف الشريف نجاح التكامل بين مصر والسودان في التجارة والزراعة "بأنه نواة يمكن أن يحتذي بها لسوق عربية مشتركة"!

ولعلنا ندرك الآن سبب تعثر تلك السوق العربية المشتركة الموعودة منذ 1945. وفي ذلك الاجتماع للنادي السياسي يعلن يوسف والي وزير الزراعة في ذلك الوقت »أن لجنة الأمن الغذائي المشتركة قررت تخصيص 50 ألف فدان في السودان لزراعتها بالذرة الصفراء علي أن تقوم مصر بتوفير التقاوي العالية الإنتاج والتكنولوجيات المطلوبة لها، كما ذكر أنه تقرر إنشاء مزرعتين نموذجيتين مساحة كل منهما عشرة آلاف فدان إحداهما في الجانب السوداني والأخري في الجانب المصري من منطقة أرقين المقرر استصلاح مليوني فدان جديدة بها«.

وبعد عام تقريباً (مايو 2004) يصرح وزير الزراعة والموارد المائية السوداني في ذلك الوقت د. أحمد المجدوب آل خليفة بأن السودان قرر منح 150 ألف فدان بالمجان لكل مستثمر مصري بالسودان للعمل علي زراعتها وذلك بهدف تنمية السودان واستثماراً للأموال المصرية بشكل جيد.

ويتم الإعلان عن الاتفاق علي مبدأ الحريات الأربع لمواطني البلدين العمل، التنقل، التملك، والإقامة. ويوم 15 سبتمبر 2004 صدر بيان مشترك عقب اجتماع اللجنة البرلمانية المصرية السودانية المشتركة وبهذه المناسبة صرح د. أحمد فتحي سرور بأن هذا الاجتماع هو انتصار وتتويج لعلاقات التكامل بين البلدين، وقال إن البيان المشترك أكد أهمية دعم التنمية الاقتصادية وتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار السياسي وإعطاء الأولوية للمشروعات الإنتاجية في مجال التكامل. كما أوضح أن اللجنة أكدت أهمية الإسراع بتنفيذ مشروع التكامل ووضع الإستراتيجية العشرية لتحقيقه!!

وتظل مشروعات التكامل بين مصر والسودان موضوعاً لتصريحات الرؤساء والوزراء من دون أن تجد طريقها للتنفيذ علي أرض الواقع. ويأتي العام 2008 لينعقد الملتقي الاستثماري السوداني المصري بالخرطوم في أول إبريل وبحضور د. محمود محيي الدين وثلة من رجال الأعمال المصريين .

ثم يحضر إلي مصر في شهر يوليو من نفس العام وزير الدولة للزراعة في السودان الدكتور صادق عمارة والمكلف رسمياً من الرئيس السوداني عمر البشير بمسئولية التكامل الزراعي بين البلدين ويصرح في ندوة عقدت بصحيفة الأهرام وأدارها الصحفي محمود مراد بأن هناك مساحة 1.6مليون فدان جاهزة للزراعة في منطقة أرقين [أرجين كما ينطقها الإخوة السودانيون]، وأن الحكومتين المصرية والسودانية سوف تشاركان في إنشاء مزرعة نموذجية علي مساحة عشرة آلاف فدان لتكون مزرعة إرشادية ولتطوير كثير من الأصناف ويبدأ العمل بها نهاية هذا الشهر (المقصود شهر يوليو 2008).

ويضيف الدكتور صادق عمارة أن الحكومة السودانية ستوجه دعوات رسمية لعدد من الوزراء المصريين لزيارة منطقة أرجين والاتفاق علي الخطوات التنفيذية للمشروع. وبالمناسبة لم يبق في منصبه من هؤلاء الوزراء سوي الوزيرة فايزة أبو النجا أطال الله في بقائها حتي تشهد تنفيذ مشروع أرجين أو أرقين وإنشاء المزرعة النموذجية التي كان دكتور يوسف والي قد بشرنا منذ ست سنوات أنهما مزرعتان وليست واحدة فقط.

وكما هو الشأن مع كل قضايا الفشل الوطني، فإن المسئولين يجدون المخرج لتبرير فشلهم في إلقاء التبعة علي القوي الخارجية المعادية للعمل العربي المشترك وعلي أصابع إسرائيل الخفية التي تلعب في الظلام لإفساد العلاقات المصرية السودانية، وهكذا وجدنا الكثير من الأقلام تنسب انهيار فكرة التكامل إلي تلك الفكرة الهابطة والتي تقوم علي ترويج نظرية المؤامرة.

ويكفي لتقدير حجم الفشل في تنمية علاقات مصر والسودان وتفعيل فكرة التكامل بينهما أنه خلال الخمسة والثلاثين عاماً المنقضية منذ توقيع منهاج العمل السياسي والتكامل الاقتصادي في 1974، فقد حققت جنوب إفريقيا انتصارها علي التمييز العنصري وقام فيها حكم ديمقراطي وتبواءت مركزها بين دول العالم الناهضة وتحتل أربع من جامعاتها مكانها في قائمة أفضل خمسمائة جامعة في العالم، وتقترب ماليزيا من تحقيق رؤيتها في إقامة دولة متقدمة اقتصادياً وتقنياً بحلول العام 2020، وقطعت دول أوروبا مشواراً هائلاً علي طريق الوحدة الاقتصادية والنقدية والتنسيق السياسي من خلال أجهزة الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي، كما أنجزت بولندا وغيرها من دول شرق أوروبا تقدماً اقتصادياً وديمقراطياً مشهوداً بعد تخلصها من الحكم الشيوعي.

وحتي روسيا تعتبر اليوم واحدة من الدول الثماني الكبري صناعياً وتقنياً وتأثيراً في المشهد السياسي العالمي. وبينما تقبع لافتة قديمة متآكلة فوق مبني متهالك في أحد شوارع الخرطوم لتدل علي موقع خال من الحياة هو »إدارة فرع جامعة القاهرة«، ينهض برج الفاتح شاهداً علي الاستثمار الليبي ويجوب مندوبو الشركات الصينية السودان بالطول والعرض ويدير الماليزيون فنادق الخرطوم، ونبقي نحن في انتظار المناسبة القادمة للحديث عن أهداف التكامل ومساحة المزرعة النموذجية التي ستقام إن شاء الله في منطقة أرجين برعاية وزيري الزراعة القادمين في الحكومتين المصرية والسودانية.



*استاذ جامعي ورئيس الجمعية العربية للادارة
جريدة الوفد
23/6/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.