لعل الملاحظ للانتخابات الإيرانية لاحظ الإقبال على التصويت قد بلغ رقما قياسيا هو 85 ' النسبة التي لم يسبق لها مثيل في الانتخابات الرئاسية السابقة في الجمهورية الإيرانية، النسبة كانت كبيرة جدا بحيث وصف حضورهم بالتاريخي، والأرجح كان الهدف منها تغيير الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فكيف يمكن لتلك الجماهير أن تعيد انتخاب محمود احمدي نجاد وهو يمثل في نظرها سياسات الفقر والبطالة وجر إيران في نزاعات لا تخدم المواطن الإيراني ناهيك عن أنها تتهمه بأنه المسبب في توتر العلاقات مع الغرب بسبب تصريحاته .
المشاركة الكبيرة في الانتخابات الإيرانية تمثل في المقام الأول الشباب الذين كانوا دائما خارج لعبة الانتخابات بسبب الشعور العام بعدم جدوى تحقيق التغيير في ظل النظام الحالي بسبب ضعف وعيوب النظام الانتخابي وهذا ناتج عن قصور أو تضييق في مواد الدستور الذي كتب بشكل انتقائي بحيث أنه لا يجوز لشخص من غير الطائفة الشيعية التقدم للانتخابات الرئاسية كما أن المرشح يجب أن يحظى بمواصفات تتوافق مع شروط دينية يحددها المرشد الأعلى ومجلس الوصاية على الدستور.
ولذلك تم انتقاء أربعة مرشحين من بين 470 تقدموا للترشيح للرئاسة رغم أن دور الرئيس ما هو إلا مجرد واجهة تنفيذية لأوامر الفقيه صاحب السلطة الحقيقية فالمرشد ومجلس الوصاية هما المصادقان على الانتخابات وهما يؤمنان بولاية الفقيه بحيث تكون إدارة الشؤون الدنيوية للناس من واجبات الفقيه وتكون القيادة للولي كخليفة للنبي وبذلك يكتسب أمره ونهيه قدسية خاصة لأنه ظل الله في الأرض كما ينص الدستور.
مطلب التغيير
أمام هذا الحائط الدستوري يصبح الأمل في التغيير الذي قد يكون نشده خروج الشارع الإيراني المليوني في حكم العدم، ولكن يبقى الأمر اللافت للنظر هو عدد المنتخبين هذه المرة الذي قفز إلى أعلى معدل له منذ اندلاع ما عرف بالثورة الإيرانية 1979.
كما أن تسجيل الناخبين وأهلية أي شخص للاقتراع تُحَدَّد بواسطة شهادة الميلاد وتكتفي المراكز الانتخابية بتسجيل الشهادة دون التحقق من سلامة الشهادة كما أن النظام الانتخابي الإيراني لا يلزم الناخب بالتوجه إلى دائرة انتخابية معينة كمكان سكنه مثلا ولهذا قد يزدحم مركز انتخابي دون آخر كما لا توجد آلية واضحة لمراقبة سلامة الإجراءات كما أن تضارب وتناقض عدد المؤهلين للانتخاب جعل الهيئة المشرفة على الانتخاب في حرج كبير فلا هي قادرة على تحديد العدد الفعلي المؤهل للانتخاب هل هو 46 مليون ناخب أم 52 مليونا.
والإشكالية الأخرى هي نسبة الأمية بين هذا العدد المفترض أنه انتخب 29 مليون فالأمية في إيران تفوق 22' مما يجعلها عائقا انتخابيا آخر حتى وأن كانت اللجنة المشرفة وضعت رموزا للمرشحين إلا أن هذا الآخر لم يحل المشكلة .هذا الزخم الانتخابي وهذا الحشد الشعبي وخروج الناس للشارع للانتخاب على غير عادته في الانتخابات الماضية حتى التي جاءت بالإصلاحي محمد خاتمي لم تصل نسبة المشاركة فيها لهذا الرقم مما يطرح استفهاما مهما هل كانت هذه الحشود الانتخابية هي مطلب التغيير الذي نشده الشعب عبر قناة سمح بها نظام ولاية الفقيه .
ولكن المشكلة الآخرة في النظام الانتخابي تكمن في لجنة المصادقة على النتائج هي مؤسسة الفقيه وبالتالي لن تسمح بمرور اي نتيجة ليست في صالح اي مرشح إصلاحي وبالتالي هي هيئة منحازة سلفا لطرف دون الآخر. وعلينا أن نفهم أن الانتخابات لا تعني وجود ديمقراطية فالنظام الثيوقراطي في إيران الذي يكرس ولاية الفقيه عبر مجلس الوصاية على الدستور. المجلس منع العلمانيين والمرأة من خوض الترشيح وبذلك افقد فرصة التغيير الحقيقي رغم أن جميع المرشحين ينشد التغيير.
وكأن لسان حالهم يريد القول أن ما كان يفعلونه في الماضي لم يكن إصلاحا أو أنه كان فاسدا، فمحمود نجاد رجل النظام الثيوقراطي يدعمه أيضا جهاز The Basij الأمني لقمع معارضيه في حين الحرس الإيراني يرسل إشارات، قبل الانتخابات، تهديد ضمنية للإصلاحيين كالتي كان يرسلها الجيش التركي لنجم الدين أربكان أي لا أمل لكم في التغيير بمعنى آخر .
ويبقى السؤال
أليست الديمقراطية الإيرانية محكومة'بمرجعيات ودستور ومشايخ ومجالس لا تعترف بالديمقراطية أصلا ففي هده الحالة لا ينتخب الشارع إنما تنتخب الصفوة وأصحاب النفوذ وبذلك ينتخب الرئيس نفسه مرة ثانية وثالثة ورابعة ولكن بصور مختلفة الشكل متطابقة المضمون وقد تتكرر الصورة والمضمون كما حدث مع محمود نجاد فالشارع كان الحاضر الأول حيث كان 70' من الناخبين من الشباب والنساء بل أن نسبة مشاركة النساء كانت أكبر من الرجال مما تدل على الرغبة الكبيرة في التغيير لأن الخيار هذه المرة كان بين الإصلاحي مير حسين موسوي 'رئيس الوزراء الأسبق' والمحافظ محمود احمدي نجاد 'الرئيس الحالي' .
ولكن يبدو أن الشارع الإيراني كان هو الخاسر الوحيد للانتخابات التي لم ترق نحو طموحاته أو حتى طموحات الأجيال القادمة فالتغيير لم يحدث ولن يحدث في ظل دستور ثيوقراطي جامد فحتى مدينة تبريز معقل الرئيس مير موسوي ذات الأغلبية الاذربايجانية فاز فيها محمود نجاد بنسبة 57 ' كما قال لنا معالي وزير الداخلية في حكومة نجاد لتطرح سؤالا هل فعلا أنتخب الشارع المليوني الإيراني أم هناك من ناب عنه حتى في كتابة أسم مرشحه الرئاسي !!!
فهل هناك من سرق الانتخابات واختفى!
حيث تم الإعلان عن فوز محمود احمدي نجاد لفترة رئاسة ثانية وحصوله على 62.6 في المئة من الأصوات في انتخابات وصفها رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي بأنها: 'تمثيلية خطيرة' ومزورة.
وفي ظل النتيجة الحالية للانتخابات هل أنتصر مفهوم أمريكا الشيطان الأكبر وهل ستبقى الملفات الثلاثة عالقة: الملف النووي الإيراني والاعتراف بإسرائيل وملف العلاقات الأمريكية والغربية؟ ولكن الإدارة الأمريكية في تعاملها مع إيران كانت غير موفقة حتى في عهد الإصلاحي محمد خاتمي ولم يستغل الغرب وأمريكا المناخ الإصلاحي الذي قاده الرئيس محمد خاتمي.
فبدلا من قبول إيران في المجتمع الدولي وضعت على قائمة محور الشر وكان في عهد خاتمي الإصلاحي وقد يبرر هذا فوز محمود نجاد ولكن المتتبع للسلوك الإيراني في المنطقة يلاحظ أنه يتأرجح بين المد الفارسي والمد الصفوي وأجندة خلط الأوراق والتدخل في شؤون الدول فساسة إيران يتحدثون خطابا مزدوجا ذو اتجاهين أحدهما 'سني' عندما يخاطبون عواطف المسلمين في غزة وأفغانستان .
والآخر وهو الأهم 'شيعي' وحين تخاطب العرب خاصة فإنها تخاطبهم بخطاب إمبراطوري فارسي متعال لكونها الآن بعد تفتيت العراق إلى فيدراليات طائفية لتصبح إيران الدولة الأقوى في المنطقة ذات توجه طائفي خالص وتاريخ فارسي في حين كان الأجدر بها التصرف كدولة مسؤولة وكبيرة في المنطقة بدلا من تصرفها كطائفة دينية يساعدها في ذلك أزمة الولاء للفقيه والإمام عند الشيعة.
ولكن يبقى السؤال هل فعلا انتخب الشارع الإيراني ؟ ولعل هذا يؤكد أن وجود الانتخابات لا تعني وجود ديمقراطية