باكستان في مواجهة الاستحقاقات إبراهيم غرايبة لا يعلم أكثر الناس والذين يعلمون من قادة السياسة لا يحبون أن يذكرهم أحد بأن "طالبان" كانت مشروع بي نظير بوتو، فقد كانت القيادة العسكرية السياسية في باكستان تستثمر في جماعات المجاهدين السياسية وبخاصة الحزب الإسلامي بقيادة حكمتيار بالإضافة إلى مجموعة من الأحزاب السياسية الأخرى مثل الجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني، والاتحاد الإسلامي بقيادة سياق عبد الرسول. وكانت المدارس الدينية تابعة لجماعات إسلامية سياسية في باكستان مثل جمعية علماء الإسلام بقيادة فضل الرحمن، والذي كان حليفا سياسيا لبوتو وعضوا في البرلمان الباكستاني، وكان هو صاحب فكرة تشكيل جماعات بديلة للحزب الإسلامي والجمعية قائمة على طلاب المدارس الدينية "طالبان، أي جمع طالب" وأساتذتها. وعندما كان على القيادة السياسية في باكستان أن تغير سياستها بمائة وثمانين درجة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، فقد كانت في الحقيقة تجري انقلابا استراتيجيا على سياسات ظلت متبعة قبل ذلك لأكثر من ربع قرن، كان قد بدأها ذو الفقار علي بوتو رئيس الوزراء الباكستاني الأسبق ووالد بي نظير بوتو، فبعد الانقلاب العسكري الأفغاني بقيادة رئيس وزراء أفغانستان محمد داود خان على ابن عمه الملك ظاهرة شاه والذي وقع عام 1973 وجدت باكستان أنها في مواجهة تحولات سياسية وإقليمية خطيرة بدأت تلقي بآثارها فورا، فقد تنامى تأثير النفوذ الشيوعي والسوفيتيي، وبدأت على الفور الحركات الانفصالية البشتونية والبلوشية تتحرك، واشتعلت ثورة بلوشية كانت تتخذ من أفغانستان مأوى لها. لكن القوات العسكرية الباكستانية والإيرانية تحالفتا في مواجهتها، وفي مقابل ذلك فقد بدأت الحكومة الباكستانية باستضافة ودعم الحركات السياسية المعارضة لمحمد داود والشيوعيين، ومن بينها الحركة الإسلامية الأفغانية بقيادة رباني وحكمتيار، وقدمت لها تسهيلات في العمل والتدريب والإيواء، وبرغم أن ضياء الحق قد انقلب على بوتو وقدمه إلى المحكمة ثم الإعدام، فإن سياسات التحالف مع الحركات الإسلامية الأفغانية ظلت متواصلة بل تزايدت وتيرتها، وبخاصة بعد الانقلاب الشيوعي على محمد داود عام 1978. وقد تجاوزت الاستخبارات العسكرية الباكستانية في رعايتها وعلاقاتها مع الجماعات المسلحة أفغانستان إلى كشمير والهند والبوسنة والهرسك، وفي عام 1994 قررت الوكالة رعاية حركة طالبان التي بدأت الصعود والتأثير لتحل محل الحزبين الرئيسيين للمجاهدين الأفغان، الحزب الإسلامي بقيادة قلب الدين حكمتيار، والجمعية الإسلامية بقيادة برهان الدين رباني. وكانت بداية العلاقة مع طالبان عندما استعانت باكستان بها لتأمين مرور قافلة من الشاحنات من قندهار إلى تركمانستان، وربما كانت هذه القافلة بمثابة تجربة لترتيب بناء خط لأنابيب الغاز والنفط يمر من آسيا الوسطى عبر أفغانستان حتى شواطئ بحر العرب في باكستان. وكان الدبلوماسيون الأميركيون في إسلام آباد يراهنون أيضا على هذه الحركة الناشئة لقيام حكومة مركزية قوية يمكنها أن ترعى عمليات الإمداد بالنفط والغاز عبر أفغانستان، وبدأت الأممالمتحدة أيضا تشارك باكستان والولايات المتحدة الرأي لأجل الوصول إلى حكومة تساعد في عمليات الإغاثة وإعادة الإعمار. وبدأت حركة طالبان في الصعود السريع فاستولت على مدينة قندهار، وأصبح الملا محمد عمر أسطورة أفغانية بعد أن أعدم قائدا اغتصب فتاتين قاصرتين وترك جثته معلقة على مدفع دبابة عدة أيام. ويذكر زاهد حسين في كتابه "جبهة باكستان" أن العشرات من ضباط الاستخبارات الباكستانية عملوا إلى جانب طالبان في التخطيط والمشورة لعملياتها وسياساتها، وكان ينسق ويدير هذه العمليات العقيد سلطان إمام الذي أسند إليه منصب قنصل باكستان في قندهار. واستطاع سلطان بخبرته الطويلة مع المجاهدين وبسبب تدينه ومظهره العام المنطبق مع الحالة الأفغانية أن ينجح في عمليات التنسيق والمشورة ونقل السلاح والتدريب، وصار بسرعة هو المستشار الرئيسي لحركة طالبان، وقد واصل سلطان دوره لفترة طويلة بعد أن انتقلت طالبان إلى كابل، وساعدها في عمليات توسعة نفوذها وسيادتها على أجزاء واسعة من أفغانستان. إن استحضار هذا التاريخ القريب يبدو اليوم ضروريا في سياق تحليل وفهم ما يجري في باكستان. عن صحيفة الغد الاردنية 9/1/2008