عودة الحق وحق العودة ممدوح طه كنا على ثقة أن مصر لا يمكن أن تتخلى عن إرادتها الوطنية ولاعن مسؤوليتها القومية ولا عن مبادئها الإنسانية في مواجهة التعنت والابتزاز الإسرائيلي اللاإنساني الذي حاول الاعتداء على وجه مصر الإنساني قبل وجه مصر العربي، بمحاولة توريطها في القبول بشروطه اللاإنسانية واللامنطقية للإساءة إلى مكانتها التاريخية ووزنها الإقليمي باعتبارها الشقيقة الكبرى في الأمة العربية ، وفي مواجهة العدوان الإسرائيلي الإجرامي الذي يعتدي كل يوم على غزة، ويمارس جرائم القتل الإرهابية ضد الشعب العربي الفلسطيني المحاصر.
كما كنا على ثقة أن الحجاج الفلسطينيين رغم عذاباتهم وأوضاعهم الإنسانية والصحية الصعبة، ورغم أنهم كانوا عزلاً من أي سلاح إلا سلاح الإيمان بالله وبحقهم في العودة والحياة أحرارا على أرضهم، لا يمكن إلا أن يكونوا رجالاً صابرين صامدين مقاومين لأي مساومة على حقهم في العودة من «معبر رفح» وهو ذات المعبر الذي خرجوا منه في طريقهم لأداء فريضة الحج، كما لا يمكن لهم الخضوع إلا لإرادة الله وليس لإرادة سلطات الاحتلال الإسرائيلي التي حاولت فرضها عليهم بالنفاذ إلى غزة عبر معبر «كرم أبوسالم» الإسرائيلي .
والحمد لله فقد تصرفت القيادة المصرية بمستوى حسن الظن بها عندما وجدت نفسها، بين التزاماتها التعاقدية بشأن المعابر التي تشترط وجود مراقب من السلطة الفلسطينية ومراقب من الاتحاد الأوروبي، ولما كانت السلطة الفلسطينية غاضبة من خروج حجاج غزة من معبر رفح، وغائبة عن غزة بسبب الضغوط الأميركية والإسرائيلية التي تخيرها بين الحوار مع حماس والحوار مع إسرائيل.
وقرارها بعدم الحوار مع حماس إلا بشروط، ولما كان المراقب الأوروبي (المدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان) غائباً عن المعبر لمقاطعته لحكومة حماس المنتخبة ديمقراطياً فقد بدا الموقف حرجاً أمام القيادة المصرية ..
وبين التزامات مصر الإنسانية والعربية وخاصة تجاه أبناء الشعب الفلسطيني في غزة، ولما واجهت التعنت الإسرائيلي والنفاق الأوروبي في اتصالاتها معهم فقد اتخذت القرار الصحيح بتغليب الالتزام الإنساني فوق الالتزام السياسي أيا كانت تبعاته، فقررت فتح المعبر من دون التوصل إلى اتفاق بعد أيام من محاولاتها حل الموقف المتشابك مع السلطات الإسرائيلية من ناحية ومع رئاسة السلطة الفلسطينية والمراقبين الأوروبيين من ناحية أخرى، الذين سبق لهم أن لاموا مصر لسماحها لحجاج غزة بالتوجه إلى الأراضي المقدسة من معبر رفح وأيضاً بقرار مصري من جانب واحد!
إن إصرار آلاف الحجاج الفلسطينيين على حق العودة إلى الأرض الفلسطينية التي خرجوا منها بإرادتهم ، ونجاحهم بالصبر والصمود وتحمل العذاب الإنساني بل وتحمل قسوة وفاة ثلاثة من الحجيج النساء خارج أسوار بوابات الحدود في تحقيق مطالبهم بمساندة عربية مصرية وسعودية هو نموذج مصغر لإصرار ملايين الشعب الفلسطيني اللاجئ خلف الحدود الذي أجبر على الخروج من أرضه بالإرهاب الصهيوني.
والتواطؤ الاستعماري الأوروبي على العودة إلى بيوتهم وأراضيهم في وطنهم المغتصب بالقوة والذين أخرجوا منه بوعد ممن لا يملك الوطن لمن لا يستحق الاستيلاء على هذا الوطن بغير حق ولا عدل ولا قانون دولي أو إنساني.
وإذا كانت العودة الصغيرة إلى قطاع غزة المحاصرة قد تمت بحمد الله بالصبر والصمود والمقاومة لإرادة الأعداء الصهاينة، وبمساندة الأشقاء العرب بتغليب الإنساني على القانوني فإن العودة الكبيرة إلى كل فلسطين لابد يوماً أن تتحقق بالصبر والصمود والمقاومة والمفاوضة وبكل الوسائل التي كفلتها مواثيق الأممالمتحدة وقراراتها للشعوب التي جرى احتلال أراضيها بالقوة والتي شردتها عصابات الاحتلال بالإرهاب.
حق العودة لسبعة ملايين لاجئ من أبناء للشعب الفلسطيني هو حق غير قابل للتصرف لأنه يسبق كل الحقوق الإنسانية والقانونية ليس طبقاً للشرعية الإلهية أو الإنسانية فقط بل طبقاً للشرعية القانونية الدولية أيضاً، بموجب القرار 194 للأمم المتحدة، الذي لا يخير الفلسطينيين بين العودة أو التعويض ولكن يعطي اللاجئين الفلسطينيين الحق في العودة والتعويض معاً، وهي الشرعيات التي يجب أن تعلو بحق العودة على شرعية «الدولة اليهودية». عن صحيفة البيان الاماراتية 5/1/2007