موسكو تزود طهران بالأسلحة جانا بوريسوفنا عقب إعلان تقرير وكالة المخابرات الأميركية، الذي كشف أن إيران قد تخلت عن برنامجها النووي العسكري منذ خريف عام 2003، ما اعتبره العديد من المراقبين السبب في تراجع واشنطن خلال الفترة الراهنة عن توجيه ضربة عسكرية لإيران، استأنفت موسكو التعاون العسكري مع طهران، والذي توقف منذ أواخر عام 2005، بعد أن سلمت روسيالإيران أنظمة للدفاع الجوي من طراز «تور إم 1» في صفقة بلغت قيمتها 700 مليون دولار.
وكانت صفقة الصواريخ قصيرة المدى (تور إم 1) تستهدف بالدرجة الأولى حماية منشآت محطة بوشهر الكهروذرية، التي تقوم بتشييدها شركة «ستروي أتوم» الروسية. ولا شك أن العامين الماضيين قد شهدا خمولاً في التعاون الروسي الإيراني، ليس فقط على الصعيد العسكري.
وإنما أيضا في انتهاء أعمال بناء محطة بوشهر وتوريد الوقود النووي للمحطة، وكان السبب في هذا التأخير التوتر والقلق الدوليين، بسبب برنامج طهران النووي، وعدم تجاوب طهران مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، للتأكد من الطبيعة السلمية لأهداف هذا البرنامج.
وقد أوقفت روسيا أعمال البناء في محطة بوشهر في بداية هذا العام بحجة تأخير الجانب الإيراني سداد التزاماته المالية، ثم أعلنت شركة «اتوم ستروي اكسبورت» الروسية أنها ستضطر لتأجيل توريد الوقود النووي المطلوب لتشغيل محطة «بوشهر» النووية بسبب قرار إيران إيقاف التعامل بالدولار وتحولت للتعامل باليورو، في حين لا تستطيع الشركة التحول للتعامل بعملة أخرى دون توقيع اتفاقية إضافية. وكان ذلك قبل انتهاء المهلة التي منحها مجلس الأمن الدولي لإيران لتعليق برنامجها النووي.
وعبرت الإجراءات الروسية عن استياء موسكو من عدم تجاوب إيران مع مطالب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بل وشكلت عامل ضغط على إيران باتجاه التزامها بقرارات الوكالة.
وتأرجح الموقف الروسي بين الضغط على إيران أو الحياد في التعامل مع تطورات الأزمة، مع إصرار موسكو على رفض استخدام القوة ضد طهران، وتشديد العقوبات المفروضة.
وعقب زيارة بوتين التي إيران، والتي تمت برغم معارضة وزارة الخارجية الروسية للقيام بها، أعلن الرئيس الإيراني حرص بلاده على التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
واستأنفت موسكو تعاونها مع إيران على مستوى تشييد المحطة، بل وقامت بتوريد شحنتين من الوقود النووي اللازم لتشغيل المحطة، ما عكس اتخاذ الكرملين لقرار واضح يقضي بمواصلة التعاون والتنسيق مع إيران.
ومنذ عدة أسابيع جرت سلسلة لقاءات روسية إيرانية، توصلت التي اتفاق بمنح إيران حق تجميع المروحيات العسكرية الروسية من طراز كا 32، ومن المتوقع أن يعقد اتفاق آخر ستقوم موسكو بموجبه بتجهيز القوات الإيرانية بمقاتلات روسية من طراز ميج 29 وسوخوي 30، وتزويد مقاتلات إيرانية حديثة «أسرع من الصوت» بمحركات روسية متطورة من طراز «آر دي 33»، لتطبيق خطة طهران بإحلال هذه المقاتلة محل «إف 5» الأميركية التي تستخدمها منذ سبعينات القرن العشرين.
ويبدو واضحا أن روسيا تحرص على تعزيز القدرات الدفاعية الإيرانية، وهو ما أكده نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر لوسيوكوف في تصريحاته، والتي أعلن فيها أن روسيا ستساعد إيران في تعزيز منظومة الدفاع الجوي.
ويبدو أن هدف موسكو هو تمكين طهران من مواجهة أي ضربات عسكرية أميركية محتملة، بل إن الجانبين بحثا إمكانية تجهيز قوات الدفاع الجوي الإيرانية بمنظومة الصواريخ الدفاعية الروسية (إس 300)، التي تتميز بالقدرة على تدمير الصواريخ المجنحة والباليستية وجميع الطائرات والمروحيات على مختلف الارتفاعات، وهى تتقارب في قدراتها الفنية مع نظام «باتريوت» الأميركي، وتتفوق عليه في مسافة اكتشاف الهدف ومقاومة التشويش. وتوصل الجانبان التي اتفاق مبدئي حول تنفيذ ذلك.
وأعربت موسكو عن ضرورة تأجيل تنفيذ هذه الاتفاقية بسبب الظروف الدولية الراهنة، بينما تسرع الجانب الإيراني بالإعلان عن التوصل لاتفاق حول حصول طهران على منظومة (إس 300)، واضطرت موسكو لنفي ما جاء في تصريحات وزير الدفاع الإيراني.
ولابد من القول إن حرص موسكو على تطوير التعاون العسكري مع إيران يعود التي عدة أسباب:
أولا: إن روسيا مازالت تتوقع أن تحاول واشنطن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، أو قلب نظام الحكم. وقد أعلن سيرجى لافروف أن روسيا تعتقد أن هدف الولاياتالمتحدة بإنشاء النظام الدفاعي المضاد للصواريخ في شرق أوروبا هو ردع روسيا وليس درء خطر إيراني وهمي، مشيرا إلى أنه إذا كان هدف الأميركيين تغيير النظام (الإيراني) فسوف يؤثر ذلك بشكل سلبي على العلاقات الروسية الأميركية.
ثانيا: إن تطوير القدرات الدفاعية الإيرانية سيضمن عدم حدوث تدخل عسكري في المنطقة، وسيوفر الأمن في المناطق المجاورة لحدود روسيا الجنوبية. وسيكون الضمانة لعدم دخول قوات أجنبية لحوض بحر قزوين.
ثالثا: يسود اعتقاد في موسكو أن إيران لا تشكل خطراً يهدد أمن المنطقة، وأن التعاون العسكري بين موسكووطهران يلعب دوراً في تعزيز الاستقرار في الشرق الأوسط.
ويتفق مع موقف روسيا العديد من المحللين الغربيين الذين يؤكدون أن تفاقم حدة الصدام بين إيرانوالولاياتالمتحدة يمكن أن يدفع طهران لتنفيذ تهديداتها بإيقاف حركة ناقلات النفط عبر مضيق هرمز الذي يربط الخليج العربي بالمحيط الهندي في حال توجيه ضربة عسكرية ضد إيران وسيؤدي انقطاع إمدادات النفط بالضرورة التي ارتفاع كبير في أسعار النفط ويضع الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية، نظراً التي أن 40% من إجمالي الصادرات من منتجات النفط التي تنقل عبر البحر تصل التي السوق العالمية عبر مضيق هرمز.
ولا يستبعد الخبير البريطاني مايكل كلارك إن يصل سعر برميل النفط التي 250 دولاراً في حال بدء العمليات العسكرية، ويذكر الخبير البريطاني بما حدث عام 1981، عندما وجهت القوات الإيرانية والعراقية نيرانها باتجاه ناقلات النفط في الخليج العربي، ما تسبب في مصرع 400 شخص وإصابة حوالي 500 ناقلة نفط. هذا الوضع سيؤدي بالضرورة التي ارتفاع في أسعار الطاقة وسيهدد الاقتصاد العالمي.
ما يعني أنه على الرغم من تراجع احتمالات توجيه ضربة عسكرية ضد إيران إلا أن موسكو يمكن أن تتجاوب مع مطالب طهران لتطوير قدراتها الدفاعية دون الإخلال بالتوازن الاستراتيجي في المنطقة، ليس فقط لحماية حدود روسيا، ومصالحها التي تتطلب استقرار الإقليم. وانما ايضا لمنع كارثة يمكن أن تهدد الاقتصاد العالمي. عن صحيفة البيان الاماراتية 5/1/2007