مطلوب تضامن فلسطيني في مواجهة التضامن الصهيوني مرسي عطاالله لعلنا نتذكر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين قد حاول الفصل مابين المستوطنات الأمنية والسياسية حيث اعتبر أن المستوطنات التي تقع في مرتفعات نهر الأردن ما يسمى بمنطقة القدس العظمى وعلى طول الخط الأخضر، مستوطنات أمنية ذات أهمية عظمى لإسرائيل، وأكد ضرورة بقائها كجزء من أرض إسرائيل إلى الأبد، أما المستوطنات الصغيرة والمعزولة التي أقيم أغلبها في فترة حكم حزب الليكود، وتنتشر في معظم الأراضي المحتلة وفي أواسط مركز التجمعات السكنية الفلسطينية، فقد اعتبرها مستوطنات سياسية لاتحمل الأهمية نفسها التي تحملها المستوطنات الأمنية.. وضمن هذا السياق، فإنه يجب تأكيد أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة هي مستوطنات سياسية أقيمت بهدف إحداث تغيير في الحدود الفاصلة بين إسرائيل والأراضي الفلسطينيةالمحتلة. والواقع أن حكومة رابين رأت في حينه ضرورة ضم وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات الواقعة على طول الخط الأخضر للأغراض التالية: أولا: لكي تخدم كجيوب سكنية سكان تل أبيب وسكان القدس العظمى ولسكان المستوطنات ذات الكثافة السكانية المرتفعة، مثل مستوطنة معاليم أدوميم، وضاحية مستوطنة جوش عتصيون. ثانيا: لكي تخدم كمنطقة أمنية على طول مرتفعات الأردن. ثالثا: لكي تخدم بعض التجمعات الاستيطانية، مثل تجمع جوش قطيف في قطاع غزة، ولهذا فقد تركزت معظم النشاطات الاستيطانية خلال فترة حكومة حزب العمل في تلك المناطق. ثم تتابعت الأحداث وجرى اغتيال إسحق رابين في مشهد درامي وسط مئات الألوف من مؤيديه داخل تل أبيب وحل محله شيمون بيريز الذي خسر مع حزب العمل معركة انتخابات عام 1996 ليجيء بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود ومن بعده جاء إيهود باراك ثم أرييل شارون ثم إيهود أولمرت ليزداد اليقين بأن الاستيطان عقيدة راسخة في العقلية الصهيونية ومكون أساسي من مكونات استراتيجية التوسع والعدوان. {{{ وإذن ماذا ؟ وفي اعتقادي أن مطلب المجموعة العربية في الأممالمتحدة بإدراج قضية الاستيطان على جدول أعمال مجلس الأمن في الشهور الأخيرة والذي أجهضته أميركا قد جاء متأخرا جدا ومن ثم فإن على المجموعة العربية أن تكون مدركة لعدم جدوى مثل هذه المحاولات خصوصا أن السيدة كونداليزا رايس طلبت من وزراء الخارجية العرب الموجودين في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة عدم الذهاب إلى مجلس الأمن.. وتلك إشارة واضحة إلى أن الفيتو الأميركي جاهز وكما هي العادة لكي يجهض أي مشروع قرار يقترب ولو بالتلميح من إدانة سياسة الاستيطان.. وليس هناك في الأفق القريب ما يشير إلى حدوث تغيير جذري في السياسة الأميركية بعد ذهاب إدارة بوش ومجيء إدارة باراك أوباما. ومعنى ذلك أنه مع التسليم بأننا لم نكن سنخسر شيئا من محاولة إحياء قضية الاستيطان ودق أجراس الخطر حولها إعلاميا وسياسيا إلا أن المطلوب شيء أكبر وأعمق من ذلك بكثير ويتطلب كنقطة بداية إعادة توحيد الصف الفلسطيني بشكل خاص وإعادة توحيد الرؤية العربية بشأن القضية الفلسطينية بشكل عام. إن الخطر الاستيطاني بحجمه المرعب وبتداعياته المخيفة يتطلب برنامجا علميا وعمليا يضعه الفلسطينيون وترعاه الأمة العربية بحيث يكون متضمنا لإجابات محددة على الأسئلة الضرورية.. من أين نبدأ وكيف نسير على طريق يصل بنا إلى تفكيك هذه المستوطنات واستعادة الأرض الفلسطينية المغتصبة وليس عيبا أن نتعلم من المنهج الصهيوني الذي استطاعوا من خلاله إقامة الدولة العبرية خطوة بعد خطوة والاستيلاء على أرض لم تكن بحوزتهم ولم يكن لهم فيها أي شرعية للوجود والاستيطان! وربما يكون ضروريا ومفيدا أن نتذكر جيدا أن الزعماء الصهاينة بزعامة تيودور هرتزل بدأوا مشوار بناء الدولة العبرية عندما عقدوا المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ونجحوا في تحويل إرهاصات الفكر الصهيوني لإنشاء أول حركة سياسية تدعى حق تمثيل الشعب اليهودي في العالم كله وتفاوض عنه في المطالبة بحق العودة إلى فلسطين تحت زعم أنها أرض إسرائيل التاريخية. ولم يشغل زعماء الصهاينة أنفسهم بصراعات على السلطة من نوع ما يجري بين حماس وفتح وإنما حولوا مؤتمرهم إلى ورشة عمل حقيقية وتبنوا اقتراح تيودور هرتزل بإنشاء هيئتين متوازيتين الأولى تسمى جمعية اليهود وهدفها تجسيد الإرادة السياسية المطلوبة وتوعية الرأي العام اليهودي حول كيفية الهجرة والنزوح الجماعي إلى فلسطين.. والثانية تسمى الوكالة اليهودية وهدفها جمع الأموال وتنظيم التجارة والصناعة المستقبلية وتصفية ممتلكات اليهود في مختلف دول العالم وخاصة أوروبا للبدء في شراء الأراضي داخل فلسطين والعمل على تزويد المهاجرين اليهود بالمساكن والقروض وقد أخذت الوكالة اليهودية شكل الشركة المساهمة المحدودة وبدأت عملها برأسمال قدره 200 مليون دولار بعد أن تم إشهارها وتسجيلها في لندن تحت الحماية والرعاية والمباركة من بريطانيا. وكما نرى على مدى يزيد عن أكثر من مائة عام لم يتصارع الإسرائيليون والصهاينة على كعكة الحكم والسلطة وإنما تكاتفوا على البغي والعدوان لتحقيق منهج اغتصاب فلسطين والذي كشف بعض ملامحه الزعيم الصهيوني الروسي مناحم اسكوشين في كتاب تحت عنوان «برنامجنا» بعد أن قام بزيارة فلسطين عام 1934 وقبل قيام الدولة العبرية رسميا بنحو 14 عاما. لقد كان السؤال الصهيوني المطروح كما ورد في كتاب اسكوشين هو كيف يمكن لنا أن نستولي على الأرض.. وقد تولى الرجل بنفسه مهمة الإجابة محددا ثلاثة طرق ينبغي اتباعها وهي: (1) منهج استخدام القوة عن طريق انتزاع الأرض من مالكيها بالعنف. (2) منهج الشراء القسري أي باستهلاك الأملاك الخاصة بدعوى الحاجة إليها كمنافع عامة. (3) منهج الإغراء الطوعي باستخدام وسائل الترغيب المتنوعة مثل الأسعار المجزية وخلافه. .. فهل يستعصى على الاخوة الفلسطينيين المتصارعين في غزة ورام الله أن يضعوا لأنفسهم برنامجا علميا متدرجا حول سبل استعادة أراضيهم المغتصبة بجرائم الاستيطان غير المشروع بدلا من استمرار المأساة المبكية في النزاع على كراسي السلطة. هذا هو السؤال... وهذا هو التحدي الحقيقي الذي ينبغي أن تنصرف نحوه جهود وطاقات الشعب الفلسطيني بدلا من استمرار إهدار هذه الجهود والطاقات في صراع واقتتال وانقسام وتشرذم فلسطيني يتنافى تماما مع مسيرة كفاح هذا الشعب العظيم الذي يمكن استثمار طاقات الحزن والألم الكامنة بداخله لشحن بطاريات الصمود والمواجهة الصحيحة على طريق استعادة واستخلاص الحقوق المشروعة. وتقتضي الأمانة أن أقول صراحة إن هذا الذي أتحدث عنه أكبر من أن يكون مسئولية الفلسطينيين وحدهم وإن كان يتطلب كنقطة بداية وحدة الصف ووحدة الموقف الفلسطيني حتى يمكن بناء موقف عربي ودولي مساند لأي برنامج عقلاني يعاد طرحه في ظل ارتضاء واضح وقبول صريح بأن السلام الممكن هو خيار المرحلة حتى يمكن تعرية المنطق المغلوط لإسرائيل التي يهمها استمرار تدحرج الأمور في الساحة الفلسطينية إلى خانات الفشل والإحباط. ولقد قلت ما قلت في إطار حق الاجتهاد كمواطن عربي ضاع عمره كله في متابعة القضية الفلسطينية مثل أغلب الجيل الذي أنتمي إليه... ثم إنني أؤمن تماما أن الاجتهاد في مثل هذه القضايا المصيرية ليس حقا مشروعا فحسب وإنما هو مسئولية وواجب على كل من يقدر عليه أو تتوافر له مثلي فرصة البوح بما في داخله! هذا ما ينبغي أن نفكر فيه عربيا وفلسطينيا بدلا من معاودة تجديد الرهان على إدارة أميركية جديدة أو على متغيرات جذرية عند قمة النظام العالمي لأن مثل هذه الرهانات جربناها مرارا ولم نجن منها شيئا سوى استمرار الجري وراء السراب. إن القضية الفلسطينية برمتها وقضية الاستيطان على وجه الخصوص لن تأخذ حقها من الاهتمام إلا إذا بدأ أهل الشأن بأنفسهم وعادوا إلى صوابهم وأنهوا خلافاتهم وشطبوا من قاموس الكفاح والنضال الفلسطيني وصمة الانشقاق بين فتح وحماس وبين غزة ورام الله. والتحية كل التحية للجهد والصبر المصري على طريق استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وإزالة هذه البقعة السوداء المتمثلة في الصراع بين فتح وحماس والتباعد بين غزة ورام الله. عن صحيفة الوطن القطرية 15/11/2008