بعض معالم العراق الجديد محمد السعيد ادريس على الرغم من كل الغموض الذي يحيط ب"ماهية" العراق الجديد أي عراق ما بعد خروج القوات الأجنبية فإن الواقع، ونقصد هنا واقع الغزو وأهدافه وواقع الاحتلال ونتائجه، قد كشف عن مجموعة غير قليلة من معالم هذا العراق الجديد. أول هذه المعالم أنه عراق فاقد للقدرة على التهديد، أي عراق ضعيف لا يستطيع أن يعود مرة أخرى الى تهديد الجوار الاقليمي (ايران والكيان الصهيوني) أو الجوار العربي، ولا يملك سلطة مركزية قوية قادرة على ممارسة الاستبداد ضد أي جماعة عرقية أو طائفية، لذلك لجأت سلطات الاحتلال الى اتخاذ مجموعة من القرارات ابرزها حل الجيش وتسريحه وتفكيك الدولة، واعتماد قاعدة المحاصصة الطائفية والعرقية أساساً للحكم لاطلاق العنان أمام الهويات الفرعية العرقية والطائفية كي تطغى على الهوية الوطنية والقومية للعراق، التي من دونها لن يعود العراق قوة اقليمية قادرة على التهديد والطموح. ثاني هذه المعالم أنه عراق غير مستقل وتابع لارادة أجنبية هي الارادة الأمريكية، فالتحالف الحاكم في العراق (التحالف الرباعي الشيعي الكردي) على يقين أنه لن يستطيع أن يقصي حاكماً دون الوجود العسكري الأمريكي طويل المدى، لذلك فإن هذا التحالف الرباعي هو الحريص على بقاء الوجود العسكري الأمريكي بعد انتهاء المدة المقررة لوجود القوات الدولية بنهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل، أما الولاياتالمتحدة التي تدرك هذه الحقيقة فإنها حريصة على أمرين، أولهما: تأمين المصالح الأمريكية في العراق، وهي المصالح التي تمثل جوهر المشروع الأمريكي في العراق، وعلى الأخص النفط العراقي، وتأمين نفوذ أمريكي قوي في عصب القرار السياسي العراقي يجعل من العراق الجديد إحدى أهم أدوات السياسية الأمريكية ثم أن يكون هذا الوجود شرعياً أي محكوماً باتفاقية أو معاهدة تؤمن استمرارية هذا النفوذ، وهنا بالتحديد تأتي الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية كاطار رسمي وقانوني لتنظيم هذه العلاقة، والمشكلة القائمة الآن بين الحكومة العراقية والإدارة الأمريكية حول هذه الاتفاقية تتعلق فقط بحرص حكومة المالكي على تجميل الاتفاقية وتحسين شروطها كي يقبلها الشعب العراقي، أو يقبلها البرلمان العراقي. ثالث هذه المعالم أن العراق يتحول إلى بلد مقسم وغير موحد، وكل ما يقال الآن عن “الفيدراليات" ليس إلا محاولة للتستر على واقع التقسيم الفعلي إن لم يكن تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم كبرى: إقليم كردي وإقليم شيعي وإقليم سُني، فإن التقسيم الحقيقي الآن هو تقسيم العراق إلى إقليم كردي وإقليم عربي كبير يضم العرب السنة و الشيعة معاً، وهذا التقسيم كان أحد أهداف الغزو والاحتلال. حكومة إقليم كردستان اتخذت مبادرات وعقدت اتفاقيات نفطية مع شركات أجنبية من دون موافقة مسبقة من الحكومة المركزية في بغداد، وهي الآن تتحفظ على تسليح الجيش العراقي وترفض تسليم أو نقل المهام الأمنية من القوات الأمريكية إلى الحكومة العراقية، وهي الأكثر حرصاً على توقيع الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة من دون تحفظ، والأكثر حرصاً على تأمين علاقة قوية مع الولاياتالمتحدة، وغض الطرف عن تغلغل أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية" في الاقليم، باعتبار أن “إسرائيل" يمكن أن تكون حليفاً محتملاً في حالة تفجر ما يسميه بعض غلاة الكرد “حرب استقلال وطنية" مع عرب العراق. ضمن هذا السياق يجب أخذ التصريح الخطير الذي أدلى به مسعود البرزاني في ندوة نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن يوم الجمعة الموافق 31 أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، وهي الندوة التي جاءت على هامش زيارة البرزاني لواشنطن ولقائه مع الرئيس الأمريكي جورج بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، عقب زيارة قام بها إلى طهران للتباحث في أمر الاتفاقية الأمنية الأمريكية العراقية، وعلاقة إقليم كردستان بالولاياتالمتحدة. في هذه الندوة تحدث البرزاني، وكشف عن بعض خفايا ما تباحث حوله مع بوش ورايس، وسواء كان قاصداً ومتعمداً أو جاء ما كشفه عفوياً حيث قال إنه “على ثقة بأن برلمان إقليم كردستان سيوافق على إقامة قواعد عسكرية أمريكية في حال لم يتم التوقيع على الاتفاق العراقي الأمريكي"، وإنه على ثقه بأن البرلمان والحكومة وسكان الإقليم سيرحبون بذلك. تصريح خطير حاول فيجيرفان البرزاني رئيس حكومة إقليم كردستان الحد من أصدائه داخل العراق لكنه وضع الحكومة العراقية بين ثلاثة خيارات هي: إما التوقيع السريع على الاتفاقية الأمنية مع الولاياتالمتحدة من دون تلكؤ وإما أن تقوم الولاياتالمتحدة بسحب قواتها في نهاية ديسمبر وتترك الحكومة وأقطابها يواجهون مصيرهم أو اتخاذ الاكراد خطوة متقدمة في طريق الانفصال عن العراق والشروع في عقد اتفاقية أمنية منفردة مع الولاياتالمتحدة تقبل بوجود عسكري أمريكي طويل المدى في الإقليم. فوز باراك أوباما بالرئاسة تحول هو الآخر إلى سيف مسلَّط على رقبة الحكومة العراقية التي تخشى أن يسحب القوات الأمريكية من العراق في حالة عدم التوقيع على الاتفاقية من دون ترتيب أي وجود عسكري أمريكي يحافظ على استمرار سيطرة التحالف الرباعي الحاكم على السلطة في بغداد. خيارات صعبة هي في ذاتها أحد معالم العراق الجديد. عن صحيفة الخليج الاماراتية 15/11/2008