مما لا شك فيه بأن ما مِن أحد مِن الناس إلا وقد ساوره في حياته، ولو لمرة واحدة شك ما في أمر دينه ودنياه، لا سيما في ظل الغزو الثقافي الرهيب الذي تتعرض لهُ امتنا العربية والإسلامية على حد سواء، وبسبب ترهات وأقاويل المُستشرقين الذين لا هم لهم ولا غاية يصبون إليها ولا تشغلهم في الحياة مشغلة عدا فتن المسلمين الموحدين،عن دينهم وتشكيكهم في الإسلام وحقيقة نبُوة خَاتم الأنبياء والمُرسلين مُحمَد عليهٍ أفضَل الصلاةٍ وأزكى السلام، والتشكيك في صحة مصدر القرآن الكريم، وهل هو مُنزل مِن عِند الله سُبحانه وتعَالى أم أنهُ مِن وضع بشَر..؟!!..
ورغم أن الشواهد والدلائل والبرَاهين القاطعة والواردة بالقرآن والسُنة على صَدق الرسالة المُحمدية كثيرة جداً، وهي أكثر مما تُعد وتُحصى،إلا إن عِلم الميراث والذي ذُكر بالقرآن الكريم بأدق التفاصيل، يكاد يكون أعظم وأقوى هذه الدلائل وتلك البراهين.
إذ أن هذا العِلم، مُتناهي في الكمالٍِ والدقة، بحيث يصَعب على المرء إختراقه أو تعديله أو إنقاصه أو إضافة جديد عليه، الأمر الذي جعل العُلمَاء والمُفسرين والباحثين مِن غير المُسلمين يُصابون بالذهول ويقفون حائرين أمام عظمة هذا العِلم الإلهي الذي أعطى لكل ذي حق حقه، بعَدل مُطلق يفوق كل وصف وأي تصور، ودون أن يُظلم أحد مِن أصحاب الحقوق ولو بمثقال ذرة، مهما كانت صفته أو مكانته أو سنه أو جنسه أو لونه أو أصله أو فصله،
وقد دفع ذلك بالعديد مِن المُشككين للوقوف صامتين أمام هذه المعجزة العلمية الفذة، ومن تم القول بأنه لا يمكن أن يكون هذا العِلم من تأليف بشر أو مِن صُنعه، بل أن مِنهَم وخاصة بعض المسيحيين العرب قد اخذوا بجوانب مِن هذا العِلم لتطبيقها على أمورهم ومشاكلهم الحياتية بعد أن عجزت نظرياتهم وأفكارهم للوصول إلى حلول جذرية لها، تُرضي جميع المتخاصمين على التركات مِن الورثة، وبالرغم مِن إقتناعهم التام هذا والذي لا يرقى إليه أدنى شك بأن هذا العِلم العظيم هو من عند الله سبحانه وتعالى.
ومع أنهم يعلمون جيداَ، كما يعلم المُسلمون أيضاَ، بأن الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، كان رجل أمُي لا يعَرف القراءة أو الكتابة، وأنه قد نشأ وترعرع يتيماَ فقيراَ، وفي صباه انشغل برعي الأغنام، تم بعد ذلك بالتجارة، وبعد أن هبط عليه الوحي مِن السَماء وابتداء مشوار الرسالة النبوية الشريفة والتي استمرت مُدة ثلاثة وعشرون عاما، تخللتها العديد مِن الأحَداث والحوادث والصِراعَات الدامية، التي لا يمكن معها لأي مخلوق طبيعي أن يجد الوقت الكافي لان يضع مثل هكذا عِلم مهما أوتي مِن ذكاء وعِلمٍ وفطنة، فكيف إذن استطاع الرسول الكريم رُغم كل هذه الظروف القاسية والحُروب والغزوات ومسؤولياته الإنسانية والاجتماعية والأسرية، وحمله لام الأمانات وأقدسهن،أن يضع بحسب ادعائهم كتاباً به عِلم عجزت أجهزة الكمبيوتر اليوم أن تأتي بمثله.
كيف يكون ذلك لو لم يكن هذا العِلم بالفعل مِن عِند الله، وضَعهُ الله لكي تستقيم به أمور العباد وأحوالهم، ويحفظ لهم حقوقهم وحقوق ورثتهم بعد مماتهم..إلا أنه ومع ذلك كان ومازال ولازال يعتري الكثير منهم الشك ويسيطر على عقولهم المريضة، بالرغم من أن الله عزوجل قد خاطبهم مِن ملكوته الأعلى بقوله(( وَمَا ينَطقُ عَن الَهَوى، إن هُوَ إلاّ وَحُُي يُوحَى، عَلَّمُه شَديدُ القوَُى)) صدق الله العظيم..رُفعت الأقلام وجَفت الصُحف..ولكن وللأسف الشديد يبقى كثيراً مِن الناس لا يعقلون، ولا يفقهون حديث، ولا يدرون، ولا يعلمون، وعن ذكر ربهم هم غافلون،وهم عن الحق دائما معرضون، ولأنفسهم ظالمون..