جنون الأسعار يهدد القيمة الحقيقية للدخل سعود بن علي الحارثي يواجه المواطن البسيط من حيث مستوى دخله المعتمد على مصدر واحد لا غير هو الراتب الشهري , وهو ما تعتمد عليه الغالبية العظمى من أبناء المجتمع , راتب وظيفة , راتب ضمان , راتب تقاعد ... , يواجه مشكلة خطيرة تهدد القيمة الحقيقية للدخل المحدود أصلا وتئد الكثير من أحلامه وطموحاته وتنسف مشاريعه وخططه المستقبلية التي وإن بدت بسيطة للرآي إلا أنها تعكس في حقيقة الأمر مستوى ودرجة معيشته وعدد الريالات التي يأخذها في نهاية كل شهر ... وأخيرا تقضي على قيمة مدخراته , فالمواطن الذي كان في يوم ما , أي عندما بدأ يدخر الريال على الريال من أجل تحقيق حلمه المستقبلي في بناء منزل يلم شمله وأسرته أو شراء سيارة أو استثمار صغير في مجال عقاري أو غيره يضمن له مصدرا آخر يعزز دخله البسيط إنما يدخره على حساب الكثير من الأشياء والاحتياجات التي يحرم منها نفسه وأبناءه . ومتى ما اعتقد بأنه على وشك أن يحقق نتيجة مرضية بشأن ما أدخر من أجله وبأن المبلغ المدخر أضحى قريبا من السقف المحدد سلفا القادر على تلبية المستهدف , وجد نفسه فجأة والمسافة بين قيمة المدخر والهدف المقصود قد باتت شاسعة لدرجة أنه يصعب اجتيازها بسبب الارتفاع المتضاعف للأسعار التي شملت كل شيء من السيارة مرورا بمواد وتكلفة البناء وانتهاء بالمستلزمات الاستهلاكية الأساسية ... والتي تجاوزت المتخيل بكثير , ودفعت بالمواطن إلى تجاوز البنود التي كان قد حددها في الأصل لتلبية الاحتياجات الشهرية الثابتة بل وأتت على البند الزهيد المخصص للادخار , بل وألجأته فوق ذلك إلى الاقتراض متعدد الأوجه , وأسقط في يده وقد تبدت أحلامه وجلس القرفصاء يفكر فيما آل إليه حاله ويجري المقارنات بين ما كان عليه الوضع وما أصبح , ويتطلع إلى المستقبل من زاوية الوجل والخوف على أوضاعه المالية . أولا : من حيث درجة استقرار الدخل (( الذي يتضاءل أصلا مع ارتفاع أسعار السلع )) ذاك في ظل الاعتماد على النفط وانخفاض كمية المخزون منه وهو ما يتردد على فترات في وسائل الإعلام وما يسمعه كثيرا من ألسنة المحيطين . ثانيا: حركة الأسعار المتصاعدة التي لم تعرف السكون والثبات منذ سنوات وهو ما يعوزه في الأساس إلى الجشع الذي أصاب التجار ورجال الأعمال والشركات وملاك العقار واستغلالهم السافر للأوضاع والظروف والتقلبات . ثالثا: مشاهداته لسلوك الناس من حوله وقد حولتهم الحياة المادية إلى أفراد غلبت على سلوكياتهم المصلحة الفردية وسيطر على عقولهم وأفئدتهم الشغف بالمال والحرص المبالغ فيه وانصرافهم الكامل نحو ملء خزائنهم بالريالات على حساب احتياجات الفقراء والبسطاء من إخوانهم الذين حاصرتهم الديون والتهم جنون الأسعار ومن يتحكم فيها جل جهودهم في الكدح والعمل وتحكمت في بنود مصروفاتهم وأتت على جميع مدخراتهم بعد أن تضاعف سعر السلعة الواحدة لأكثر من مرة في فترة وجيزة , فالسلع الاستهلاكية على سبيل المثال التي يشتريها الإنسان البسيط بقيمة خمسين ريالا قبل عام قفزت نفسها إلى أكثر من مائة ريال عماني. إن تضاؤل القوة الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار المستمر سوف يفضي إلى آثار خطيرة اجتماعية واقتصادية وأمنية وإلى تهديد الطبقة الوسطى عماد المجتمع وقاعدة نجاحه وتقدمه والتي يتناقص عددها ويتراجع موقعها في ظل تفاقم المشكلة والتي يشعر المنتمون إليها بالندم وهم يستعرضون الفرص التي كثيرا ما صادفتهم فلم ينتهزوها , مع شعورهم العميق بأن الحالة المالية البائسة وعدم توفر السيولة وعجزهم عن قراءة التغيرات التي حدثت كانت من الأسباب في تفويت الفرص . ولو تواصلت أسعار السلع في الارتفاع بهذه النسب التي تدمي قلوب البسطاء من الناس دون أن تعمل جهات الاختصاص بما يلزم لمعالجة المشكلة والتصدي لها ومتى ما اقتصر الحال على مجرد تصريحات ومطالبات وتبريرات فإن المواطن سوف يواجه واقعا صعبا جميعنا يدرك نتائجه الخطيرة , من هذا المنطلق نتمنى من المختصين الإسراع إلى إيجاد حلول عملية لضبط الأسعار في السوق أو تحسين الدخول أو دعم السلع الأساسية أو جميع ذلك ... وهي حلول لا غنى عنها لعلاج المشكلة. عن صحيفة الوطن العمانية 30/12/2007