هذه خمسة أيامِ مرت على ولادته...إنه فلذة كبدي الثانية..."كان فجراً باسماً في مقلتيا..يم أشرقتَ من الغيب عليَ..". خفقَ خافقي لمجيئه..وانتشت روحي بمقدمه..وسجدَ سوادي لواهبه..فلله المنةُ والفضل.. شكرتُ ربي..وسميته "أمين"..فجاد جَناني بهذه الومضة; أي صغيري..... أيامٌ خمسةٌ ذوت مذ هللتَ إلى الحياة،واحتضنكَ الوجودُ في منِ احتضنهم،و احتواك القدرُ في من قُدرت لهمُ المجيء من عالم القضاء....
لاأذيعكَ سراً إن همستُ لك -وأنت بين دفئ اللفافات- بأني أحسست ببراءتك ومناغاتك خلف المشاعر ولما زلتَ بعدُ معلومةً في طي الغيبِ عنده سبحانه وتعالى... لطالما حَلُمتُ بك ، ونسجتُ لك من وحي الأبوة قسماتٍ وملامحَ ، وحياةً وآمالاً ، وحاضراً ومستقبَلاً..حتى إذا نبضتَ في الأحشاء نبضَ القلبُ معك ، فكنا إلفين قبلما كان اللقاء ، وكنا "سمفونيةً" حانيةً بين (الأبوة) و (البنوة)..!!.
وانتظرتكَ -صغيري الحبيب- تسعاً من الأشهر ، أترقب مقدمكَ بجَنَانٍ خفاق وصدر تواق ، كنتُ خلالها إذا كَل صبري ، ولم يعد في قوسه منزعٌ ، ضممتُ أختكَ "إيمان" ضم اللاهف الشغوف ، فأتحسسُ براءتك من خلالها وأتشمم أريجَ (بنوتك) عبر أنفاسها وأرى طلعَ محياكَ في بريق مقلتيها الجميلتين ، بل وأتسمع شدوَ مناغاتك العذبة في رنين مناجاتها;"...بابا.....بابا..". الله..!!
ما أروعه من تحسس ، وما أعبقه من نَفَسٍ ، وما أبهاه من مُحيا ، وما أعذبه من شدو...!!!. أي صغيري... هاقد جئتَ ، ولا أزعُم في مجيئك استثناءً أو استثلاثاً..!!وهاقد أتيتَ ولا أدعي في تأتيك غرابةً أو شدوهاً..فمثلكَ في دنيا الناس -مَن يجيء ويأتي- كثيرٌ ، وما مِن لحظةٍ تمر وتنقضي إلا ويستقبلُ الوجودُ من أقرانك العشراتِ والعشرات ، بَيد أنك مِن بين هؤلاء جميعاً من يعنيني ، فكلٌ "يُغني بليلاه" وأنتَ-منذ اللحظة-ليلايَ التي سأغني..!!.
لقد فرحتُ بمجيئك-صغيري الحبيب-مرتين ؛ مرةً لأن الله تعالى شَمَلني بجميل سِترِه وعطفه فسلم لي والدتك الوفية الحبيبة(الصابرة) ، ومرةً أخرى لأنه سبحانه وتعالى أضاء حياتي بمولدك ، وما كنتُ-وأنا العبد القليل الضعيف-أملِكُ مِن أمر المرتين شيئاً..!!.فالحمد لله رب العالمين...الحمد لله أقولها بملء فمي وقلبي وعقلي وبصري وكياني كله...وشكراً لربي الواهب المتنعم ؛ شكراً لاينقضي ولا يتوقف لساني لَهَجاً به أبداً.... تُرى-وليدي الحبيب-أيةُ آمالٍ وأيةُ أحلامٍ وطموحاتٍ هي تلك التي سأستودعها لكَ عند الله تعالى في مستقبل الأيام..؟!!. أيةُ أكاليلِ وردية هي تلك التي أحب أن تَتَتَوجَ بها جبهتُك في صفحة أقدارك-بإذنه سبحانه وتعالى-بعد طول عمرٍ وحسنِ عمل..؟!!.
لقد فرحتُ وسعدتُ بك وليداً ، ولكن خافقي السعيد لا يستطيعُ إخفاءَ فَرَقِهِ وارتجافه ، حين أنتبه إلى كوني-منذ جئتَ-مسؤولاً لامحالةَ عنكَ وعن أختك الحبيبة..!!!. مسؤولاً عنكما اليوم في دار الفناء ، ومسؤولاً عنكما-واحر قلباه-غداً في دار البقاء..!!. نعم..إني أرتجف فَرَقاً ولا حيلة..!!!.
لقد جئتَ-وليدي الحبيب- في زمنٍ كَثُر هَرَجُهُ ومرجُه ، وماجَ حيصه وبيصه ، والأرض التي نسرَح عليها كَثُرَ لغطُها وطَفَحَ لَغُوبُها ، والأمة التي ننتمي إليها أثخنتها الجراحُ ، وهَدتها الخطوبُ أو تكاد..!!!.وأحسبُ-صغيري البريء-أنك ستشق عُبابَ الحياة والتيارُ كلهُ يُحاولُ جرفكَ مِن رعايتي ومشاعري وأحلامي التي نسجتُها لك...!!.
أرتجف-صغيري الحبيب-فَرَقاً وذهولاً حين أفكر في عجزي وتقصيري عن تنشئتك وأختَكَ كما آمُلُ وأحلم؛برعمين يانعين ، مرحين ، فواحين ، جميلين كزنابق البر وعرائسِ الياسَمِين..سباقين إلى فعل الخيرات ، عشاقين للفضائل والجمال والمكرُمات ، ثابتين على المبادىء والمُثل العليا ، محبين للعلم وأهله ، بارين لربهما ودينهما ووالديهما ، وفيين لأمانتهما نحو وطنهما الصغير وأمتهما العظيمة ، متحمسين للحق والعدل والقسطاس المستقيم ، متعايشين مع الناس في تواضعٍ لا يَنقُصه ترفعٍ وحبٍ لا يخلو من فطنة وذكاء ، وأريحيةٍ لا تُغني عن لباقةٍ وألمعية....
فإن أقدرني الله تعالى على تجسيد ما رنوتُ له نحوكما فذاك ما كنت أبغي ، وإن حال بيني وبين ذلك أمرٌ من الله قضاه ، فحسبي تعزاءً وتسليةً نيةُ الخير وشرفُ المقصد ونقاءُ الآمال ، وما دون ذلك يصدقُ فيه قولُ حافظ; "صَح مني العزمُ والدهرُ أبى....".