ليس مِن باب التعصب الأعمى أو العُنصرية المقيتة، أو الطعن بالآخرين أو الإقلال مِن شأنهم، وليس عن قُربِ أو عن بُعد، أكتب ما تقرأونه عن لُغتي، لُغة الضَادِ، لُغة القُرآن الكريم، اللُغة التي ختَمْ اللهُ بها رسائلهُ السَماوية المُرسلةُ مَنهُ سَبحانهُ وتعَالى لخلقهِ مِن بني البشر قاطبة دون إستثناء، والتي خَاطبهم بها وبواسطتها بكل وضوح، بقوله سبحانه وتعالى(( إنًّا أنزلنَهُ قرءاناً عَربياً لَّعلّكُم تعقلُون)) وقوله تعالى (( بلسانٍ عربيٍ مًُبينٍ )) وقوله عز وجل(( قُرءاناً عَربيّاً غير ذي عوجٍ لعلهُم يتقوُن )) صَدق اللهُ العظيَم..
ولقد أنزل الله كلماته العربية بكتابه المجيد على خاتم أنبيائهٍ ورُسلهٍ النبي العربي الأمي مُحمَد عليه أفضلُ الصَلاةٍ والسلام، وحَفظها من أي تحريف أو حذف أو نُقصان، وتحدى بها معشر الإنس والجن بأن يأتوا بسورة أو حتى أية مثله، فلم يفعلوا ولن يفعلوا..إنها وبكل فخر وعز وشموخ(( اللُغة العربية ))، هذه اللُغة التي أضَحت اليوم غريبة وغير مرغوبِ فيها مِن قِبل بعض الذين جمعتهم بالعربِ وبلُغتهم قواعد الإسلام الخمس وأحكام آيات قُرآنهُ، وكذلك الأقدار والزمَانُ والمكان، والذين يحملون اللُغة العربية وأهلها دون خجل أو حياء وزِر القضاء على لُغتهم، هذا إن كان يصح لنا ولهم تسمية لهجاتهم باللُغة أصلاًًًًً ، وهم أو على الأقل مُثقفيهم قبل غيرهم يعلمون جيداً ما هي قواعد اللُغة..؟!!.. ومتى يمكن أن ترتقي اللهجات لمستوى اللُغة..؟!!..
ومع ذلك نجدهم وباسم الديمقراطية المستوردة مِن دولة العم سام، تلك الدولة التي تحظر على مَن يحملون جنسيتها التَحدثُ بغير لُغتها المستوردة والمُحرفةِ أيضاَ، نجدهم يطالبون بأن تكون لهم لُغتهم الخاصة بهم وأن يتم الإعترافُ بها وبأن يُسمح لهم بتدريسها بالمَدارسِ والكتابة بها.. والحقيقة لا أدري ما إذا كانت لهجاتهم هذه لها حُروف أم لا..؟!!!.. وكم عدد حُروفها..؟!! وكيف تُنطق..؟!!.. وهل يجوز قراءة القُرآن الكريم بهذه اللهجات..؟!!.. وهل بها حُروفٍ سَاكنة وأخُرى مُتحركة..؟!!.. وهل توجد لكلماتها مُرادفات عدة تعطي نفس المعنى كما في اللُغة العربية، كأسماء الأسد والسيف مثلاً، فلكل منهما(500) إسم..؟!!..
وهل يمكن إعراب جُملها على غِرار اللُغة العربية..؟!!.. وهل لها علامات إعراب كالضمة والكسرة والفتحة والشدة والسكون والتي من شأنها أن تُغير معنى الكلمات والجُمل في حالة ما تغيرت مواضعها..؟!!.. وما هي الطريقة التي تُكتب بها..؟!!.. وهل سبق وأن كُتبت بالأحرف..؟!!.. وهل هناك مخطوطات قديمة تدل على استخدام هذه اللهجات من قبل..؟!!.. وهل هُناكَ شُعراء لهم قصائد شعرية بهذه اللهجات..؟!!!..
وهل ترتقي هذه القصائد وقائليها لمستوى قصائد امرىء القيس وزهير بن أبي سلمى ولبيد بن ربيعة والحارث بن حلزة وعنترة العبسي ودريد بن الصمة والحارث بن عباد والأعشى والمُهلهَل سيد ربيعة وحَاتم الطائي وكَعبُ بن زُهير وحسَان بن ثابت ولبيد العامري وعروة بن حزام وعروة بن الورد وكَعب بن مشهور والأخطل وجرير وعَمر أبن أبي ربيعة والفرزدق وبشَار بن بُرد وأبوتمام وأبوالعتاهية وأبو فراس الحَمداني وأبو نواس والمُتنبي والعباس بن الاجنف وابوالعلاء المَعري والأصمعي وعَمرُو بن كلثوم وطَرَفة بن العبد والنابغة الذيباني، وحافظ إبراهيم وأحمد رفيق المهدوي وأبي القاسم الشابي وجبران خليل وخليل مطران ونزار قباني وغيرهم الكثير والذين قد لا تتسع الذاكرة لحفظهم ولا يتسع المقام لذكرهم..؟!!!..
ثم هل بامكان أحد خطبائهم أن يلقي بلهجَاتِهم هذه، خُطبةِ عصَماءُ كاملة بها الكثيرُ مِن المعاني الإنسانية النبيلة دون إستعمال حرفُ الرَاء، كما فعل ذلك ذات يوم إمام المُعتزلة واصل بن عطاء، هذه الأعجوبة اللُغوية والبَلاغة البليغة التي مازالت وستظل مثار إعجاب وإهتمام الدارسين والباحثين في مجالات الألسَنْ واللُغاتِ واللهجاتِ أيضاً، والتي بالفعل تعد مِن عجائب اللُغة وروائعها..؟!!..
كل هذه الأسئلة ولكي يكون الحوار بالفعل مُمتعاً وشيقاً ومُفيداً، كان يجدر بالمذيعةُ اللامعَة هالة توفيق.. عفواً.. أقصد هالة المصراتي..أن تطرحها مِن خلال أحد حلقات برنامجها الخاص(عَن قُرب) على ضيفُها الامَازيغي كما يحَبُ أن يُنعْتَ بذلك، السيد المُبجل المُحترم( سُليمَان دوغة) الذي صَال وجَال بساحات الحوارِ لا الوغى، وكما يحلو لهُ شرقاً وغرباً، مُستغل عدم وجود مَن يُمثل الرأي الأخَر بالحلقة وكذلك عدم تكافؤ الحوار بينهُ وبين مُضيفته أو ربما عدم وجود مساحة حوارية حُرة مُتاحة للمُذيعة مُسبقاً...
وللأمانة فلقد لفتت انتباهي عدة نقاط بهذه الحَلقة وهذا الحَوار الدراماتيكي، مِنهَا على سبيل المثالِ لا الحصَر..إن الضيف الامَازيغي الكريم كان يتحدث اللُغة العربية بطلاقه شبه تامة فاقت وأربكت مُضيفته والتي يفترض بأنها فتاة عَربيةُ الأصلٍ والملامح والمنشأ وإعلامية قانونية مُثقفة !!!...
وكذلك فيما ذُكَر بالحَلقة عَن النسبة المئوية لِمَن هُم مِن أصولٍ امَازيغية والتي ذكرتها المًُذيعة أكثر من مرة وهي(10%) دون تحديد المصدر الذي يؤكد صحة هذه المعلومة، علماً بأن هذه النسبة إن صحت فهي لا تُمثل أقلية على الإطلاق، قياساً لأي عدد سكان.. مع تحفظنا التام على كلمة أقلية التي لا وجود لها في قاموسنا الوطني أصلاً... كما لفت انتباهي أيضاً الأسلوب الذي أنتهَجهُ الضيفُ الكريم والذي يوحي لِمَن لا يعَرف ليبيا واللبيبين بأن هُناك اضطهاد ما، يحدث لفئة مُعينة مِن الشَعب الليبي، وذلك مِن خلال إصرار السيد دوغة على أنَ الدولة الليبية قد حَرمتْهم مِن استعمال لهجاتهم وتعليمها لأبنائهم، وهو أمر أبعد ما يكون عَن الحقيقة والواقع، بل إن العكس هو الصحيح،
فهم بالأساس مَن أحتكر هذه اللهجات وحرم الآخرين مٍن فهمها وتعلمها، بحُجة إنها لهجات خاصة ولا يفترض بها أن تعمم على الجميع، بل أنهم ذهبوا إلى أبعد مِن ذلك حينما أصَرُوا ومازال العديدُ منهم يصّروُن إلى هذه اللحظة على عدم السماح لبناتِهم المشَهودٍ لَهْن بحُسن الخُلق والجَمال وبروعة المُعاملة وفن الطبخ، بالزواج من غير أقاربهن وأبناء عشيرتهن،
ومرة أخرى احتكروا لأنفسهم هذه المزايا و كل هذه النِعَم، الأمر الذي يتناقض كل التناقض مع القول بأنهم أقلية مضطهدة لا سمح الله... وبالختام فإن ما أود ذكره، هو إنك أخي الفاضل سواء كُنت عربي أو أعجمي أو امازيغي أو من القطب الشمالي أو من القطب الجنوبي، فلن تكون لك أفضلية على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح المُفيد، وبقدر ما تقدَمهُ مِن خدمَات إنسانية جليلة، للآخرين ولِمَن هم حولك مِن البشر، وكل البشر لأدم، وأدم مٍن تُراب، والتُراب الذي أحتضن الشهداء مِن أجدادك وأجدادي، لا يفرق بين اللهجات يا أخي.