هل لدى بوش مخطط سري لضرب إيران؟ د. عصام نعمان العلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة مقطوعة منذ نحو 30 سنة. فوق ذلك، جورج دبليو بوش أدرج إيران ضمن دول «محور الشر» سنة 2002م. رغم ذلك، محمود احمدي نجاد تجاوز القطيعة وفعلة بوش الاستفزازية وبعث الى باراك حسين أوباما ببرقية تهنئة لأنه «تمكّن من الحصول على غالبية أصوات الناخبين»، آملاً ان يغتنم «هذه الفرصة لخدمة الشعب وترك سمعة جيدة». برقية نجاد لم تترك أثراً طيباً في نفس أوباما. اغتنم الرئيس الأميركي المنتخب أول مؤتمر صحفي رسمي له لا ليرد على التحية بأحسن منها بل ليحذر إيران من مغبة ارتكاب «معصيتين»: الاستمرار في تطوير قدراتها النووية العسكرية، والاستمرار في دعم الإرهاب. وراء أوباما مباشرةً وقف كبير مساعديه المعيَّن لتوه مديراً للبيت الأبيض رحام عمانوئيل (او بالأحرى «رجلنا في البيت الأبيض» كما ورد في عنوان صحيفة «معاريف») بوجهٍ صارم يلجم «فظاظة» مكبوتة كثيراً ما اتهمته صحف أميركا بممارستها. لم يكتفِ أوباما في إطلالته الإعلامية بتحذير إيران من مغبة برنامجها النووي. أشار بسرعة الى برقية احمدي نجاد ووعد بدرسها والرد عليها. لا لزوم للدرس، فالجواب واضح وقد تبلغه الرئيس الإيراني شفهياً وفوراً. هل تسرّع أوباما في الرد؟ الحقيقة ان تحدي الأزمة المالية والاقتصادية، وليس التحدي النووي الإيراني فقط، هو الدافع الأقوى لمسارعة أوباما الى عقد مؤتمره الصحفي. فقد أدرك الرئيس المنتخب وكبار مساعديه ومستشاريه ان الأزمة تتفاقم على نحوٍ بالغ الخطورة : معدل البطالة قفز إلى 5,6%، 240 ألف وظيفة تبخّرت خلال شهر واحد و 2,1 مليون وظيفة خلال سنة، مجموع العاطلين عن العمل وصل الى عشرة ملايين شخص، وشركة «جنرال موتورز» للسيارات خسرت 5,2 بليون/مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة . إزداد التحدي الاقتصادي خطورة بامتناع البيت الأبيض عن إقرار خطة حوافز اقتصادية لمساعدة الطبقة الوسطى كان أوباما وحزبه الديمقراطي يؤملان بإقرارها قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش . لذلك حرص أوباما على عقد مؤتمره الصحفي للضغط على بوش واستعجاله إقرار خطة الحوافز الاقتصادية وإقرار صرف المساعدات التي صادق الكونغرس على تقديمها لصناعة السيارات والبالغة 25 بليون/مليار دولار. مخاطر التحدي الاقتصادي لم تمنع أوباما من التنبيه الى التحدي الآخر: استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم واحتمال امتلاكها أسلحة نووية عسكرية. بل ربما حفّزته مخاطر التحدي الأول على التحذير من مخاطر التحدي الثاني . كما تردد ان ثمة تحدياً ثالثاً حفّز الرئيس المنتخب على تحذير إيران من احتمال امتلاكها أسلحة نووية . انه مخطط سري لضرب إيران في الفترة الممتدة بين تاريخ انتخابات الرئاسة وتاريخ تسليم مقاليدها من السلف إلى الخلف. هل يفعلها بوش؟ الحقيقة ان المخطط المشار اليه ليس من إنتاج بوش وحده بل هو محصلة مناقشات مستفيضة شارك فيها أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي الى جانب مجموعة من الخبراء والباحثين والاساتذة الجامعيين ينتمون الى شتى الأوساط والجامعات والتيارات السياسية. كارول جياكومو، من أسرة تحرير صحيفة «نيويورك تايمز»، أشار في مقالة نشرها قبل يوم واحد من الانتخابات الرئاسية إلى تقرير كان محور تلك المناقشات أعدّه «بايبارتزن بوليسي سنتر»، وهو مؤسسة دراسات جمهورية- ديمقراطية مشتركة مقرها واشنطن. ولعل تاريخ النشر، ولو جاء متأخراً، كان بمثابة تنبيه للرأي العام الى محاذير ما يخطط له بعض أصحاب القرار بعيداً عن الأضواء. يقول جياكومو إن اخطر ما في التقرير أن أشخاصاً عقلاء في اروقة السلطة والكونغرس ومؤسسات الدراسات واللجان المختصة يبحثون ويتفحصون بجدية الخيار العسكري ضد إيران، على ان يكون مصحوباً بمبادرات دبلوماسية. ويحذر التقرير من ان الإدارة الجديدة «سيكون لديها وقت قليل وخيارات اقل لمعالجة التهديد النووي الإيراني». من هذه الخيارات فرضُ حصار بحري لمنع وصول البنزين إلى إيران، «مع الاحتفاظ بالضربة العسكرية كخيار أخير». ومن دعاة اعتماد هذا الخيار دنيس روس، كبير مستشاري أوباما لشؤون الشرق الأوسط الذي كان مستشارا لدى الرئيس السابق بيل كلينتون لمدة ثماني سنوات، وعضو مجلس الشيوخ السابق دان كوتس، وهو احد مستشاري المرشح الجمهوري جون ماكين، ومسؤول كبير سابق في وزارة الدفاع في عهد الرئيس السابق كلينتون هو آشتون كارتر الذي وضع دراسة لِ «مركز الأمن الأميركي الجديد»، وهو مؤسسة بحثية رفيعة السمعة يعتمدها الحزبان الديمقراطي والجمهوري، أكد فيها العمل العسكري «كعنصر لا بد منه في أي خيار حقيقي لخطة متكاملة». أكثر من ذلك، كشف جياكومو ان مؤتمراً نظّمته في سبتمبر الماضي «مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» (القريبة من الخارجية الاميركية واسرائيل) وشارك فيه مندوب لكل من أوباما وماكين، تركزت مناقشاته على ضرورة منع إيران من تطوير قنبلة نووية، وليس السماح لها بإنتاج واحدة ثم محاولة منعها من استعمالها. في هذا المؤتمر شدد مندوب أوباما، ريتشارد دانزيغ، على ان مرشحه يؤمن بأن هجوماً عسكرياً على إيران هو خيار « مرعب»، لكن «في عالم مرعب كعالمنا يجب ان نفهم جيدا ونتمسك بخيار مرعب كهذا».. ومن المعلوم ان دانزيغ هو الآن احد المرشحين المرموقين في حاشية أوباما لمنصب مستشار الأمن القومي. هل ينحاز أوباما الى صف دعاة الخيار العسكري؟ جياكومو لا يقطع بذلك بل يلاحظ ان المناقشات في صدد نهج التعامل مع إيران تختلف اليوم عما كان عليه الأمر عشية الحرب على العراق. آنذاك، كانت المناقشة تنحصر في الخيارات العسكرية ليس إلاّ. اليوم، تطرح للمناقشة جميع الاحتمالات ويجري تفحص جميع الخيارات. ثمة شبه وحيد بين وضع الرأي العام آنذاك ووضعه اليوم. ففي كلا الحالين كان الأميركيون منشغلين بقضية معينة ألهتهم عن متابعة المناقشة الدائرة حول خيار الحرب. آنذاك، كان الأميركيون منشغلين بصدمة 11 سبتمبر (تدمير برجي التجارة الدولية في نيويورك ومبنى وزارة الدفاع في واشنطن) ومطاردة قادة «القاعدة» في أفغانستان، فيما كان بوش وأركانه يعدّون العدة لمهاجمة الهدف التالي: العراق. اليوم، ينشغل الأميركيون بتداعيات الأزمة الاقتصادية ومتاعبها ومآسيها، فهل يكون بوش وأركانه منهمكين في الإعداد لحرب خاطفة على إيران يؤمّلون بتمريرها بينما يكون الأميركيون منشغلين بالأزمة الاقتصادية ومتاعبها؟ الحقيقة ان أحداً لا يستطيع أن يضمن عدم قيام بوش بارتكاب حماقة مدوّية ضد ايران . فالرجل مُترَع بقناعة مفادها انه مُلهَم، وان الله تعالى يوحي له بما يجب عمله في المنعطفات المصيرية . مع مخلوق كهذا يجب التحسب كثيراً وعدم إسقاط احتمال لجوئه إلى خيار الحرب مدفوعا بإلهام إلهي! غير ان تعقيدات الأزمة الاقتصادية المتفاقمة من جهة، ومكانة أوباما ووزنه الشعبي والسياسي من جهة أخرى قد تحول دون انجراف بوش إلى حماقة مكلفة لا يعرف احد متى تنتهي وكيف. ولعل احد أسباب مسارعة أوباما إلى التبكير في عقد مؤتمره الصحفي هو تصميمه على إشعار بوش كما الرأي العام بأنه يدرك خطورة التحدي الإيراني، وانه محيط بمخاطره، وانه عازم على اتخاذ القرار المناسب في شأنه بالشكل المناسب . إنها رسالة واضحة الى إيران كما إلى بوش. إلى ذلك، وردت عبارة في مؤتمر أوباما الصحفي تستوقف المراقب. فقد حرص أوباما على ابراز ملاحظة لافتة بقوله «عليّ أن اكرر ان لدينا رئيسا واحدا في كل وقت، وأنا أريد ان أكون حذرا جدا في ان أرسل الإشارات الصحيحة إلى العالم اجمع بأنني لست الرئيس الآن، ولن أكون كذلك قبل العشرين من يناير المقبل». ماذا يقصد أوباما بهذا الاستدراك اللافت، والى من تراه يوجهه؟ أعتقد انه يوجهه، أولاً، إلى الرأي العام الأميركي من اجل تنبيهه الى حقيقة قانونية وسياسية قد تبدو غير واضحة للجميع مفادها انه ليس الرئيس قبل 20-1-2009 ولن يكون بالتالي مسؤولاً من الناحيتين الدستورية والسياسية عما يمكن ان يفعله الرئيس الحالي. ثم انه يوجهه، ثانيا، إلى إيران من اجل التنبيه إلى المخاطر الناجمة عن احتمال لجوء بوش إلى الخيار العسكري مع ما يمكن أن يجره هذا الخيار من ويلات على الجميع، وكأنه يقول لقادة إيران : اعتدلوا واحرصوا على التوصل معنا إلى تسوية معقولة ترضي الأطراف المعنيين جميعا. أخيراً، انه يوجهه إلى بوش، مبرئاً نفسه تجاهه وتجاه الرأي العام الأميركي والعالمي من أي عمل قد يقدم عليه الرئيس الحالي من دون موافقته المسبقة، فيكون وحده مسؤولا عن التبعة والذيول والأضرار السياسية والمادية المترتبة على فعلته. يتحصّل من مجمل ما تقدم ذكره أن أوباما يضع في حسبانه ان يُقدم بوش على حماقة ما تجاه إيران او غيرها وانه، أوباما، يريد ان يبرئ نفسه سلفاً من مضاعفاتها. حسنا، ماذا يريد أوباما من إيران، وكيف تراه يعالج الأزمة المتصاعدة معها؟ ما من إشارة واضحة توحي بما يعتزم أوباما فعله مع إيران أو ضدها سوى قوله إنه يحبذ المفاوضات واستنفاد الوسائل السلمية قبل اللجوء إلى القوة. غير أن المحرر في «نيويورك تايمز» ينسب إلى دنيس روس، المرشح هو الآخر لمنصب مستشار الأمن القومي، قوله إن الخبراء ينظرون نظرة أكثر جدية ومنهجية إلى كل الخيارات المتاحة، بما في ذلك خيار اللجوء إلى القوة، لان جميع الجهود الدبلوماسية أخفقت في إبطاء اندفاع إيران نحو امتلاك التكنولوجيا النووية. ويضيف روس «أريد تركيز التفكير لجعل الناس تفهم ان الأمر بمنتهى الخطورة وانه لا يجوز تركهم أمام خيارين اثنين : الحرب أو التعايش مع قنبلة نووية إيرانية». يبقى السؤال الملحاح معلّقاً : ما الخيار- المخرج من هذه المعضلة؟ عن صحيفة الوطن القطرية 10/11/2008