أين حقوق العرب في "أنابولس"؟ د. عدنان السيد حسين لقاء أنابولس في الولاياتالمتحدة، محل خلاف قانوني وسياسي على اسمه وأهدافه والمشاركين فيه، مرة هو اجتماع، ومرة أخرى هو مؤتمر، أحياناً يقال إنه سيضم سوريا، وأحياناً أخرى يتراجع هذا التوقع. “إسرائيل" تعتبره فرصة تاريخية لاعتراف الفلسطينيين، وربما مع عرب آخرين، بدولة “إسرائيل" اليهودية! أما الرئيس الفلسطيني محمود عباس فإنه يشارك “اسرائيل" في توقع لقاء تاريخي في الوقت الذي يبدي خيبة أمله من رفض “اسرائيل" الإقرار بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، ناهيك عن مصير القدس، وحدود دولة فلسطين وصلاحياتها وموعد قيامها. أغلب الظن أن هكذا اجتماع سيبقى مشهداً احتفالياً، يندرج في أجندة سياسية أمريكية حيال الشرق الأوسط، وتحديداً العراق، وهو يرتبط في شكل أو في آخر، بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة التي سيخوضها الحزب الجمهوري بعد تراجع شعبية الرئيس بوش إلى الحد الأدنى. على صعيد حكومة أولمرت، هناك رغبة “اسرائيلية" بتمرير الوقت مع تجنب أخذ خيارات صعبة تجاه الانسحاب من الجولان، وترسيم حدود دولة فلسطين، مع ما يعني ذلك من تقرير مصير القدس، إضافة إلى تجاهل قضية اللاجئين أو تأجيلها، مع عدم انسحاب “اسرائيل" إلى حدود لبنان المعترف بها دولياً وخرق السيادة اللبنانية. وبصرف النظر عن المشهد الفلسطيني الداخلي، الذي يدعو إلى الاحباط، مع ارتفاع وتيرة الانقسام السياسي والمجتمعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتبادل الاتهامات والتخوين بين حركتي “فتح" و"حماس"، فإن الوعود “الاسرائيلية" للفلسطينيين أقل من هزيلة: اطلاق 450 أسيراً فلسطينياً فقط، في مقابل طلب الرئيس محمود عباس بإطلاق اكثر من 2500 أسير تدليلاً على سياسة السلام، وبينما يطالب الجانب الفلسطيني بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية، تقوم سلطات الاحتلال ببناء وحدات سكنية جديدة في نقاط استيطانية بالقرب من القدس، وفي مواقع أخرى. وعندما يصر الجانب الفلسطيني على تحديد مقومات دولة فلسطينية، مع جدول زمني لقيامها، يرد الجانب “الاسرائيلي" بضرورة إنجاز بيان مشترك في نهاية عهد الرئيس الأمريكي جورج بوش، يتحدث عن دولتين: “إسرائيل" دولة الشعب اليهودي، وفلسطين دولة الشعب الفلسطيني (كذا)، بتعبير آخر، مطلوب من الجانب الفلسطيني ان يقبل بطبيعة الدولة العنصرية فوق الجزء الأكبر من أرضه دون ان تقوم دولته بعد، ودون عودة اللاجئين إلى ديارهم تبعاً لقواعد وقرارات الشرعية الدولية، وكيف إذا كانت “إسرائيل" تطالب بالقدس الموحدة فوق ذلك كله؟ ما كانت حكومة أولمرت، أو غيرها، لتقدم على هذه السياسة لولا عاملين كبيرين: دعم أمريكي مطلق بلغ الحد الأقصى في عهد بوش الابن، وانقسام عربي غير مسبوق وصل إلى الدرك الأسفل في العقد الأخير عندما تهاوى كل ما يرمز إلى العمل العربي المشترك على مختلف المستويات، وانكشف الأمن العربي وطنياً وقومياً، وتهددت الوحدات الوطنية الداخلية، واستشرت العصبيات الطائفية والمذهبية والعشائرية، وساد الإحباط أوساط العرب في خاصتهم وعامتهم. لا نبالغ إذا قلنا إن حكومة “إسرائيل" - أية حكومة - لا تشعر بالضغط العربي عليها كي تعيد بعضاً من الحقوق العربية، وهنا يمكن التوقف عند دور دول الجوار الايجابي تجاه القضايا العربية في هذه المرحلة الحرجة. تركيا تقوم بدور الوسيط الإيجابي بين سوريا و"إسرائيل"، وتشدد على حضور سوريا في أنابولس، وتعمل على تحريك المسار التفاوضي السوري، وتعمد إلى التنسيق مع روسيا لاستضافة مؤتمر إقليمي - شرق أوسطي لاحقاً يكون مصير الجولان محوره الأول. وايران تضغط بوسائل مختلفة على “اسرائيل" كي تقرّ بحقوق الفلسطينيين، ويتضح البون الشاسع بين السياسة الايرانية من جهة والسياسات الأمريكية و"الاسرائيلية" من جهة أخرى، وما الملف النووي الايراني سوى أحد عناوين الخلاف السياسي الحاصل. كان الأجدر بالسياسات الرسمية العربية أن تفيد من القوى الاقليمية المجاورة لتحسين موقع العرب التفاوضي بدلاً من فرز العرب بين معتدلين ومتطرفين، لقد أضاعت هذه السياسات فرصة الإفادة من مواقف أوروبية وروسية وصينية، وغيرها في حمأة التجاذب الدولي على الشرق الأوسط، وبعيد احتلال العراق وأفغانستان، وحصول اهتزازات كبرى للاقتصاد العالمي. ولم تنجح هذه السياسات في حماية وحدة العراق، ووحدة شعب فلسطين، ناهيك عن تهديد الأمن الوطني لدول عربية أخرى، وبدلاً من اتهام القوى الإقليمية، والامبريالية العالمية، بوقوفها وراء الحالة البائسة التي نعيشها، لنبدأ بتقويم سياساتنا هذه. سوف يتكبّد العرب خسائر إضافية، وربما بعضها ما يهدد مصيرهم المشترك، اذا لم يقتنعوا بالأمن العربي الموحد ويعملوا على هذا الأساس الموضوعي في عالم الكبار، وفي عالم الصراع على الطاقة وأسواق المال واكتساب التكنولوجيا، وتبقى قضية فلسطين، بما تختزنه من حقائق مادية ومعنوية، محور الأمن العربي، هذا ما هو غير قائم في لقاء أنابولس المقبل، وهذا ما لم يتحقق في السياسات والاستراتيجيات العربية. يبقى اللقاء مجرد مظهر احتفالي، تماماً كما حصل في مؤتمر مدريد عام ،1991 وربما أقل من ذلك، وحدهم الفلسطينيون، والعرب الآخرون، هم الخاسرون نتيجة تخلفهم السياسي، من يدافع عن حقوقهم المغتصبة؟ سؤال سيبقى مطروحاً حتى إشعارٍ آخر! عن صحيفة الخليج الاماراتية 26/11/2007