أبعاد الغارة الأميركية على سوريا توفيق المديني ُّقبل شن الغارة الأميركية على سوريا بعشرة أيام، أبلغت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس نظيرها السوري وليد المعلم: أن على سوريا وقف تهريب الأسلحة إلى «حزب الله» ووقف تدفق «الإرهابيين» والمسلحين إلى العراق، حسب ما ذكرته الإذاعة الإسرائيلية العامة «ريشت بيت».
والحال هذه، فإن الغارة العسكرية على مزرعة السكرية في البوكمال، تعتبر رسالة نارية واضحة من جانب الولاياتالمتحدة الأميركية إلى السوريين، مفادها: «إذا لم تغلقوا حدودكم في وجه الجهاديين الذين يعملون ضدنا في العراق فسنغلقها نحن بالقوة ولو كلفنا ذلك خرق سيادتكم».
الغارة الأميركية على الحدود السورية- العراقية، أدرجتها الولاياتالمتحدة الأميركية في إطار الحرب على الإرهاب، وملاحقة الإسلاميين الجهاديين، الذين تعتبرهم واشنطن بأنهم يستخدمون الأراضي السورية كقاعدة لنشاطاتهم ضد القوات الأميركية في العراق.
ولا يزال الأميركيون يتهمون سوريا بأنها لا تفعل الكثير إزاء منع المقاومين المعادين للاحتلال الأميركي من التسلل عبر أراضيها، واعتقال العراقيين الذين يعيشون في سوريا، حيث تشتبه واشنطن في أنهم يموّلون المقاومة العراقية التي اشتد عودها واستفحل توسعها بصورة متسارعة.
لقد ظلت العلاقات بين الولاياتالمتحدة الأميركية وسوريا، على مدى العقود الماضية، علاقات معقدة. فسوريا هي الدولة الوحيدة التي حددتها واشنطن كدولة راعية للإرهاب ومع ذلك ظلت ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية عادية.
وعلى الرغم من أن سوريا تعاونت مع الولاياتالمتحدة الأميركية في الحملة على الإرهاب منذ أحداث 11 سبتمبر 2001، ولم تعمد إلى وضع العراقيل الجدية، وأكدت مرارا أنها تريد التفاهم والحوار لا المجابهة مع واشنطن، فإن صقور الإدارة الذين كانت معاقلهم بصورة أساسية في القيادة المدنية للبنتاجون.
وفي مكتب ديك تشيني، ظلوا يتهمون سوريا بأنها تطور برنامج أسلحة الدمار الشامل، وترفض طرد الفصائل الفلسطينية المقاومة وإغلاق مكاتبها في دمشق، ويثيرون مسألة إخفاق سوريا المزعوم في التعاون الكامل مع الاحتلال ليبرروا بذلك انتهاج سياسة «تغيير النظام» في دمشق.
الولاياتالمتحدة الأميركية لم تعد تقبل بأنصاف الحلول مع سوريا. وكان من نتائج سقوط نظام البعث في العراق في أبريل عام 2003 تزايد الضغوط على سوريا التي تسارعت بعد صدور القرار 1559، وانفجار الأزمة اللبنانية.
ففي ديسمبر 2004 أطلق الصقور في إدارة الرئيس بوش حملة أكثر إعلاناً وصخباً إعلامياً، فنشروا سلسلة من مقالات الرأي في قنواتهم الصحافية الأثيرة لديهم، مثل «لواشنطن تايمز» و«الويكلي ستاندرد» و«الوول ستريت»، متهمين دمشق بتقديم دعم نشط وفاعل للتمرد في العراق وداعين إلى تصعيد كبير في لهجة الولاياتالمتحدة وإجراءاتها.
وكتب وليم كريستول، محرر «ستاندرد»، وهو من المحافظين الجدد: «يمكننا أن نقصف المرافق والمنشآت العسكرية السورية بغارات جوية أو بالصواريخ. كما بوسعنا أن نعبر الحدود بقواتنا لإيقاف الاختراق. ونستطيع احتلال مدينة البو كمال شرقي سوريا التي لا تبعد عن الحدود سوى بضعة أميال، والتي تبدو مركز التخطيط والتنظيم للنشاطات السورية، ويمكننا أن ندعم المعارضة السورية سراً وعلانية».
وتزامنت هذه الحملة، حسب روايات صحافية، مع تقديم قائمة خيارات لبوش اشتملت على فرض عقوبات اقتصادية أشد، وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي وتقليص عدد الدبلوماسيين، وتقديم دعم أكبر وأكثر فاعلية للأجنحة المعادية لسوريا في لبنان، واحتمال القيام بضرب سورية عسكرياً وقصف معسكرات تدريب مزعومة «للإرهابيين» في سوريا.
على أية حال، لم يتم إقرار أي من تلك الإجراءات آنذاك، مع أنها جميعها، ولربما أكثر منها حالياً، بعد النجاح الأميركي على الحدود السورية، الذي بات المحللون الغربيون يقارنونه بالنجاحات الأميركية داخل الأراضي الباكستانية على الحدود مع أفغانستان.
ومن استهدافات الغارة الأميركية على سوريا تجريدها من أوراقها القوية ولا سيما المقاومة المتمثلة ب «حزب الله»، و«حماس»، و«الجهاد الإسلامي »، التي تحظى بدعم قوى من دمشق، وهي الحركات التي تعتبرها أميركا وإسرائيل أهدافا ذات أولوية عالية، إضافة إلى فك عرى التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، نظرا لانخراط طهران في المواجهة الإقليمية والدولية مع أميركا، إذ أصبح لبنان والعراق ساحتيها البارزتين. عن صحيفة البيان الاماراتية 4/11/2008