المتطرفون عائدون للحكم في اسرائيل نصوح المجالي لم يعد يخفى ان حزب كاديما الذي يمثل تيار الوسط قد يلفظ انفاسه، قبل ان يلفظ شارون مؤسس الحزب النفس الاخير، لقد تعثر وادينت حكومته بالفساد، وفشل في حرب لبنان، وفشل في تحقيق نتيجة ملموسة في مساعي السلام، وها هو يفشل في ايجاد ائتلاف يمكنه من تشكيل الحكومة القادمة في اسرائيل. فالمتطرفون في حزب الليكود الذي انشق عنه حزب كاديما قادمون مرة اخرى للحكم في اسرائيل، فالليكود بادر الى عقد اتفاق مبكر مع حزب شاس الديني، وضمن له حصة مجزية في الحكومة القادمة، وتسهيلات تحقق مطالب ومصالح شاس وبهذا قرر الليكود سلفاً مصير حكومة ليفني. فتحالف الليكود وشاس واسرائيل بيتنا، وعدد من القوى اليمينية الصغيرة، قد يشكل التحالف الاسوأ تطرفاً وتنكراً للسلام والحقوق الفلسطينية، لنعود ونشهد كما هي العادة عند تغيير الحكومات الاسرائيلية، تراجعاً عن كل ما التزمت به اسرائيل من توجهات بشأن السلام مع الفلسطينيين او في المنطقة. فالمرشحون للفوز في الانتخابات الاسرائيلية القادمة برئاسة نتنياهو ومن يتحالفون معه، سيتحدثون عن السلام مقابل السلام مع رفض التفاوض بشأن القدس او اللاجئين او الاستيطان او الدولة الفلسطينية المستقلة. فالصراع السياسي في اسرائيل سيعود الى عهده السابق بين يمين متطرف ويسار اقل تطرفاً برئاسة حزب العمل، ومن غير المرجح ان يتمكن حزب كاديما الحفاظ على موقعه المؤثر في التشكيلة الحزبية القادمة في اسرائيل. فهناك قوى كثيرة اخرى يمينية ويسارية، ومنها الكتل العربية قد تجد نفسها على الهامش اذا فاز الليكود والمئتلفون معه وهذا يكفي لاغلاق باب السلام والمفاوضات، واعادة الاحتقان الى اوضاع الشرق الاوسط. فقبول شمعون بيرس مؤخراً لمبادرة السلام العربية والاعلان بقبول اسرائيل للمبادرة، محاولة لتجميل صورة اسرائيل لا يسندها أي معطيات سياسية لأن مركز القرار في قبول المبادرة او رفضها بيد الحكومة الاسرائيلية القادمة والكنيست وليس بيد الرئيس الاسرائيلي. وقد عودتنا اسرائيل أنها عندما تضطر لقبول امر يتعلق بالمفاوضات او التعامل مع مبادرة السلام، من مثل خارطة الطريق، او مؤتمرات السلام الدولية، فإنها تقبل على مضض وتلحق الموافقة بجملة من الشروط المرهقة وغير القابلة للتنفيذ فهي شكلياً تقبل التفاوض وعملياً تضع العصي في دواليبه حتى لا يحقق أي نتيجة ملموسة، وهذا يفسر الحصيلة المتواضعة للمفاوضات الجارية بين اسرائيل والفلسطينيين، وضآلة نتائج المفاوضات مع سوريا منذ منتصف التسعينات. يضاف الى ذلك، ان اسرائيل لا تتردد في التراجع عن الاتفاقات السابقة، عند حدوث أي تغيير حكومي كما حدث مع سوريا عندما نقضت الحكومة الاسرائيلية التي اتت بعد رابين ما سمي بوديعة رابين، او عندما رفض شارون عند وصوله للحكم اتفاق اوسلو، بل حرص على تدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية ومحاصرة رئيسها واحتلال ما خصص لها من اراض. وحزب كاديما لم يحقق شيئاً في قضية السلام رغم ما رافق المحادثات من دعاية اميركية وآمال عربية، وكلاهما برسم التراجع في المرحلة المقبلة. فتراجع كاديما وتفككه هدية كبرى للتطرف اليميني في اسرائيل، ووصول نتنياهو لرئاسة الحكومة قطعاً سيرهق جهود السلام بالمناورة والتعطيل، والعبث السياسي الذي عرفناه عنه وقد يهيء الاجواء لتصعيد المواجهة بين اسرائيل والفلسطينيين. لا شيء يوحي بالتفاؤل في قضية السلام حتى الان، فادارة الرئيس بوش ناورت في مسألة السلام بما قطعته من وعود بشأن الدولتين، وحكومة اسرائيل كانت تناور لكسب الوقت، وكلا الفريقين الفلسطيني والاسرائيلي غارق في همومه الداخلية. فالفلسطينيون منشغلون بالانقسام السياسي والصراع على الشرعية تحت الاحتلال، والاسرائيليون منشغلون بالفساد والفشل الذي اطاح بحكومة اولمرت وقلل من فرض خليفته ليفني. وبين مناورات واشنطن وتقلبات السياسة في اسرائيل، وصراعات الاخوة في فلسطين، تتضاءل وتتراجع فرص السلام في المنطقة وتدخل القضية الفلسطينية في نفق التطرف المظلم من جديد وتطوي المنطقة صفحة اخرى من صفحات الفرص المهدورة، في عملية البحث عن السلام والاستقرار المفقودين في الشرق الاوسط. عن صحيفة الرأي الاردنية 28/10/2008