جمال مبارك وتصريحه المدهش! سليم عزوز بحلقت في شاشة قناة الجزيرة، وأنا اقرأ في شريط الأخبار، يوم الأحد الماضي، تصريح جمال مبارك ونصه: العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية جزء من الأمن القومي المصري. البحلقة مردها الي أنني لم اصدق ما قرأته، صحيح ان العلاقات بين البيت الأبيض والقصر الجمهوري في مصر متينة، وطيبة للغاية، لم تقلل من متانتها، سحابات الصيف، عندما يتطرق أحد من الإدارة الأمريكية، في قضية مصرية مرتبطة بحقوق الإنسان، لكن أن يقال إن العلاقة مع القوم هي جزء من الأمن القومي المصري، فهذا ما لا يمكن ان تصدقه عين!. أعلم ان كثيرا من الأنظمة العربية لا تستمد شرعيتها من الجماهير، فشرعية وجودها في الأصل والفصل مستمدة من الرضا الأمريكي السامي، واعلم ان جمال مبارك يحلم بحكم البلاد، وان هذا لن يكون الا بموافقة أمريكية صريحة. وأعلم ان نجل الرئيس دائما ما يقدم نفسه للقوم في واشنطن علي انه الخيار المريح، بعد حكم الأب، ويبذل جهودا جبارة في هذا الصدد، لو بذل عُشرها تقربا للشعب المصري، لحصل علي تأييد جارف منه، لم يحصل عليه جمال عبد الناصر في عز مجده وهزائمه، لكن المشكلة في ان المحيطين بالرجل، فيما يسمي بلجنة السياسات، يدفعون به في السكة الأمريكية، وبعضهم من المتأمريكين، الذين يعلمون أن تقرب مبارك الابن من المصريين، فيه خطر علي وجودهم داخل دائرة النفوذ!. اقرأ لهؤلاء وهم يكتبون مقالات ركيكة ومملة، عن ان من مصلحة مصر ان تنكفئ علي ذاتها، وتغلق بابها علي نفسها، ولا تنشغل بالحاصل خارج حدودها، وهو ما تريده الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهم يرفعون شعارا فاسدا هو: مصر أولا. ولهذا فانهم لا يرون بديلا عن الشرعية الأمريكية، التي هي اهم من شرعية الشعوب العربية كلها عند هؤلاء.. هذا ما اعلمه، لكن لم اكن أتصور ان يصل الحب العذري الي درجة ان يقال ان علاقاتنا مع الولاياتالمتحدةالأمريكية هي جزء من الامن القومي المصري! كان يمكن ان يقول جمال مبارك ان علاقاتنا مع القوم متينة، او انها استراتيجية، او ان القاهرة حليف لواشنطن، لكن ان يصل الامر الي أن يقال ما قيل، فان المرء يكون معذورا ان اندهش وبحلق في شاشة التلفاز!. لاسباب عدة لا يستهويني التعرض لنجل الرئيس مبارك، ليس لأنني من الذين يستبعدون التوريث في الاجل المنظور، فرأيي ان جمال مبارك يحكم الا قليلا، ولكن لانني ممن يعتقدون ان التهجم عليه يتم في بعض الأحيان لصالح أطراف في السلطة، دون اتفاق علي ذلك. فضلا عن ان نقده خرج من إطار النقد الموضوعي الي سكة الإسفاف، علي النحو الذي تطالعنا به بعض الصحف، وبالشكل الذي تقوم به بعض الأقلام، ووصل الحال الي التطرق الي قضية زواجه، بما لا يمكن قبوله من أي عاقل رشيد، ويمثل انتهاكا لحرمة الحياة الخاصة، المصونة بحكم الدستور. وللأسف فان المنشور لا يستند الي معلومات، وانما يعتمد علي تجريح فج. كما وصل الامر الي ابتذال المعارضة بالقول انه تاه في شوارع الزمالك، الامر الذي ينتقص من جدارته في حكم مصر، فكيف يحكم بلدا لا يعرف شوارعه، وكأن المطلوب في رئيس الدولة ان يكون ساعي بريد، يحفظ عن ظهر قلب خريطة المنطقة التي يعمل فيها. شارعا شارعا.. وبيتا بيتا!. لا أظن ان الهجوم علي جمال مبارك يمثل مخاطرة الا في الحد الأدني، علي العكس من بعض المسؤولين الذين يعتبرون الاقتراب من رحابهم جريمة يتفننون في ايقاع الأذي بمرتكبها، ومع هذا فان الهجوم عليه اكثر (تسميعا)، وينقل فاعله من خانة الكتاب، الي رتبة المناضلين، الذين يتعاملون مع السجن علي انه احب إليهم مما يدعونهم اليه. لا ندري ما الذي يدعونهم اليه؟.. وفي الخفاء يجرون جري الوحوش من اجل أن يقوم غيرهم بالتفاوض نيابة عنهم، لمنع حبسهم، ورأينا كيف عملوا علي إفساد قرار تيار استقلال نقابة الصحفيين بترشيح رجائي الميرغني نقيبا، فقد سعوا لاقناعه بالتراجع، ولما فشلوا قالوا ان التيار رشح اخر، ولم يكن هذا صحيحا، فقد كانوا يحاولون إحداث بلبلة لصالح المرشح الحكومي مكرم محمد أحمد، الذي وضع ضمن برنامجه الانتخابي سحب الدعاوي القضائية المقامة من قبل عناصر من الحزب الحاكم، والتي تسببت في صدور هذه الأحكام الابتدائية ضدهم!. وميزة مكرم انه سيحافظ علي طُهرهم الثوري، فهم لن يتفاوضوا ولن يقبلوا الدنية في امرهم، ولم يدفعوا أيضا فاتورة النضال، وان كانوا قد جنوا مغانمه واصبحوا مناضلين فضائيين، يلوحون بعلامات النصر في مواجهة استبداد الطغاة! الابتذال في الهجوم علي جمال مبارك يحول بيني وبين نقده، فلا اقدم علي ذلك الا أحيانا، ومع هذا فانني رأيت أن تصريحا كهذا الذي أطلقه، لا يمكن القفز عليه! لم يعد خافيا علي احد أن مصر الرسمية أكبر حارس للمصالح الامريكية في المنطقة، فهي التي منحتهم الغطاء العربي اللازم لحصار العراق عقب احتلال الكويت، وهي التي لم تمانع، في تحقيق بوش الابن لنزواته بتدمير هذا البلد العربي الكبير، ولا اقول انها تواطأت. وهي ترفض التقارب مع ايران، بحجج واهية، ولاسباب أمريكية في الواقع.. الي غير هذا من سياسات، وعلي الرغم من هذا فان احدا من سكان البيت الأبيض لا يستطيع ان يتجرأ، ويقول ان علاقاتنا بمصر، هي جزء من الامن القومي الأمريكي، مع انها كذلك بالفعل. ولاشك ان حالة الرضا الأمريكي هذه علي اهل الحكم في مصر، هي التي جعلتهم يغضون الطرف عن الانتهاكات الحاصلة ضد حقوق الإنسان، وتصفية المعارضين بالبطيء، علي النحو الحاصل الان مع الدكتور ايمن نور زعيم حزب الغد، واضطهاد المعارضة الجادة، ومع كل هذا فانه لا يمكن لاحد منهم ان يصرح بما صرح به جمال مبارك، وبهذه الجرأة التي نحسده عليها، علي الرغم من ان الشعب المصري، الذي يحلم بحكمه، يقيم موقفه من زعمائه بالقرب او البعد من البيت الأبيض، ويكفي أحدهم لان يفقد الثقة والاعتبار، ان يكون محميا بالشرعية الأمريكية!. ولهذا فانه يكفي للتشهير بالمعارضين ان يقال انهم علي علاقة بالأمريكان، وهو السلاح الذي تم استخدامه بإسفاف ضد الدكتور ايمن نور، فقد تم استغلال تصريح كونداليزا رايس من انها تشعر بالقلق لاعتقاله في البداية، لتصويره علي انه رجل أمريكا في مصر، وقامت الصحف المصرية، وثيقة الصلة بالسلطة واجهزتها الأمنية، والصحف القومية المملوكة للدولة، بالهجوم عليه من هذه الزاوية، وتصويره علي انه رجل امريكا في المنطقة، الذي تقف وراءه من اجل ان يحكم مصر، مع انه ثبت باليقين ان المتغطي بالأمريكان عريان، وان كونداليزا رايس لم تتحرك وتصرح، الا بعد ان تعرض اهل الحكم في واشنطن لهجوم من قبل الصحافة الأمريكية، لانهم كانوا في هذا الوقت يتحدثون عن انهم منحازون للشعوب العربية، وانهم سيعملون المستحيل من اجل ان ينعم المواطن العربي بما ينعم به الأمريكي من حرية، وقد جاءت افتتاحية الواشنطن بوست لتقول ان خطاب الرئيس بوش عن حالة الاتحاد، والذي قدم نفسه فيه علي انه راعي الإصلاح في العالم العربي، يتعرض لامتحان عسير في مصر، فكان التدخل بما يحافظ علي ماء الوجوه الهارب، وتم سجن نور خمس سنوات، وتدمير حزبه، دون أي خطوة أمريكية جادة من اجل الافراج عنه، وفي كل مرة تتدخل رايس فتكون كمن سعي لتكحيلها فأعماها، فهي تتطرق لقضية ايمن نور، ذرا للرماد في العيون، ويكون في تطرقها مبررا للإعلام الحكومي للحديث عن هذا الامريكي العميل. سلاح التشهير بالمعارضين لانهم علي علاقة بالأمريكان، تم استخدامه ضد سعد الدين ابراهيم، وضد الناشر المصري هشام قاسم، وقد تم التعامل مع الأول علي انه جلبي مصر، نسبة الي العراقي احمد الجلبي، فسعد يحرض الأمريكان علي بلاده، ويسعي لان ينتقص من سيادتنا الوطنية بحضهم علي التدخل في شؤوننا الداخلية، وهناك صحف يقدم أصحابها أنفسهم علي انهم حماة الوطنية، ولهذا فقضيتهم الوحيدة في الحياة هي الهجوم عليه، لانه عميل أمريكا، ولا ندري كيف سيكون حالهم تجاه تصريح جمال مبارك سالف الذكر؟.. ربما يهاجمونه هجوما رقيقا فحبيبك يبلع لك الزلط، علي خطورته، ولا أريد ان أقول فجاجته!. ان هناك بلاغات تقدم بها بعض حلفاء السلطة في مصر، او الذين يسعون لكسب رضاها، للنائب العام تتهم سعد الدين ابراهيم بالخيانة، وتطالب بمحاكمته وإسقاط الجنسية المصرية عنه، بحجة انه عميل أمريكي، يحرض الإدارة الأمريكية علي النظام الوطني في مصر، وهؤلاء ينظرون الي الأمريكان علي انهم عدو، ويتعاملون مع اهل الحكم في مصر كما لو كانوا يقفون في مواجهتهم علي خط النار!. هشام قاسم كان قد تسلم مؤخرا جائزة حقوقية من منظمة أمريكية، وقد التقي الرئيس بوش به وبالفائزين بها، ولان حديثه معه تطرق لحالة حقوق الإنسان في مصر، والتنكيل بالمعارضة الجادة، فقد شنت عليه الصحف الحكومية، والصحف الحليفة، معركة عنيفة، خلعت عنه ثياب الوطنية، وألبسته ثياب الخيانة، فبوش يكيد لمصر كيدا، وقاسم أعطاه ما يمكن ان يستخدمه في حالة الكيد هذه! وكثيرا ما يتم التعريض بجماعة الإخوان المسلمين، بالقول انها حاورت الأمريكان، او لا تمانع في الجلوس معهم علي طاولة واحدة، حتي وإن كان اللقاء مع برلمانيين، وفي حضور برلمانيين من الحزب الوطني الحاكم، تماما كما حدث ان تم التشهير بأيمن نور لانه التقي بمادلين اولبرايت، مع انه كان يجلس جنبا الي جنب مع أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك! وهذا هو بيت القصيد، فالقوم يريدون ان ينفردوا هم بالعلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، أما الذين من دونهم فيحرم عليهم ذلك، حتي يمكن ان يروجوا بأن الشعب المصري يكره الأمريكان كراهية التحريم، وان للحفاظ علي المصالح الأمريكية في المنطقة لابد من تدعيم النظام الحالي، وان يكون الوارث منه، والبديل من صلبه، فكل البدائل محفوفة بالمخاطر. لازلت اذكر كيف كان مرتزقة الحزب الحاكم، الذين يتم جلبهم لافساد مظاهرات حركة كفاية يهتفون ضد المتظاهرين، وفي حضور قادة من الحزب، وبدعم من أجهزة الأمن، بأنهم عملاء للأمريكان! ما هو قولكم دام فضلكم في وصف جمال مبارك بأن علاقاتنا (يقصد علاقته) بالولاياتالمتحدةالأمريكية هي جزء من الأمن القومي المصري؟! مشكلة نجل الرئيس المصري انه لا يزال ينظر الي أمريكا علي انها قادرة علي ان تقول للشئ كن فيكون، علي الرغم من هزائمها في كل مكان حطت فيه. عن صحيفة الراية القطرية 7/11/2007