(( ..انه لعهد وثيق يجب أن نأخذه جميعا على أنفسنا لتكريس كل الجهود،من أجل انتشال الفئات والجهات المحرومة من براثين الفقر والإقصاء والتخلف،وتمكنها من الأخذ بناصية التقدم ،وتحقيق التنمية البشرية المستدامة ،باعتبارها المعركة الأساسية لمغرب اليوم والغد..)) مقتطف من الخطاب الملكي السامي ليوم 18 ماي 2005.
وضحنا من قبل في موضوعنا الذي عنوناه '' اختلال الإدارة عائق أمام المبادرة الوطنية للتنمية البشرية '' أهم الاختلالات الإدارية والمواقف التي مازالت تقف كأحجار عثرة أمام قافلة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،ثم بينا بعده في مقال بعنوان : لا تنمية بشرية بدون حكامة إدارية :ركزنا فيه أن مجالات إدارة المبادرة يجب أن تنصب على التأثير على الأفراد والتأثير على الوضع التنظيمي .وأخذنا بالشرح والتحليل كل نقطة من النقط المشار إليها سابقا.
الأمر الذي أدى إلى ضرورة تسليط الضوء على الشريحة الإدارية المتحكمة في قيادة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،إذ تعتبر في نظرنا المتواضع أهم صنف إداري وأعظم قيادي المرحلة وذلك انطلاقا من ثلاث نقط أساسية : 01 : هم إداريو ورش الملك بامتياز 02 : إدارتهم تتدخل وتسمو على كل الإدارات وكل الإرادات 03 :إدارتهم مبنية على المشاركة والشراكة بهدف التعبئة الشاملة لمختلف مكونات المجتمع . فإداري المبادرة يجب أن تتوفر فيه مواصفات معينة ليكون فعلا إداري المبادرة وليس مجرد موظف في قسم المبادرة .
والأكثر من ذلك يجب أن لا تكون هذه الصفات لصيقة فقط بإداري المبادرة ولكن يجب أن يوصلها إلى المشارك والشريك والمنخرط بصفة عامة في دواليب المبادرة ( فعاليات المجتمع المدني )وهذا الأخير يلتمسها عن قرب بالفعل وليس بمجرد منشور أو شعار أو إعلان .. وتتمثل هذه المواصفات في :
أولا : القدرة على الفهم المبادرة : من الواجب بادئ ذي بدء أن يكون لدى إداري المبادرة استيعاب كامل وواضح للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،أي الفهم المرتكز على اقتناع ذاتي حصيلته إرادة جادة حتى يمكن له أن يؤدي الدور المنتظر منه ،وهذا يمكن أن تساهم فيه برامج تعليمية وتدريبية خاصة ومستمرة،ويجب أن يكون هناك الاستعداد والقدرة على الانصهار في المبادرة باعتبارها هي الشغل الشاغل وهي التحدي المصيري في ذات الوقت ،ولا يقف الأمر عند الاستعداد والقدرة على الانصهار والفهم ولكن يجب أن تكون هناك كفاءة وإرادة جيدة وملتزمة وقادرة في نفس الوقت على الارتقاء الفكري الى مستوى التعامل مع ذلك التحدي المصيري .
ثانيا : القدرة على فهم الواقع : أي القدرة على مواجهة المواقف المتغيرة ،وهذه القدرة تبدأ أولا بالظروف الذاتية لإداري المبادرة حيث يجب الارتقاء بقدراته وتقييم أدائه حتى يكون بعد ذلك قادرا على مواجهة المستجدات المتلاحقة .والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ينبغي أن تؤدي دورها وان تحقق أهدافها المرجوة وان كانت من الظروف الذاتية والمحيطة صعبة ومليئة بالمتناقضات والمستجدات .
ثالثا : القدرة على إحداث التغيير : لا ينحصر دور إداري المبادرة في فهم الواقع فقط ولكن يتعداه إلى القدرة على إحداث التغيير ،لكون جوهر عملية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في كل بعد من أبعادها ينصب على إحداث التغيير .فالمبادرة تغيير إلى وضع حضاري متطور في سباق مع الزمن ( مثلا : 4 برامج ذات أولوية 2006 إلى 2010 ).
وهذا التغيير يجب أن يكون جذريا وليس مجرد تغيير شكلي أو سطحي ،ذلك أن المبادرة نقلة حضارية في نسق متلاحق من نقلة إلى أخرى ومثل هذه النقلة لا يمكن أن تكون دون تغيير جذري في كافة الأبعاد وعلى جميع القطاعات وشاملة لكل الميادين ((..إن الأمر يتعلق بالمعضلة الاجتماعية التي نعتبرها بمثابة التحدي الأكبر لتحقيق مشروعنا المجتمعي ..)) من نص الخطاب الملكي السامي ل 18 ماي 2005.
ولهذا نعتبر أن القدرة على إحداث التغيير قد تكون أكثر القدرات أهمية لان فهم مفهوم المبادرة الوطنية بكافة أبعاده وكذلك التحديات التي تواجهها والاقتناع الذاتي والتوجه الفكري والكفاءة المسخرة لخدمتها ..وان كانت نتيجة ذلك إرادة جادة لا تحقق الأهداف المرجوة ما لم تكن هناك القدرة على تحويل الإرادة الجادة إلى إدارة جيدة قادرة على إحداث التغيير .
رابعا : القدرة على اتخاذ القرارات : في كثير من الأحيان تتقدم الاعتبارات الشخصانية و الاديولوجية والمحسوبية ..على الاعتبارات الموضوعية في عملية اتخاذ القرار في ضل الظروف والقيم المجتمعية الضاغطة،كما أن على إداري المبادرة أن يلتزم باتخاذ القرار المحايد ولا يؤثر في قراره الاتجاه السياسي والتدخل الانفرادي من سلطة عليا ..
خامسا : القدرة على التنفيذ : إن بلورة السياسات وتحديد الأهداف يعتبران المنهج الذي يجب أن يجد طريقه للتطبيق ،وبالطبع فان إداري المبادرة يفترض أن تكون لديه القدرة من خلال حشد كل الطاقات والإمكانات المتاحة والارتقاء بأدائها لتحقيق الأهداف المحددة بأقل التكاليف وبمستوى مرتفع من كفاءة الأداء .
ومعروف إن ذلك يقتضي من إداري المبادرة استقطاب الطاقات البشرية نحو الاستيعاب الواعي والمشاركة الفعالة والمساهمة المواطنة في برامج المبادرة ومشاريعها..بحيث يكون برنامجه وفق معايير وموارد واحتياطات وزمن محدد سالفا..
سادسا : القدرة على التقييم والمتابعة : يجب أن يكون لإداري المبادرة القدرة على تقييم الأداء تنظيميا ووظيفيا ،والتعرف على مستوى الأداء ونتائجه ومدى تحقيق الأهداف المحددة ومدى حسن الاستفادة من الموارد المتاحة بكفاءة وفعالية .
والمتابعة والتقييم مكملان لمسيرة المبادرة الوطنية وإطارا مرجعيا لها ونهجها ابتداء من بلورة السياسات وتحديد الأهداف ومرورا بالتطبيق الفعال وتقييم حصيلة ذلك التطبيق ومستواه .إذ لا يمكن أن نتصور برنامج أو مبادرة وطنية ليس فيها أي محاولة للتعرف على نسبة النجاح في الالتزام بالخطط والتنظيم .
وختاما يمكن القول أن هذه المواصفات الواجبة والضرورية في إداري المبادرة الوطنية تؤدي إلى الاختصار في الوقت والجهد من خلال ما تتمتع به من ريادة إدارية لديها القدرة على بلورة السياسات والاستراتيجيات في إطار نهج تنموي يجد طريقه للتطبيق ومقاربة الواقع من خلال الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة والارتقاء بالأداء وصولا للأهداف المرجوة للمبادرة التي تمثل مدخلا ميسورا يجعل في الإمكان إحداث التغيير الذي تقتضيه التنمية المستدامة والشاملة في كافة أبعادها وعلى جميع الأصعدة .