بوش في الأممالمتحدة.. كلام صحيح ومتكلم مخطئ! ستيوارت باتريك عندما ألقى الرئيس الأميركي جورج بوش خطبة وداعه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الثلاثاء الماضي، كانت رسالته صحيحة في هدفها. ولكن المشكلة كانت فيمن أرسلها. وجوهر خطبة بوش كان لا غبار عليه ولا يمكن انتقاده: فبينما أكد أن أمماً متحدةً " واثقة وفعالة " أمر جوهري وضروري، شدد الرئيس بوش على الحاجة إلى مساءلة ومحاسبة أكثر وفعالية وكفاءة أكبر فيما هو في الواقع منظمة معيبة ومحبطة. وتكافح الأممالمتحدة لمواجهة التهديدات الأكثر إلحاحا اليوم، من الإرهاب إلى الانتشار النووي إلى الإبادة الجماعية. إنه مكان لدى الديكتاتوريات فيه صوت مساو للديمقراطيات، ويمكن لعملية طائشة فيه أن تبز وتفوق العمل الفعال، وتعكس القرارات غالبا فيه القاسم المشترك الأدنى. إذا كانت الولاياتالمتحدة تريد أن تلعب دورا محوريا في القرن الحادي والعشرين، فإنها تحتاج إلى إظهار نتائج ملموسة. ولكن حجة الرئيس بوش كان يمكن أن تحمل وزنا أكثر لو أنها جاءت من شخص ما كان قد عمل بجد لجعل الأممالمتحدة أكثر فعالية. فعلى مدى الثمانية أعوام الماضية، عامل البيت الأبيض الأممالمتحدة بازدراء. وهذه السياسة وصلت إلى ذروتها بتعيين جون بولتون مندوبا دائما للولايات المتحدة لدى الأممالمتحدة. وأسلوب بولتون المتهور الصارخ أغضب الشركاء المحتملين للولايات المتحدة في نيويورك وأقنع حلفاءنا بأن الولاياتالمتحدة لا تعبأ بشأن إعادة بناء العلاقات أو العمل بشكل متعدد الأطراف لتحسين قدرات الأممالمتحدة. والسخرية هي أن إدارة بوش عادت - عمليا - إلى الأممالمتحدة مرة تلو المرة للمضي قدما بمصالح حيوية لا تستطيع الولاياتالمتحدة أن تحققها وتنجزها بمفردها. منذ ست سنوات وفي مثل هذا الأسبوع، تحدى بوش الأممالمتحدة لتثبت صلتها وموثوقيتها المستمرة. وهي قد فعلت ذلك بدون شك. فلدى الأممالمتحدة الآن 120.000 جندي في دارفور والكونجو وهايتي وليبيريا وكثير من مناطق الصراع الأخرى - يمثلون أكبر نشر عالمي للجند بعد الجيش الأميركي. وقد اتخذت زمام المبادرة في الاستجابات الإنسانية العالمية إزاء الكوارث الطبيعية، من سونامي المحيط الهندي إلى الإعصار " نارجيس "، وفي الاعتناء بأمر أكثر من 30 مليون لاجئ ومشرد ونازخ داخليا حول العالم. كما أن الوكالات الأممية المتخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي، في مقدمة وواجهة الجهود المبذولة لمكافحة تهديد أنفلونزا الطيور وأزمة الغذاء العالمية. وحتى في العراق، تلعب الأممالمتحدة التي تم ازدراؤها في وقت من الأوقات دورا حاسما في المضي قدما بالمصالحة السياسية وإيصال الإغاثة والمعونة العاجلة. ولكن سنوات بوش أظهرت أيضا قيود وحدود المنظمة العالمية، لاسيما عندما تكون الولاياتالمتحدة غائبة دون عذر عن القيادة العالمية. ويؤشر تراث بوش بعض المؤشرات بالنسبة لإدارة ماكين أو إدارة أوباما المحتملة في المستقبل. إن الأممالمتحدة تحتاج إلى " حب قاسٍ ". ويجب أن تطلب واشنطن المحاسبة والأداء من منظمة بدون كثير من أيهما. ولكنها يجب أيضا أن تبقى مشاركةً ومنخرطةً مع الهيئة العالمية، راعيةً قدراتها حتى تكون قويةً عندما نحتاجها. لقد حصلت إدارة بوش على الجزء الصعب الغليظ ولكنها فشلت في أن تظهر للأمم المتحدة أي حب. والنتيجة كانت نبؤءة متحققة بذاتها: فمع ابتعادها المزمن وفشلها في الوفاء بالتزاماتها التمويلية حيال المنظمة، إنما ضاعفت الولاياتالمتحدة بالضبط النواقص والعيوب التي يحب منتقدو الأممالمتحدة أن يشيروا إليها. ويجب أن تنهي الإدارة الأميركية القادمة والكونجرس هذا النموذج المرضي. لقد أضرت الولاياتالمتحدة بنفسها عندما اختارت السير بعيدا عن المؤسسات الدولية، سامحةً للأوغاد واللئام بإخراج الأجندة العالمية عن المسار. وخير مثال على ذلك هو قرار الإدارة الأميركية بالابتعاد عن مجلس حقوق الإنسان الجديد بدلا من أن تشمر عن سواعدها لإصلاح مؤسسة منقوصة على نحو معترف به من الداخل. لقد فهم زلماي خليل زاد، خليفة بولتون، الحاجة إلى ممارسة دبلوماسية التجزئة في أروقة الأممالمتحدة، مشاركا ومنخرطا في أخذ وعطاء براجماتي. نحن نحتاج أكثر إلى هذه الروح في السنوات القادمة. إن الأممالمتحدة يجب أن تكون الملاذ الأول، وليس الملاذ الأخير. ولضمان الشرعية الأوسع ومقاسمة أعباء سياستها، حيثما كان ممكنا، يجب أن تعمل الولاياتالمتحدة من خلال مجلس الأمن الدولي في المسائل الكبرى مثل السلام والأمن. ولكن كما أظهرت التجارب الأخيرة في جورجيا وإيران، عندما يكون مجلس الأمن مجمدا والرهانات كبيرة، يجب ان يكون لدى واشنطن المرونة لدراسة الخيارات متعددة الأطراف الأخرى، بما فيها العمل من خلال منظمات إقليمية أو تحالفات مُنشأة لغرض خاص للراغبين في ذلك. والأهم، أن أي قرار لاستخدام القوة المسلحة يجب أن يكون الملاذ الأخير في وجه تهديد محدق حقا، وهي عقبة فشلت إدارة بوش في إزالتها قبل غزو العراق. صحيفة " الوطن " العمانية 27/9/2008