مفاجأة التجسس على المالكي د.محمد الدعمي لا يملك المرء إلاّ أن يستغرب انزعاج المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية ، علي الدباغ، حيال ما أعلنه الصحفي الأميركي وود وورد في كتابه الجديد من أن إدارة الرئيس جورج بوش قد رعت عملية تجسس مكثفة لمراقبة نوري المالكي ، رئيس الوزراء العراقي ، ومساعديه وبعض وزرائه. وثانية، يذكرنا هذا النوع من الإنزعاج، بانزعاج طاهر حبوش، مدير جهاز مخابرات صدام ، مما ذكره صحفي أميركي آخر عن وجود اتصال أميركي به قبل وأثناء حرب 2003 (انظر: "تفاعلات بعثية"، 18/8/2008 صحيفة الوطن). الحالتان، حالة علي الدباغ وطاهر حبوش التكريتي، إنما تدلان على عجز واضح المعالم ، عجز في إدراك وفهم آليات التفكير الأميركي، الإداري والإستخباري، خاصة وأن الإدارة الأميركية وأدواتها الإستخبارية لا يمكن أن تكون أو أن تعتمد صداقات مقدسة مطلقة، لا تقبل أنواع الشكوك. إن الإدارة الأميركية تفكر وتخطط بالتناغم مع ذبذبة خاصة بها، وهي ذبذبة المصالح، وليس ذبذبة الصداقة والثقة التي تحدث عنها الدباغ عندما قال بأن عمليات التجسس على المالكي وعليه شخصياً، بطبيعة الحال، "ستلقي بظلالها على العلاقات بين المؤسسات الأميركية والعراق، خاصة وان هذا التجسس يدل على أن واشنطن تتجسس على أعدائها وأصدقائها بنفس الطريقة. إذا كانت هذه الخلاصة التي نطق بها علي الدباغ هي آخر ما توصل إليه من معارف عن الإدارة الأميركية، فإن هذه معضلة جهل. إن أميركا تدرك جيداً أن "المعرفة إنما هي القوة" أو الجبروت. لذا فهي تتشبث بالمعلومات ولا تترك بابا لا تطرقه بقدر تعلق الأمر بالمعلومات التي تخص، من بعيد أو قريب، الأمن القومي الأميركي. لذا فإنه ليس من الغريب أن تتجسس المخابرات المركزية على رئيس الوزراء العراقي، بنفس القوة التي لن تتأخر فيها الCIA بالتجسس على رئيس الوزراء الكوري الشمالي او الرئيس الإيراني ، ناهيك عن أهمية العراق القصوى في هذه الظروف: فما المانع من أن تحاول الإدارة الأميركية أن تعرف وبدقة آليات تفكير المالكي ونيّاته وأنماط سلوكه بقدر تعلق الأمر بالإستقرار والسلام المدني في دولة تبتطن ثاني أكبر خزين نفطي في العالم: فإذا كان المالكي أو اي من وزرائه ومساعدوه يعتقدون بأنهم في منأى تام عن لاقطات وكاميرات الCIA، فإنهم إنما يعبرون عن قصور واضح في إدراك طبيعة العقل الإداري الأميركي. لا مانع لدى الCIA أن تعرف بدقة حتى نوع السكائر التي يفضل وزراء المالكي تدخينها، الواحد تلو الآخر. فهذه معلومات مفيدة بطريقة أو بأخرى ، ناهيك عن طبيعة العمل الإستخباري الذي يركز على ما يهواه المرء وما يرنو إليه كي يكون بمقدور هذا العقل أن يميط اللثام عن منابع تفكير الشخصيات الصانعة للقرار في كل دولة في العالم، من النيبال إلى الصين ، وإلى العراق: فما بالك إذا كان الأمر يتصل بالعراق الذي يقف على خط المواجهة الأول أمام الجماعات الإرهابية، من القاعدة إلى بقايا حزب البعث وما شاكل؟ لقد كانت استجابة المتحدثة الرسمية للبيت الأبيض لما ذكره الدباغ من قلق ومخاوف في محلها. إذ أنها وظفت لغة قابلة للتأويل، عندما قالت ان الولاياتالمتحدة الأميركية "ليست بحاجة للتجسس على المالكي، خاصة وأن سفيرها يجتمع به يومياً، الأمر الذي يعني أن واشنطن ، كما ينبغي للمالكي أن يعرف جيداً، تدرك بدقة أفكار المالكي وآليات تفكيره. وللأستاذ المالكي أن يذكر بأنه، مهما حقق على طريق تعزيز الصداقة مع الولاياتالمتحدة، فإنه يبقى موضع شكوك البيت الأبيض والCIA نظراً لطبيعة الإئتلاف (المكون أصلاً من أحزاب إسلامية) الذي يمثل هو جزء من قيادته، خاصة وأنه يجب أن يدرك كذلك أن واشنطن لا يمكن أن تقبل بنظام حكم ثيوقراطي للعراق المستقبلي، لأن مثل هذا النظام سيبقى واقعاً تحت سحر النظام الإيراني ، الأمر الذي يجعله مهدداً بالإنزلاق إلى هاوية محاكاة نظام الجمهورية الإسلامية الذي لا يمكن أن تتفاهم معه واشنطن قط. من يمتلك شيئاً من المعرفة بطرائق وآليات تفكير مؤسسات من نمط الCIA لابد وأن يفهم جيداً أن الجميع يمكن أن يكون مرصوداً، حتى إذا كان داخل الحكومة الأميركية، وليس الحكومة العراقية فقط. الCIA تتمنى أن تعرف كل شيء من طرق تفكير المسؤولين في العراق وفي سواه من دول العالم، وبضمنها أصغر التفاصيل الخاصة لصانعي القرار: فكيف إذاً ستكون درجة حب المعرفة لدى الCIA عندما يأتي الأمر إلى حكومة لا تمتلك ما يكفي من المباركة والقبول الأميركي؟ عن صحيفة الوطن العمانية 11/9/2008