تحت هذا العنوان نشر قطب المخابرات الأمريكية السابق فيليب جيرالدي علي موقعه بتاريخ 6 مايو الماضي تحليلاً لخطوات الحرب التي تدبرها أمريكا وإسرائيل ضد إيران.
وقد كان جيرالدي خلال عمله بالمخابرات الأمريكية أحد خبرائها في منطقة الشرق الأوسط خاصة إيران، ويشرح في مقاله هذا ما يدور سراً لتمهيد العالم لهذه الحرب.
يقول جيرالدي إن قراء مقالاتي يعرفون أنني متشائم جداً بشأن مستقبل السلام في الشرق الأوسط، ولا أعتقد للحظة أن قادة إسرائيل يعتبرون إيران خطراً يهدد وجودهم، ولكنهم ظلوا ينفخون في نار الخطر الإيراني حتي أقنعوا شعبهم بأن إيران خطر حقيقي.
وأسوأ من ذلك أن أصدقاء إسرائيل في أمريكا قد اقنعوا الشعب الأمريكي بنفس الشيء رغم أن إيران لا تمثل أي خطر علي أمريكا، وقد اعتمد الأمريكيون علي إعلام مطوع يفبرك لهم قصصاً عن ملالي متعصبين يلوحون بالأسلحة النووية قبل تسليمها لتنظيم القاعدة.
ولذا تعتقد أغلبية الأمريكيين الآن في ضرورة ردع إيران بالقوة وأنها وصلت فعلاً للسلاح النووي، وكما حدث قبل غزو العراق فإن التهديد المزعوم بالخطر العراقي قد أصبح حقيقة لأن الأكذوبة تم ترديدها حتي بدت كحقيقة.
وأعتقد أن هناك عدة أمور يجب فهمها بالنسبة للصيغة المحتملة لبدء هذه الحرب:
فأولاً فرغم اللهجة المتصاعدة العدوانية من جيتس وهيلاري كلينتون فلا أعتقد أن إدارة أوباما تريد الحرب، بل علي العكس أعتقد أن هذه اللهجة العدوانية مقصود بها اقناع إسرائيل أن أمريكا متشددة مع إيران لإجهاض أي عمل عسكري محتمل من إسرائيل.
فدعاة الحرب الأساسيون في أمريكا ليسوا في البيت الأبيض بل المنتمون للوبي الإسرائيلي وأبواقهم في الكونجرس والإعلام الأمريكي.
وثانياً فإن الحكومة الإسرائيلية تريد الحرب بعد أن اقنعت شعبها بخرافة الخطر الإيراني المدمر، ولكن خياراتها محدودة فهي تعلم أنها لا تستطيع إلا إلحاق تدمير مؤقت لإيران وتريد من أمريكا القيام بالقتال الحقيقي.
ويستدعي ذلك فبركة وضع يؤدي لدخول أمريكا في هذه الحرب، وإلا فأي هجوم إسرائيلي علي إيران ستكون له قيمة محدودة، ربما مجرد إبطاء البرنامج النووي الإيراني وليس إيقافه. وفي هذه الحالة مقطوع بأن الملالي سيتخذون قرار إنتاج سلاح نووي.
وثالثاً فإن أمريكا ليست لديها القدرة الحقيقية في الضغط علي إسرائيل، فالبيت الأبيض أعلن صراحة أنه لن يقطع المعونة الأمريكية عن إسرائيل تحت أي ظرف وأن أمريكا ستستمر في استخدام حق الفيتو لحماية إسرائيل في المحافل الدولية مثل الأممالمتحدة.
ورابعاً فإنه عندما يبدأ القتال، حتي لو كانت إسرائيل هي البادئة فإن الكونجرس والإعلام الأمريكي سيطالبان بتدخل أمريكا في القتال لدعم إسرائيل الصغيرة الديمقراطية.
ومن المؤكد أنه بمجرد أن تبدأ إسرائيل القتال، فإن الكونجرس سيقرر بأغلبية كاسحة تأييد العمل الإسرائيلي ومطالبة الإدارة الأمريكية بالاشتراك في القتال بقوات أمريكية، وستكون جرائد واشنطن بوست ونيويورك تايمز وشبكة فوكس الإخبارية في قمة السعادة والتأييد.
وعندما نضع هذه العناصر الأربعة معاً فماذا تعني مجتمعة؟
تعني أن إسرائيل ستسعي لبدء حرب مع إيران وتجر أمريكا معها، وستتجاهل أي مناشدة أمريكية بضبط النفس، وستهاجم الملالي بأي حجة أو بدون حجة، وسواء بقيت إيران ملتزمة بمعاهدة منع الانتشار النووي " وأعتقد أنها ستبقي" أو سواء قامت إيران بعمل عدائي.
وفي الطريق لمثل هذا الهجوم ستكثف إسرائيل من حملتها الدعائية وستكون مستعدة للكذب لتبرير اتهام ضد إيران وأصدقائها في الشرق الأوسط.
وأمامنا مثال من الأكذوبة الكاملة التي أطلقتها إسرائيل مؤخراً وهي أن سوريا زودت حزب الله بصواريخ سكود. إن إسرائيل تري في كل دول المنطقة أعداء لها حاليين أو محتملين، وتعمل جهدها لاقناع أمريكا بذلك.وعندما يبدأ القتال ستنجر أمريكا فيه وسيبارك الكونجرس والإعلام الأمريكي هذا الانجرار.
والآن دعونا نفترض أن إسرائيل ستهاجم إيران، وهو وضع كله مكاسب بالنسبة لإسرائيل إذ ستثبت للعالم الإسلامي مرة أخري أنها دولة لا يمكن الاستهتار بها بينما تترك عبء القتال الحقيقي علي عاتق أمريكا.
وأعتقد أنها ستهاجم إيران من أقصر طريق وهو المجال الجوي العراقي، والمجال الجوي العراقي تسيطر عليه أمريكا بسلاحها الجوي، وطبعاً ستكون لدي السلاح الجوي الأمريكي أوامر ألا تسقط أي طائرة إسرائيلية تخترق هذا المجال وإلا واجه أوباما عاصفة سياسية من منظمة "إيباك" ومن الكونجرس والإعلام الأمريكي.
لا يمكن إصدار أمر بإسقاط طائرة إسرائيلية تعبر المجال الجوي العراقي إذا راعينا خوف حزب أوباما في الكونجرس من رد الفعل اليهودي الذي يساهم أعضاؤه بمبالغ طائلة في حملات النواب من حزب أوباما الديمقراطي.
ولا يمكن تجاهل حملة الإعلام الشرسة ضد أوباما خلال انتخابات التجديد النصفي للكونجرس خلال أشهر، وإذا لم يتصرف الإيرانيون في هذه الحالة بدرجة غير عادية من ضبط النفس فإنهم سيعتبرون أمريكا شريكاً في الهجوم لسماحها لطائرات إسرائيل بعبور المجال الجوي العراقي، وسيسبب الرد الانتقامي الإيراني دخول أمريكا في القتال، وهذا بالضبط ما تتوقع إسرائيل حدوثه.
والخطر الحقيقي علي إسرائيل هو النتائج غير المحسوبة المحتمل حدوثها، فإذا سار القتال بصورة سيئة كأن تستعمل إيران مثلاً صواريخ كروز الصينية التي لديها في إغراق حاملة طائرات أمريكية فإن دور إسرائيل في بدء الحرب قد يهاجمه الكثيرون جداً في أمريكا لدرجة قد لا يستطيع الكونجرس والإعلام مواجهتها.
ولكن ربما كانت إسرائيل تعتبر حدوث ذلك احتمالاً بعيداً نظراً للتفوق العسكري الهائل لأمريكا علي إيران، ولذلك قد تغامر إسرائيل وتعتبر ذلك مخاطرة تستحق الفعل.
وعلينا أن نتذكر أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة ليست من العقلاء الذين يحسبون جيداً الإيجابيات والسلبيات، فنتنياهو شخص تدفعه العنصرية والغرور والاعتقاد بأنه يستطيع التحكم في الأحداث في أمريكا، وكل ذلك سيتدخل في قراره.
والآن نأتي لموضوع التوقيت.
كان هناك كلام في الإعلام بأن إسرائيل ستفعل "شيئاً ما"في نوفمبر، وليس واضحاً لماذا اختير هذا التاريخ، ولكنني أعتقد أن إسرائيل قد تهجم قبل ذلك.
والسبب أن سيطرة القوات الجوية الأمريكية علي المجال الجوي العراقي ستنتقل للجيش العراقي في أغسطس عند انسحاب كل القوات الأمريكية القتالية من العراق وإبقاء قوة تدريب غير قتالية من ستين ألف جندي، وعند ذلك لن تستطيع القوات الجوية الأمريكية التحكم في المجال الجوي العراقي ما لم يطلب منها الجيش العراقي ذلك.
ولنا أن نتصور ما سيحدث لسمعة أمريكا في العالم العربي لو طلب منها العراقيون الدفاع عن مجالهم الجوي ضد طائرات إسرائيل ورفضت أمريكا، ولذا أعتقد أن الإسرائيليين سيتحركون قبل ذلك.
والآن ماذا يستطيع أوباما أن يفعل لتجنب ذلك؟
هناك تخمينات أنه قد يرسل رسالة سرية لينتنياهو أن أمريكا لا توافق علي الهجوم الإسرائيلي ولن تشترك فيه بل ستدينه، ولكن إسرائيل قد تعتبر هذا تهديداً أجوف، خاصة بعد تصريح هيلاري كلينتون ونائب الرئيس بيدن أن لإسرائيل الحق في اتخاذ قرارات تخص أمنها، وأي خطوة لمعاقبة إسرائيل سيوقفها الكونجرس.
ولذا أعتقد أن الخيار الوحيد لأوباما أن يبادر بإعلان أنه ليست هناك حالة حرب ضد إيران وأن أمريكا لن تساند أي هجوم عليها وستقود إدانة مثل هذا الهجوم في الأممالمتحدة، فهل نتصور أن يفعل أوباما ذلك؟
مستحيل تماماً في اعتقادي، وهذا بالضبط سبب اعتقادي بأن حرباً جديدة في الشرق الأوسط أصبحت حتمية وستقوم هذا العام.
وإلي هنا ينتهي عرض رجل المخابرات الأمريكية المخضرم، ما ينقص هذا العرض هو دور العملاء والمعتدلين في المخطط، فهم يجاهرون بأن الخطر الإيراني أكبر من خطر إسرائيل.
وهي كلمة حق لأن إسرائيل تريد بقاء العملاء والمعتدلين في مقاعد السلطة - مؤقتاً علي الأقل - حتي تنتهي من ابتلاع باقي فلسطين وترحيل الصراع العربي - الإسرائيلي لسيناء ليصبح صراعاً مصرياً فلسطينياً كخطوة أولي.
أما إيران - بصرف النظر عن حكم الملالي - فتمثل قوة المقاومة الرئيسية في وجه مخططات الاستعمار الأمريكي وكلب حراسته الإسرائيلي، تساندها في ذلك القوي الشعبية الرافضة للهيمنة الاستعمارية وكذلك قوي المقاومة في سوريا ولبنان وغزة، وبذلك فهي خطر حقيقي علي حكومات العملاء والمعتدلين يفوق خطر إسرائيل حالياً علي الأقل.
*عضو الهيئة العليا لحزب الوفد جريدة الوفد 27/8/2010