روسيا والغرب....لا حرب باردة ولا صدام حضارات د.عبدالحميد مسلم المجالي التوصيف الأقرب إلى الصحة - على ما نعتقد- لما يجري بين روسيا والغرب في هذه الايام ليس صدام حضارات كما اراد ان يفسر صموئيل هنتنغتون السياسة الدولية بعد الحرب البارده لان الصراع الروسي الغربي الحالي ليس صراع ثقافات بين الحضارة الغربية والحضارة الارثوذكسية حسب تصنيف هنتنغون ولسبب بسيط ايضا هو ان جورجيا بلد ارثوذكسي في مذهبه وثقافته كما هي روسيا. كما ان مايجري بين روسيا والغرب ليس حربا باردة كتلك التي كانت قائمة بين الغرب والاتحاد السوفياتي السابق فتلك الحرب كانت عالمية في حجمها امتدت الى افريقيا واسيا واوروبا وامريكا اللاتينية وهو مالايمكن وصفه على مايجري الان اضف الى ذلك ان العامل الايديولوجي كان له طغيان على تلك الحرب وهو من اسبابها الرئيسية بين الغرب الراسمالي والاتحاد السوفياتي الشيوعي. وروسيا الان ليست على ما كان به الاتحاد السوفياتي ايديولوجيا فهي اقرب الى النظام الغربي اللبيرالي في نظامها السياسي كما انها غيرت في عقيدتها العسكرية لتادية ادوار جديدة اقل طموحا وتقتصر على حماية روسيا والتعامل مع صراعات اقليمية على حدودها القريبة. لقد قال بوريس يلتسين في شباط عام1993 ان الحكومات الاجنبية والمنظمات الدولية تحتاج الى ان تمنح روسيا قوى خاصة كضامن للسلام والاستقرار في الاقاليم السابقة من الاتحاد السوفياتي وبينما كان يلتسين يطلب هذا من الغرب فقد حصل عليه بوتين بنفسه خلال سنوات حكمه التي اتهم فيها يلتسين بضعف وطنيته الروسية. ان نهاية الحرب الباردة لايعني توقف الصراع بين الدول حول السياسة والاقتصاد والامن وربما بدوافع ثقافية وعرقية او اثنية وهو ما يمكن ان نتوقعه ان يحدث بين روسيا والغرب او بين الصين والغرب او حتى بين دولتين او اكثر من دول الغرب وليس صحيحا ان نطلق على أي نزاع في الحاضر او المستقبل بين دولتين كبريين على انه عودة للحرب الباردة او صدام حضارات فلكل من هذين الوصفين شروطه ومواصفاته الخاصة. لقد انسحبت روسيا سياسيا وعسكريا كوريثة للاتحاد السوفياتي من افريقيا واسيا واوروبا الشرقية واقتصرت عقيدتها السياسية والعسكرية كما قلنا على ان تحافظ على امنها وان تبقي على وجود مختلط في بعض وليس كل الدول المجاورة التي كانت جزءا من الاتحاد السوفياتي خاصة وان هذا البعض من الدول يوجد فيه مواطنون روس بنسب مختلفة. الذي حدث ان رئاسة جورجيا بالغت في توجهها نحو الغرب وسعت بجدية لان تكون عضوا في حلف الناتو بكل ما يعني ذلك من قواعد عسكرية وسياسية غربية على الحدود الروسية قد يمتد اثرها الى ابعد من جورجيا ، وبدلا من ان تكتفي بذلك شنت حملة عسكرية لو نجحت لكان لها اثر بالغ على الامن الروسي في جبال القوقاز حيث تختلط عشرات القوميات مع النفط والسياسة. وعندما ردت روسيا كانت تعلم ان الناتو لا يستطيع الرد ميدانيا كما انه سيكون الخاسر من وقف تعاونه مع روسيا حيث كشف الروس ان مساعدتهم لقوات التحالف في افغانستان حال حتى الان ان يصبح ذلك البلد فيتنام اخرى. ان ما يجري بين روسيا والغرب مجرد تجاوزات غربية فيها شيء من الطمع والجشع جرت بحسابات خاطئة على مصالح امنية واقتصادية وسكانية روسية في منطقة اعتبرت منذ القرن التاسع عشر بعد حروب مع الامبراطوريتين العثمانية والفارسية سميت وقتها حرب القوقاز اعتبرت بانها الساحة الخلفية لروسيا وكان لابد لقيادة وطنية روسية متشددة من وقفها بعد المهانة التي لحقت بها في كوسوفو ولا ترغب في اكثر من ذلك في الوقت الحاضر. فما يجري ليس تنافسا يمتد عبر العالم بخلفية ايديولوجية لكي يسمى حربا باردة ولاهو صراع ثقافي يأخذ طابعا حضارايا لكي يسمى صداما للحضارات اذا ما قبلنا تفسير هنتنغتون للسياسة الدولية بعد الحرب الباردة بل هو صراع مصالح مختلط الاوجه سيجد سبيله الى التراضي والتوافق بغض النظر عن الوقت الذي سيستغرقه ذلك. عن صحيفة الرأي الاردنية 1/9/2008