الأردن و" حماس " ما بعد عودة العلاقات أحمد المرشد لم يبالغ أحمد يوسف المستشار السياسي لرئيس حكومة حماس المقالة في قطاع غزة، عندما رجح انتقال اللقاءات التي تعقد بين قياديين من حركة “حماس" ومسؤولين أردنيين قريباً من مستواها الأمني إلى مستوى سياسي أعلى، بما يقود الى وضع تصورات لعلاقة سليمة ووطيدة بين الطرفين على حد قوله. ومما لا شك فيه أن لقاءات قياديي حماس مع الجانب الأردني تمهد الطريق أمام حوار سياسي على أعلى المستويات ليسجل للأردن حضور أوسع ودخول على خط معالجة الأزمة الفلسطينية الداخلية والمساهمة في حلها. ولكن هذا يقودنا الى القول إن حماس تلعب على خطوط عدة، فهى تتعامل مع مصر من منظور الملف الأمني فقط، غير أن الوضع يختلف مع الأردن الذي لا يتعامل مع الموضوع كملف أمني وإنما كقضية مركزية، حيث ان عمان لا تريد التعاطي مع حماس كملف أمني، لأن طبيعة العلاقة تستوجب لقاءات على مستوى سياسي، وفقاً لما ترى الحركة الإسلامية. كما يبدو أن حماس تتطلع لدور أردني فاعل في قضية المصالحة الوطنية، خصوصاً أنه متابع لتطورات الوضع الفلسطيني الذي يمر اليوم بمراحل حرجة ووضع متأزم في رام الله كما في غزة. كما أن حماس ستستفيد من العلاقات الجيدة بين الأردن والولاياتالمتحدةالأمريكية، إذ تستطيع عمان عبر هذه العلاقة نقل المعاناة الفلسطينية الى واشنطن، مع فتح الطريق أمام علاقات قوية مع دول المنطقة. ولكن السؤال: “لماذا يجري كل طرف نحو الآخر الآن بعد كل هذه القطيعة؟"، الأردن اكتشف أن تجاهله لحماس لا يصب في مصلحته القومية، وأن قطع العلاقات معها جاء على حساب دور عمان التاريخي في العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية. وليس غريباً انه منذ قيام الحركة، حرصت عمان على احتضانها، حيث كان عاهل الأردن الراحل الملك حسين يرى في تطوير العلاقات مع حماس جزءاً من دور الأردن، وارتباطه الوثيق بالشأن الفلسطيني. لكن تداخل الأردني بالفلسطيني في رموز الحركة ونشاطها، وتنامي علاقاتها الخارجية، خلقا تجاهها حساسية سياسية عالية، الأمر الذي دفع عمان إلى تصفية نشاط حماس، رغم غرابة هذا الأسلوب الأردني آنذاك، لأن سياسة الأردن تقوم في الأغلب على مراعاة التوازنات. الأردن، من جهته، يقر بأن حركة حماس أصبحت قوة أساسية على الأرض لا يمكن تجاهلها او الاستمرار في مقاطعتها، وان المتغيرات على الأرض تتطلب الانفتاح على الحركة والتعامل معها من دون أن يعني ذلك التخلي عن العلاقة مع السلطة الفلسطينية في رام الله كممثل شرعي للفلسطينيين. وهذا في حد ذاته يصب في مصلحة “حماس" التي تعلق أملاً على دور أردني فاعل في إنهاء الخلافات مع السلطة وتحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية. وتمثل عودة الدفء للعلاقة بين عمان وحماس أهمية قصوى للأردن، تنعكس في فك ارتباط حماس مع جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وحصر تمثيل الأردنيين في الخارج بالدولة الأردنية ومؤسساتها الرسمية وليس باسم آخرين، وجعل تلك العلاقة مع أي طرف خارجي تمر عبر الدولة ذاتها وليس عبر أحزاب او أفراد. ومن دواعي عودة العلاقات بين الأردن وحماس محاولة أردنية لدرء المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، ومنع تسويق أية حلول على حساب القضية وبالتالي الدفاع عن المصالح الوطنية الأردنية. والأردن يسعى، أيضا، الى إقامة علاقات جيدة مع جمع أطراف المعادلة الداخلية الفلسطينية، لأنه ليس من المعقول أن تدخل أطراف إقليمية في القضية الفلسطينية وتمتلك أوراقاً رابحة، بينما ينكفئ الأردن الذي طالما ارتبط تاريخياً بهذه القضية. وعلى الطرف الآخر تسعى “حماس"، لتحقيق أهداف سياسية من وراء صفقة تبادل الأسرى المحتملة مع “إسرائيل" تتعدى الإفراج عن أسرى فلسطينيين مقابل الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط لتكريس وجودها السياسي في غزة، فيما تستغل الجبهة الأخرى وهى الضفة الغربية لتلعب دوراً أكبر هناك يضعها على قدم المساواة مع “فتح". وتدرك حركة “حماس" أن دوراً كهذا لا يمكن الحصول عليه من دون الأردن، كما أنها تبحث من جانبها أيضاً عن مصالحة مع الأردن لتضمن إقامة دائمة لقياداتها التي قد تهجر دمشق في حال التوصل الى اتفاق تسوية سوري - “إسرائيلي". ليس هذا فقط، فربما تكون عودة “حماس" إلى الأردن وفق معادلة جديدة وحدود متفق عليها، وهى عودة الأردن للملف الفلسطيني كسابق عهده. ييقى القول ان ثمة مخاوف ربما لم تبدها السلطة الفلسطينية في رام الله رسميا، لكن الأردن لم يكن في حاجة للتأكيد على وقوفه على مسافة متساوية من مختلف التنظيمات الفلسطينية، وخاصة ما يتعلق بالسلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس. فالأردن يريد توسيع وتنويع دائرة الاتصالات مع القوى والأطراف الإقليمية لخدمة مصالح الدولة العليا الخارجية والداخلية، بما فيها تجميد تدخل “حماس" في شأن التيار الإسلامي في الأردن، والذي يشكل عموده الفقري قواعد غالبيتها مناوئة لعملية التسوية بصيغتها الحالية. وهذا التغير في النهج الأردني لا يعبر عن تغيير في استراتيجية عمان وأساسها استمرار دعم عملية التسوية وصولا الى قيام دولة فلسطينية مستقلة والإبقاء على التحالف الاستراتيجي الشامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية والحفاظ على اتفاقية السلام مع “إسرائيل". وسيحتاج الطرفان بعض الوقت إلى قياس نتائج عودة النبض الى اتصالاتهما، ومنها الاتفاق على هوامش جديدة لقواعد اللعبة السياسية في الأردن قائمة على أساس طي ملف قضية تهريب الأسلحة والتي أعلنت عمان عن ضبطها قبل سنتين كما أسلفنا. وفي المقابل، تتعهد حماس بوقف النشاط التنظيمي والسياسي والعسكري لها في الأردن، بعد ما نجحت الدولة الأردنية في تقليص نفوذ حليفها التيار الإسلامي في الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة. عن صحيفة الخليج الاماراتية 23/8/2008