هارون محمد في لقاء صحافي أجرته معه صحيفة محلية في بغداد، يبدي الكاتب والباحث والسياسي العراقي حسن العلوي النائب الفائز عن القائمة العراقية وأحد مفاوضيها مع كتلتي دولة القانون والائتلاف الوطني حول تشكيل الحكومة المقبلة، مخاوفه من ردود فعل السنة العرب في العراق ازاء ما تعرضوا له من أذى وأضرار طيلة السنوات السبع الماضية التي أعقبت الاحتلال لان صدام حسين كان حاكما سنيا عربيا.
وما ينتظرهم لاحقا من تهميش وإقصاء سياسيين لأنهم انتخبوا شيعيا هو إياد علاوي رئيسا لقائمتهم التي فازت بأعلى المقاعد النيابية وتأهلت شرعيا ودستوريا' لتأليف حكومة جديدة تخلف الحكومة المنتهية ولايتها التي يرأسها نوري المالكي.
ومما قاله ان السنة العرب تحملوا الشيء الكثير منذ نيسان (ابريل) 2005، لقد أجبروا على التعايش مع ثلاثة رؤساء حكومات من الشيعة وعلى القبول برئيس للجمهورية ووزير للخارجية ورئيس لاركان الجيش من الأكراد.
وعندما أزف الوقت لنيل حقهم القانوني واستحقاقهم الانتخابي على ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة أصطف الآخرون بالضد منهم، رغم أنهم رشحوا شيعيا لرئاسة الحكومة، في إيثار وطني يسجل لهم، مع قدرتهم على ترشيح واحد منهم' تجنبا لحرج قد يشعر به آخرون، ويتساءل ماذا نريد منهم بعد كل هذا؟
وهل نلومهم إذا ذهبوا الى خيارات أخرى، الى المقاومة أو التقسيم؟
وابتداء فان ما قاله العلوي وهو الشيعي أصلا ونسبا، لا أحد يستطيع ان يزايد عليه ويجرح شيعيته، فهو إبن سيد نوري فقيه الشيعة في منطقة الكرادة، وهو صاحب مؤلفات وكتب فتحت عيون القياديين في الاحزاب والجماعات الشيعية ودعوتهم الى نيل حقوقهم السياسية، حتى قيل عنه انه مثل لاعب كرة قدم موهوب حصل بمجهوده ومثابرته على ضربة جزاء (بلنتي) ضد الفريق الخصم.
وبدلا من ان يقوم بالتنفيذ ويحقق هدفا لنفسه، فانه يأتي بالكرة ويضعها في نقطة الجزاء في مواجهة مرمى الفريق الآخر ويطلب من زملائه كأن يكون الحكيم او عادل عبد المهدي او ابراهيم الجعفري او احمد الجلبي او نوري المالكي اوموفق ربيعي لعب (الفاول) بعد ان يعلمه طريقة تنفيذه.
ورغم انه قد تطرف في بعض كتاباته وهو في ذروة حنقه على النظام السابق الذي همشه وحزب البعث الذي فصله رغم مرتبته الحزبية الصغيرة، الا انه إكتشف متأخرا وتحديدا في نهاية عام 2002 عند إنعقاد ما سمي ب " مؤتمر المعارضة العراقية " انه كان يحرث في أرض سبخة ووسخة.
فقد تلقف الآخرون كتبه وكتاباته وأستغلوها طائفيا بدل ان يوظفوها سياسيا كما كان يريد، وأدرك يومها ان القيادات الشيعية والكردية لا تبغي إسقاط نظام صدام حسين كما تزعم وتدعي، وانما تقويض العراق بلدا ودولة وتاريخا وعروبة وحضارة وثقافة.
ويتذكر المراقبون لاحداث ومجريات ذلك المؤتمر التآمري كيف إنسحب منه العلوي في يومه الاول وذهب الى إحدى شبكات التلفزة العربية في لندن ليؤكد أحتجاجه على ما دار في الجلسة الافتتاحية ويعلن طلاقه من تلك المعارضة (الكبابية) كما أسماها.
في إشارة ساخرة الى أكلة الكباب المشهورة التي دفعت إدارة الفندق اللندني الفخم الذي عقد فيه المؤتمر الى إضافتها الى قائمة الطعام اليومية وتقديمها صباحا وظهرا وعشاء للمدعوين بناء على رغبتهم، بعد ان إستعانت بطباخ ايراني شهير بعمل (شيش كباب) .
ومما قاله عني شخصيا وكنت أشجعه يومها على مقاطعة المؤتمر(انه يعرفني منذ اربعين سنة، لم نفترق خلالها ولم نتفق سياسيا، ولكنه الآن يتفق معي).
وعندما بدأ استعداداته لخوض الانتخابات الأخيرة كان يروج لقائمة مختلطة من جميع ملل ونحل العراق كما كان يقول، وحرص ان تكون وطنية وغير طائفية او عرقية، وفي رأيه انه ما دام الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني قد أفرز أحزابا كالمجلس الاعلى والدعوة وغيرهما في الجانب الشيعي، والحزب الإسلامي او جبهة التوافق في الجانب الآخر.
وما دام الاكراد قد تخندقوا حول قوميتهم، فان المرحلة تتطلب طرفا يرفض الطائفية والعنصرية معا، ويقدم نفسه وطنيا عراقيا يمثل على الأقل عرب العراق في مواجهة الاسلاميين (الشيعة والسنة) والاكراد سوية، وهكذا خرجت فكرة (القائمة العراقية) الى العلن.
ومما زادها قبولا وإتساعا في الشارع العراقي ان شخصيات واطرافا كردية وتركمانية ومسيحية ويزيدية وصابئة قد انخرطت في تشكيلتها وإلتزمت بمشروعها الوطني، ما قوى عودها وعزز حضورها، ولولا تدخلات الاجهزة الحكومية وأحزاب السلطة وميليشياتها في إنتخابات محافظات الجنوب والفرات الأوسط لكان نصيب (العراقية) فيها أكثر من ثلاثين نائبا.
والامر نفسه ينطبق على إنتخابات العاصمة بغداد فقد كان متوقعا ان تحرز أربعين مقعدا من مجموع ثمانية وستين نائبا وليس اربعة وعشرين مقعدا، ولكن حجم التزوير الذي مارسته الاجهزة الحكومية في الرصافة وجانب من الكرخ ونزول المحافظ وهو من حزب الدعوة بتهديداته وسلطاته، وأمين العاصمة وينتسب الى المجلس الاعلى بامكانيات دائرته الهائلة وتخصيصاتها المالية العالية.
ورئيس مجلس المحافظة وهو من التيار الصدري بما يملكه من وسائل وأساليب ابتزازية، جعل قائمة رئيس الحكومة تأتي أولا بستة وعشرين نائبا والعراقية ثانيا باربعة وعشرين نائبا والائتلاف الوطني ثالثا بسبعة عشر نائبا والحزب الاسلامي او التوافق بالمركز الاخير(نائب واحد).
لذلك لم يصدق المالكي نتائج انتخابات بغداد وهو الذي يعرف مسبقا مدى التزوير الذي حصل لصالحه وحملات الضغط والإكراه والتزييف التي أنتهجها محازبوه وقوات الوية بغداد والتدخل السريع والطوارئ والمثنى و54 وجهاز مكافحة الإرهاب وكلها تابعة لمكتبه ومرتبطة به شخصيا.
وما يزال الآلاف من سكان العاصمة مغيبين في السجون والمعتقلات السرية عقوبة لهم لعدم تصويتهم لقائمته، ولو كانت الانتخابات نزيهة فعلا فان حصة المالكي منها لن تكون غير عشرة مقاعد في العاصمة وعشرين مقعدا في محافظات الجنوب والفرات على أعلى تقدير.
ولا تصدقوا انه حصل لوحده على 650 ألف صوت، فالصدريون يذكرون انه سرق منهم أكثر من مائة الف صوت والعراقية لديها وثائق وشهادات تؤكد ان اصوات ناخبيها في كثير من مناطق واحياء الاعظمية والبياع والجهاد والسيدية والدورة وشارع فلسطين وبغداد الجديدة والامين والكرادة والمسبح والعرصات وهي بحدود ربع مليون صوت جيرت لقائمة دولة القانون.
في مراكز ومحطات التصويت التي أشرف عليها عناصر من حزب الدعوة واجراء ومستخدمون تلقوا أموالا ومكافآت من الحزب، والحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها هي ان سكان حزام العاصمة بغداد من المدائن والنهروان جنوبا الى ابوغريب والحصوة' شمالا ومن التاجي والطارمية والراشدية شرقا الى المحمودية واليوسفية غربا هم الذين رجحوا فوز العراقية باصواتهم التي لم تتمكن اجهزة المالكي من اختراقها واحتوائها.
وعموما فان الانتخابات الاخيرة أكدت سياسيا وميدانيا ان السنة العرب سموا فوق جراحاتهم وهي كثيرة ومتنوعة، وترفعوا على ما لحق بهم من تنكيل وتقتيل وقهر واضطهاد، وشاركوا بكثافة لانجاح قائمة وثقوا بمرشحيها فجاءت الاولى رغم التزوير الذي تعرضت له في مناطق ومحافظات معينة.
لذلك فان امام الآخرين الذين يناصبون السنة العرب العداء السياسي والتمييز الطائفي فرصة لاثبات عراقيتهم أولا وتقديم وطنيتهم على طائفيتهم كما فعل السنة العرب، والاقرار بالحقوق والاستحقاقات التي ترتبت على نتائج الانتخابات.
وعليهم ان يدركوا ان مصيرهم سيكون بالعزل في جيوب مخنوقة وحدود مغلوقة يقتل بعضهم بعضا بحرب (القامات) جمع قامة وهي آلة جارحة فارسية الأصل، اذا واصلوا عنجيتهم وصلفهم، وسيبقون يتنازعون على الغنائم والخمس والأسلاب، ولن يجدوا قطرة ماء يبلون عروقهم بها، أو نسمة هواء نقية ينعشون أفئدتهم منها.
فقد بلغت رعونتهم درجة لن يقبل بها أبناء العراق وحماته بعد اليوم، لقد بغوا كثيرا ً وبالغوا في الأذى، وظنوا - وكثير من ظنونهم إثم سافر- ان غطاء الاحتلال لهم وقاية، وان إمدادات ايران لمساعدتهم باقية.
وتناسوا أن رأس العراق حار بدم يتوهج قوة وفداء، وصدره مفعم باقتدار وتضحية، وهما لن يسمحا للأطراف الخائرة ان تستمر في نكوصها وعبثها، فإما أن يتقدموا الى جادة الحق والصواب بخطوات محمودة وعقول مفتوحة والا فإنهم سيأتون لا محالة وأيديهم مرفوعة أو يتوارون خلف الحدود بين خانع أو قابع في أقفاص الذل.
ويجب ان يعرفوا جيدا الآن وليس غدا أن الظروف تغيرت وعراق اليوم ليس كما في عام 2003 والأعوام التي تلته، ومصلحتهم اذا كانوا يفقهون ان يتوقفوا عند حدهم بلا استفزاز او إبتزاز.
لقد صبر أهل العراق الاصلاء عليهم طويلا وما زالوا يكظمون الغيظ ولم ينجروا الى مواقع الرد ومناطق الاقتحام وهم لها، كما يعرف الداني والقاصي، لانهم أصحاب خبرة وتجربة ما تزال دول وأطراف تئن من ضرباتهم القاصمة.
'ان العراق بأصالته وعراقته وقدراته وطاقاته يتسع لكل الخيرين من أبنائه ويستوعب جميع المخلصين له والحريصين على عودته بلدا موحدا وشعبا متآخيا كما كانا على امتداد قرون مضت بمسراتها وأوجاعها.
وقد بينت سنوات الاحتلال السبع الماضية، ان المحاصصات الطائفية والعرقية لا تبني وطنا للجميع، ولا تبسط أمنا وآمانا، ولا تشيد تقدما وإزدهارا ولا تأتي بغير الخراب الذي عم الأجواء والإرجاء كما لمسنا واكتوينا.
فهل ينزل المتعالون من أبراجهم المتداعية ومتى يعود بصرهم الغائب الى عيونهم ليروا الأشياء على حقيقتها، أنها دعوة موجهة بالذات الى قادة الأحزاب الشيعية والكردية، ولهم الخيار في قبولها ورفضها، ولكل حالة استحقاقها.