منظور بريطاني لأفغانستان مايكل روز في خطاب مثير إلى شعب برلين، أشار باراك أوباما إلى أن أميركا ليس لديها شريك أفضل من أوروبا في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. وذكر أيضا أن أميركا لا يمكنها وحدها أن تهزم " طالبان " و " القاعدة " وأن تساعد في إعادة بناء أفغانستان. غير أن أوروبا اليوم لا تشارك بالتأكيد العبء الكامل لالتزام يُقيم ويُقدر على نطاق واسع بأنه مهم على نحو حساس لتحالف الأطسي. وتوفر أميركا اليوم في افغانستان نسبة 75 % من القوة القتالية على الأرض ونسبة 85 % من القوة الجوية ويمكن نسبيا لبريطانيا فقط أن تضاهي الإسهام الهائل الذي تسهم به أميركا. ولكن الجيش البريطاني صغير للغاية - في الواقع تبلغ قوته الإجمالية ثلثي حجم القوة التي تنشرها الولاياتالمتحدة في العراق. وقد تجاوز بالفعل الحد الذي يمكنه أن يسهم به في المهمة في أفغانستان بشكل مستدام- بدون سحب قواته الباقية من العراق. ومع ذلك، فإن كلا البلدين أظهر نفس العزم والتصميم الكبير على النجاح كما أن جنودنا يقومون يوميا بعمليات قتالية مكثفة ضد " طالبان " و " القاعدة " في الأقاليم الشرقية والجنوبية من أفغانستان. هناك مثل أفغاني قديم يذكر أن أكثر الأعداء ضراوةً يصنع دائما أفضل الأصدقاء. وهذا من حسن الحظ في الواقع، بالنسبة للبريطانيين الذين حاربوا الأفغان في ثلاث معارك منفصلة بين عامي 1839 و 1919. إن أفغانستان ليست فيتنام؛ وليست حتى العراق. إن الحرب ضد الحركة المسلحة التي يتم خوضها اليوم قابلة للفوز بها ويتم الفوز بها الآن. وغالبية الشعب الأفغاني تؤيد وجود القوات الأجنبية في بلدها حيث إنهم لا يرغبون في العودة إلى معيشة القرن السابع عشر الوحشية التي فرضها عليهم سابقا نظام " طالبان ". وبعيدا عن مناطق الجنوب والشرق في أفغانستان، عادت الحياة فعليا إلى طبيعتها في أفغانستان. بالطبع يمكن ل" طالبان "- من وقت لآخر- أن تضرب في أي مكان في أفغانستان - كما حدث مؤخرا عندما تم ضرب موقع متقدم للجيش الأميركي في ونات بالقرب من الحدود مع باكستان. ولكن من النادر أن يمكن لطالبان أن تعاظم وتزيد من مثل تلك الهجمات، واليوم هي تنفذ أساسا أفعالا إرهابية معزولة. لقد عانت قيادة " طالبان " من إنهاك كبير على جانبي الحدود خلال الشهور القليلة الماضية - وهناك امتعاض وكره متنامٍ بين مقاتلي " طالبان " الشبان لشغل دور القيادة. ومن ناحية أخرى، فبين الجنود الغربيين الشباب والدبلوماسيين وعمال الإغاثة الذين يعملون في أفغانستان هناك تفاؤل حقيقي من أن استراتيجية إرساء الأمن الجيد والحكم الجيد والتمكين في مجال إعادة الإعمار تبدأ أخيرا في النجاح. وهم يعتقدون بحماس أن أهدافهم ليست قابلة فقط للتحقيق، ولكن أيضا مُبررة أخلاقيا - وهم يعرفون أيضا أن مهمتهم لها المساندة والدعم القانوني من الأممالمتحدة. لقد كتب ذات مرة دوق ويلينجتون عن أفغانستان يقول :" أنت لا تفتح بلادا بدك التلال وإطلاق النيران من على مسافات بعيدة ". وكما في كل الحملات المضادة للحركات المسلحة، فإن الحفاظ على إجماع الناس يظل هو الأساس الحيوي في الحرب ضد " طالبان ". ولكن كما يوضح تقرير أخير من " مجموعة الأزمات الدولية "، فإن الغرب يمكن أن يخسر الحرب الدعائية. وحيث إن حكومة " طالبان " كانت نتاجاً للحكم السيئ بقدر ما كانت نتاجاً للتشدد، فإن النقص المستمر في الحكم الجيد والفساد والتقدم البطئ في إعادة الإعمار يساعد بلا شك في فوز " طالبان " بهذه المعركة. نحن نحتاج لذلك إلى أن نشرح على نحو أفضل للشعب الأفغاني ما نفعله لهم وأن نفسر لهم السبب في أن معدل التنمية متجه إلى البطء. وحتى لو استمرت نسبة النمو الاقتصادي الحالية وهي 14 % في السنة في أفغانستان، حتى لو استمرت في العشر سنوات القادمة، فإن اقتصاد أفغانستان سيكون مساوياً فقط في الحجم لاقتصاد بنجلاديش. وسيتطلب الأمر لذلك كثيرا من السنوات الأخرى، ومزيدا من الخسائر العسكرية والمدنية للأسف، قبل إمكانية تحقيق حلم الدولة المرغوبة. والمشكلة الأصعب التي تواجه الغرب تظل هي الفساد المتفشي في طول أفغانستان وعرضها. من الواضح أن الناس تشتبه في وجود فساد واسع النطاق في الحكومة وتلقي باللائمة فيه على التقدم البطئ في مشروعات التنمية. إن العناصر الأساسية للحكم الصالح والتي تشمل جهاز خدمة مدنيا غير فاسد وقوة شرطة غير فاسدة ونظاما قضائيا نزيها واحتراما لحقوق الإنسان وحرية التعبير ناقصة كلها بالكامل تقريبا في أفغانستان اليوم. ومبلغ الخمسة وعشرين مليار دولار من المساعدات الموعود بها إلى أفغانستان في مؤتمر باريس الأخير جاء بقيود وشروط حازمة ، كما أن الضغط الدولي الناشئ عن ذلك لمحاربة الفساد - والأهم، من قبل رئيس الولاياتالمتحدة القادم - يمكن أن يحل في النهاية هذه المشكلة الأفغانية المستشرية كالوباء. إن تكلفة المهمة في أفغانستان كبيرة - ولاسيما بالنسبة لأميركا. ويجب أن تتحمل أوروبا نصيبا أكبر من عبء توفير أعداد أكبر من القوات القتالية القادرة. ويجب - فضلا عن ذلك - أن يكون لدى قائد قوات حلف شمال الأطلسي " الناتو" قيادة كاملة للعمليات وقدرة على إسناد مهام إلى القوات بدون الرجوع إلى حكوماتها الوطنية. إن الطريق إلى السلام دائما طويل وصعب ومكلف - وسيكون هناك دائما أناس خائفون من إتباع ذلك الطريق. ولكن كما قال الرئيس الأميركي هاري ترومان فإن " أميركا لم تُبن على الخوف.. إميركا بُنيت على الشجاعة.. والتخيل والتصميم الذي لا يُقهر لأداء المهمة وإنجازها في القريب". نشر في صحيفة " إنتر ناشيونال هيرالد تريبيون " ونقلته صحيفة " الوطن " العمانية 19/8/2008