آفاق الوساطة الأوروبية في القوقاز د. جانا بوريسوفنا بعد مرور أيام على بدء الحملة العسكرية الجورجية ضد سكان إقليم أوسيتيا الجنوبية، ودخول القوات الروسية في معارك لحماية المدنيين، سارعت الدبلوماسية الأوروبية للتحرك على محاور مختلفة، حيث سارع الفرنسيون باعتبار فرنسا تترأس الاتحاد الأوروبي للتحرك.
حيث أجرى الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي سلسلة مفاوضات مع الرئيس ميدفيدف ومع ميخائيل ساكشفيلي ونجح في التوصل لاتفاق المبادئ الستة، كأرضية لمفاوضات تحدد محاور تسوية الأزمة في إقليم القوقاز. وعرض هذا الاتفاق على الاتحاد الأوروبي تمهيدا لعرضه على مجلس الأمن بعد مصادقة الأوروبيين عليه.
وكشف مسار اجتماع الاتحاد الأوروبي في بروكسل عن وجود خلاف حول الموقف من روسيا، وبينما كانت دول أوروبا الشرقية تسعى لإدانة ما اعتبرته عدوانا روسيا ضد جورجيا، وحاولت دول أوروبا الشرقية (تجاوبا مع طلب ساكاشفيلي) استبدال قوات حفظ السلام بقوات دولية، أو على الأقل إرسال قوات دولية إلى جانب القوات الروسية، دعت دول أوروبا «القديمة» للتريث في اتخاذ المواقف، ولم ترى ضرورة لذلك واقترحت إرسال مراقبين دوليين لتهدئة التوتر في مناطق النزاع.
وتكمن أهمية الدور الأوروبي كوسيط لحل النزاع ولتهدئة التوتر بين موسكووواشنطن، في انه يمكن أن يكون الضمانة لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها، باعتبار أن الرئيس الجورجي لا يفي بالتزاماته، إضافة إلى أن حرص أوروبا على أن تلعب هذا الدور يرتبط بمساعيها لحماية مصالحها في الحصول على احتياجاتها من الطاقة، وللحفاظ على علاقات الجوار ويمكن أن تستثمر أوروبا وضع العلاقات الروسية الأميركية لتخفيف الضغط الأميركي عن أوروبا، ولكن كما لاحظنا يوجد خلاف بين الدول الأوروبية، ما لم يمكنها من التوصل لموقف موحد ضد روسيا.
ويعود ذلك إلى أن أوروبا القديمة مازالت تحرص على صلاتها مع موسكو، وأوروبا الجديدة التي انحازت للموقف الأميركي، والتي تتكون من دول أوروبا الشرقية. ومع ذلك تحول اتفاق المبادئ الستة إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار لأنه تجنب الخوض في الوضع القانوني لإقليمية أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، والذي يشكل حجر الزاوية في هذه الأزمة.
وحاولت تركيا تسوية الأزمة عبر مدخل آخر يتلامس مع مصالحها في المنطقة، ودعا رئيس الحكومة التركية أردوغان خلال محادثاته مع الرئيس ميدفيدف وساكاشفيلي لإنشاء تحالف قوقازي يرمي إلى إحلال الاستقرار في المنطقة ويضم الدول القوقازية وروسيا والولايات المتحدة وتركيا، واستهدفت المبادرة التركية تأمين خط أنابيب نقل النفط (باكو تبليسي جيهان)، إلا انه لم تجد دعما من أطراف النزاع.
ومن المستبعد أن تنتهي الأزمة المتفجرة، وأن تتوقف العمليات العسكرية في إقليم القوقاز، إلا أن الوساطة الأوروبية فسحت المجال لهدنة مؤقتة، بين أطراف النزاع، ولكن إصرار واشنطن على ضرورة انسحاب القوات الروسية من الأراضي الجورجية، غالبا ما سيؤدي لتفجر الصدام السياسي والعسكري، وما يعيق مساعي واشنطن هو النجاحات العسكرية الروسية في المعارك التي دارت.
إلا أن الجانب الجورجي حقق نجاحات في الحرب الإعلامية الدائرة باعتبار أنه حصر المشكلة في تدخل روسي ضد السيادة الجورجية، في وقت كانت تحاول جورجيا فيه إعادة وحدة الأراضي الجورجية، استنادا إلى أن روسيا تعترف بسيادة جورجيا على أراضيها بما فيها إقليما أوسيتا الجنوبية وابخازيا.
استمرار التوتر في مناطق القوقاز لابد وأن يلقي بظلاله على أسواق الطاقة العالمية باعتبار أنه سيؤثر على مصير ثروات بحر قزوين، وخط أنابيب نقل النفط( باكو تبليسي جيهان)، وسيجعل روسيا تعيد النظر في تحالفاتها الدولية وفق مواقف الأطراف الدولية من حل هذه الأزمة، باعتبار أن النفوذ الروسي في القوقاز ووسط آسيا تعتبره موسكو آخر خطوطها الدفاعية.
أما الجانب الأوروبي فقد نجح في استيعاب الغضب الروسي، وحدد موقفه من الصراع الدائر، مقتصرا على الوساطة بين أطراف النزاع، وبين موسكووواشنطن، ما يمكنه من ضمان حماية مصالحه مع كافة الأطراف وتحديداً مع روسيا التي تمده بثلث احتياجاته من الطاقة. عن صحيفة البيان الاماراتية 18/8/2008