حقبة أمريكية جديدة عبدالعظيم حماد يعتقد أغلب المتابعين لحملات الترشيح لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة, أن السؤال لم يعد هو: كم تبلغ احتمالات بقاء الجمهوريين في البيت الأبيض؟ وانما السؤال هو: هل انتهت حقبة هيمنة الحزب الجمهوري علي الحياة السياسية الأمريكية, التي بدأت منذ عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان, وفي قول آخر التي بدأت منذ فوز الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بالبيت الأبيض عام1968, ويتفرع عن هذا السؤال سؤال آخر هو: كيف ستختلف أمريكا الديمقراطية عن أمريكا الجمهورية في الداخل والخارج؟ غير أن السؤال الذي يهمنا في الشرق الأوسط والمنطقة العربية أكثر من غيره هو: ما الذي تحمله الحقبة الديمقراطية في الحياة السياسية لنا من فرص, ومن تحديات؟ أولا وبسرعة: لماذا يقال إن الأربعين عاما الماضية كانت حقبة جمهورية في السياسة الأمريكية؟ الأسباب كثيرة, وفي مقدمتها أنه لم يحدث أن فاز رئيس ديمقراطي منذ عام1964 بأكثر من نصف عدد الناخبين, باستثناء جيمي كارتر الذي خسر بعد فترة رئاسية واحدة خسارة مشينة, في حين فاز الرؤساء الجمهوريون بأكثر من50% من الأصوات الشعبية في ست انتخابات رئاسية, وكان السبب الرئيسي وراء هذه المفارقة الكبري, هو تحول الولايات الجنوبية بأكملها الي قواعد للحزب الجمهوري, كرد فعل احتجاجي علي إقرار الديمقراطيين في عهد الرئيس جونسون لقانون الحقوق المدنية الذي ألغي آخر أشكال التفرقة ضد السود والملونين, فإذا أضيف الي ذلك تحمل الديمقراطيين مسئولية التدخل الفاشل في فيتنام, وانهاء هذا التدخل المهزوم بواسطة الجمهوريين, فقد انضمت ولايات أخري مهمة الي المعسكر الجمهوري, الي أن تحول الحزب الديمقراطي من حزب قومي الي حزب إقليمي لولايات الشمال الشرقي, والشمال الغربي فقط. ثانيا: كيف ولدت الحقبة الديمقراطية الجديدة؟ يرصد المراقبون عددا من المؤشرات التي لا تحتمل الخطأ في التفسير, ففي ولاية أيوا وعلي هامش المعرض الزراعي السنوي, تجمع25 ألف مستمع لخطاب باراك أوباما المتسابق الثاني علي ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة, في حين تجمع أربعون( وأكتبها بالحروف لتجنب احتمال الخطأ في الطبع أو في القراءة).. أربعون مستمعا فقط لخطاب ميت رومني المتسابق الأول علي ترشيح الحزب الجمهوري, في المناسبة نفسها, وفي المكان عينه. وليس هذا كل شيء, إذ يبدو الفارق أوسع بكثير أيضا لمصلحةالديمقراطيين في ميدان جمع التبرعات المالية للحملا0ت الانتخابية, فقد جمع المرشحون الديمقراطيون نحو مائة مليون دولار مقابل أقل من خمسين مليون دولار جمعها المرشحون الجمهوريون. وفي استطلاعات الرأي العام, يتقدم الحزب الديمقراطي علي الحزب الجمهوري بفارق15 نقطة علي الأقل. كل ذلك بالإضافة الي ما أثبتته انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في العام الماضي, فهذه الانتخابات لم تسفر فقط عن هزيمة انقلابية للجمهوريين في المجلسين( النواب والشيوخ), ولكنها أعادت معظم ولايات الجنوب الي الحظيرة الديمقراطية, الي حد أنهم قرروا عقد مؤتمرهم القومي لاختيار مرشحهم للبيت الأبيض في مدينة ومقر عاصمة ولاية كلورادو. السبب الرئيسي دون اجتهاد من أحد لهذا البزوغ الديمقراطي الجديد في الحياة السياسية الأمريكية, هو الفشل المزري لمغامرة الرئيس بوش الابن في العراق, ومن ثم سقوط مشروع المحافظين الجدد كله, لكن القصة تتضمن فصولا أخري, إذ إن الديمقراطيين بنوا علي هذه الأرضية التي وفرها لهم فشل بوش وفريقه في العراق كثيرا من المنجزات الانتخابية الموجهة أساسا الي القاعدة التقليدية للحزب الجمهوري من المحافظين السياسيين والمتدينين, فقد تخلوا عن حملتهم الايديولوجية لتقييد حمل السلاح, بل إن الديمقراطيين وعيا منهم لهذا الدرس قدموا في انتخابات الكونجرس الأخيرة مرشحين يرضي عنهم لوبي البندقية, وتطبيقا للاستراتيجية نفسها خفف الديمقراطيون من حماسهم للقضايا التي تزعج المحافظين مثل الاجهاض, وزواج المثليين, في الوقت الذي اقترب فيه الرأي العام من موقفهم في أكثر القضايا الأخلاقية إثارة للاهتمام حاليا وهي قضية الأبحاث علي الأجنة . فقد أصبحت غالبية المواطنين خاصة الأجيال الشابة تؤيد تمويل هذه الأبحاث من الميزانية الفيدرالية, ويتوازي مع هذه التطورات تصدع تحالف اليمين المسيحي الذي كان الكتلة المرجحة للجمهوريين, منذ أن ارتبط به الرئيس الأسبق رونالد ريجان, فهناك خلافات جادة بين الجناحين الكاثوليكي والبروتستانتي لهذا التحالف, كما أدي اختفاء عدد مهم من زعماء هذا التحالف بسبب الموت أو بسبب الفضائح الي فقدان القوة المحركة, ثم إن قضية التغير المناخي أخذت تحل محل القضايا الأخري في المقام الأول من اهتمامات المتدينين الأمريكيين ليكونوا أقرب الي الحزب الديمقراطي, باعتبار أن هذا التغير ناتج عن عدوان بشري علي نعمة الرب, ومن ثم فهو يمثل خطيئة لأنه عدوان علي حياة الجنس البشري كله أخطر من العدوان علي حياة جنين في بطن أمه..الخ. الخلاصة هي أن انتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة لن تؤدي فقط الي استبدال رئيس برئيس, أو حتي حزب بحزب, ومن ثم استبدال سياسة بسياسة, ولكنها ستكون بداية عصر جديد في الولاياتالمتحدة, وفي العالم مادامت الولاياتالمتحدة هي قائدة النظام العالمي, عصر سيكون أقل التزاما بالايديولوجية, وأقل اندفاعا نحو المواجهات العسكرية, وأكثر اعتمادا علي الدبلوماسية, والعمل مع الآخرين, وبالقطع فإن هذا التحول يتيح فرصا في كل مكان في العالم, وفي الشرق الأوسط باعتباره الميدان الأول للمواجهة ضد الإرهاب الدولي, ولكنه يطرح أيضا تحديات علي الجميع وخصوصا علي المنطقة العربية, فلتكن هذه الفرص والتحديات هي موضوع حديثنا المقبل. عن صحيفة الاهرام المصرية 3/9/2007