مؤتمر أم مؤامرة؟ خيري منصور ما الذي يمكن التعويل عليه في مؤتمر قادم للسلام في الشرق الأوسط؟ ما من أحد لا يتذكر الآن مؤتمر مدريد والظروف بل الحاضنة الدولية التي أفرزته بعد حرب الخليج الثانية. فالبعض يستبقون المؤتمر القادم في خريفين متزامنين، أحدهما خريف العهد البوشي، والآخر خريف الجغرافيا الشرق أوسطية التي أصبحت تبحث عن فصل خامس بعد أن أسقطت التقاويم كلها، وأدخلت واشنطن كوكبنا إلى الساعة الخامسة والعشرين. إن انعقاد مؤتمر كهذا، والحال على ما هو عليه في لبنان وفلسطين والعراق، معناه الوحيد تكريس الأمر الواقع، بل تبرير حالات التشظي والتذرر التي تعصف بهذه المنطقة من العالم. ولا ندري كم من فلسطين، أو ما تبقى منها على قيد العروبة والتاريخ، سيشارك في مؤتمر كان من المفروض أن تكون فلسطين سرّته وكلمة السر فيه قدر ما هي سريرة العرب والمسلمين جميعاً. إن الفارق، أحياناً، بين المؤتمر والمؤامرة يصبح قابلاً للحذف إذا كان المقصود بعقد مؤتمر كالذي يدعو إليه الرئيس بإلحاح، هو رصاصة الرحمة على الخيول التي هجرها فرسانها وتكسرت سيقانها. إن الهروب من البديهيات، أحياناً، ومن المشاهد الواضحة إلى أشباه جمل سياسية هو المعادل الموضوعي للهروب من الواقع، خصوصاً بعد أن أزفت لحظة الاعتراف بما آل إليه. وكيف يفهم العالم دعوة وزراء في الدولة العبرية إلى إعادة اجتياح غزة، وتهديدات الجنرالات لحرب ثأرية ضد لنبان وهو ممزق، إذا كانت هذه الدعوات على بعد خطوات فقط من مؤتمر للسلام؟ الرئيس بوش ومن تبقى على قيد إدارته يبحثون عن مخرج من عدة أزمات، تزامنت وتفاقمت ولا يلوح في الأفق ما يبشر بانفراج واحدة منها على الأقل. الأزمة في العراق تزدوج وتتمدد لتشمل قوساً من الجغرافيا الساخنة، والمرشحة لإعادة الترسيم، وأزمة الإدارة الأمريكية مع شعوب المنطقة، التي خدعت بشعارات التحرير واسترداد الحقوق والتمدين، تتضاعف، وذلك بسبب ضبط هذه الشعوب لأمريكا وهي متلبسة بالتناقض الجذري والحاسم بين خطاب معد للتسويق ومعفى من الضرائب الأخلاقية، وممارسة ميدانية بالغة الفظاعة والفداحة. أما الأزمة الأمريكية الداخلية، فما من سبيل إلى تسطيحها كما يروق لأنصار الامبراطور الأخير والذين ربطوا قطتهم بذيل حصانه. إنها أزمة تتعمق بمرور الأيام، وتهرب الجنرالات الأمريكيين من الإجابة عن سؤال شعبي تحول إلى مناخ وبيئة سياسية، هذا السؤال هو لماذا كانت تلك الحرب؟ وما الذي حصدته من غنائم إذا كان الاستنقاع في أفغانستان والعراق قد أيقظ الفوبيا الفيتنامية لدى عشرات الملايين من الناخبين الأمريكيين، الذين لم يعد سهلاً خداعهم لتمويل حروب خاسرة بما يدفعون من ضرائب، وما يقدمون من موت مجاني على بعد آلاف الأميال من بيوتهم وأطفالهم؟ لقد دأب العرب، خصوصاً الأكثر ميلاً منهم للتأقلم مع العولمة والأمر الواقع، على استبعاد مفهوم المؤامرة من التحليلات السياسية، وقد يكون لديهم بعض الحق، لكن الإفراط في استبعاد المؤامرة وهي من صميم الحراك السياسي الدولي، هو بحد ذاته مؤامرة. والمؤتمر الذي يعقد لأسباب تخص واشنطن ولحساب “أجندتها" ليس بعيداً عن المؤامرة، وعلينا ألا نتجنب هذا النمط من التفكير استجابة وتلبية للابتزاز السياسي الذي نبتت له في الآونة الأخيرة أنياب زرق. عن صحيفة الخليج الاماراتية 30/8/2007