وحدة العزف خالد القشطيني كنت في مناسبة سابقة قد حثثت على تشجيع كرة القدم لاسباب سياسية واجتماعية. لقد وجدت انها تعلمنا على احترام الوقت ودقة التوقيت وايضا على التمسك بالوحدة والانسجام وروح التعاون. في ليلة الثامن من هذا الشهر (اغسطس) جلست على غير عادتي أتفرج على التلفزيون. اكتشفت كذلك توجها مشابها في العزف الموسيقي السمفوني. كنت اتابع الحفلة السمفونية التي قدمتها الاوركسترا السمفونية السلطانية العمانية من التلفزيون العماني التي اعتادت على تقديم عطاءاتها في اواخر الليل من وقت لندن. حدث ان تزامن ذلك مع الحفلة الغنائية المسجلة التي قدمها التلفزيون الاردني لأم كلثوم رحمها الله. لاحظت تباينا في طريقة العزف بين الفرقتين الموسيقيتين. كانت اقواس كمنجات العازفين في فرقة ام كلثوم، مع كل احترامنا لهم ولفرقتهم وسيدتهم، ترتفع وتهبط اعتباطا، احدها يصعد في حين ان قوس الكمنجاتي المجاور له ينزل. هذا طبعا يوحي بتمزق وتضارب بالعزف قد يصعب على المستمع العادي تبينه. لم ألاحظ مثل ذلك في عزف الفرقة الموسيقية العمانية. العازفون في كلتا الفرقتين عرب ومسلمون، او على الأقل اكثرهم مسلمون. ولكن الدقة التي تتطلبها القطعة السمفونية الغربية جعلت اقواس الكمنجات في الفرقة العمانية تصعد وتهبط معاً بحركة متطابقة وبانسجام وحدوي تام. نلاحظ ذلك في شتى الفرق الموسيقية السمفونية العالمية. كثيرا ما تنتظم الفرقة مئات العازفين وعشرات الكمنجاتية ولكنك تنظر فتجد جميع اقواس كمنجاتهم تتحرك معاً وبنفس الاتجاه والتوقيت كما لو كانت تشتغل بالزمبرك، او كما لو كانت لعصا قائد الاوركسترا اسلاك كهربائية تحرك هذه الاقواس من بعيد، قوسا قوسا. قلت لنفسي هذا ما نحتاج اليه في عالمنا العربي، مزيد من الفرق السمفونية ومن الدروس الموسيقية في مدارسنا. علموا اولادنا على العزف والغناء معاً ليتعلموا على التعاون والتناغم. الديمقراطية والوطنية تعتمدان على ما نتعلمه في الصغر في شتى النشاطات التربوية والمنزلية. يكبرون ليعطونا توجها وطنيا منسجما، وهو ما نحن في اشد الحاجة اليه. ففي نفس الأمسية لاحظت على شاشة التلفزيون ايضا تلك المهاترات التي اعتدنا عليها في حياتنا السياسية العامة. كان هناك اياد علاوي يبدي ملاحظاته التي شجب فيها كل ما كان نوري المالكي يطرحه من قناة تلفزيونية اخرى. وعلى هذا الغرار جرى التضارب الفكري بين محمود عباس وناطق من جانب حماس فاتني اسمه. ولكنني حدثت نفسي فقلت، آه ياليت هؤلاء القوم علموهم في مدارسهم على العزف على الكمنجة. ومن يدرينا، ربما استفدنا منهم ككمنجاتية اكثر مما استفدنا منهم كساسة. عن صحيفة الشرق الاوسط 19/8/2007