امين هويدى لم تربطنى بالراحل امين هويدى الكاتب والمفكر ومدير المخابرات ووزير الحربية المصري فى اعقاب نكسة 67 ، علاقة مباشرة سوى اننى اواظب بشكل تقريبا مقدس على مقاله المنشور بجريدة الاهرام يوم الثلاثاء من كل اسبوع ، لما يزيد على اربع سنوات او اكثر ، وهى علاقة اعتبرها الاسمى والاعلى بين اثنين ؛ قارئ يتابع كاتب دون ان يراه ويسمعه .. وبين كاتب يقضى حياته ، يكتب لاجل جمهور مجهول له !! .
هالنى ما نشره موقع محيط – فى سبق اخبارى – لرحيل امين هويدى اليوم فى تمام الساعة السادسة صباحا ، وان جنازة عسكرية تقام له اليوم من مسجد ال رشدان يحضرها كبار القادة العسكريين وعلى راسهم المشير حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع . فقررت ان احضر الجنازة خاصة وانه تربطنى علاقة زمالة وصداقة غالية مع حفيدة الفقيد الدكتورة منه الشرقاوى بكلية الاعلام .
وبالفعل وصلت في الموعد المحدد ، وشهدت جنازة الفقيد ويتقدم جثمانه المغطى بعلم مصر على تختروان تحمله الخيول .. ومن خلفه الاهل والاقارب والاحباب وزملاء الواجب العسكرى .. واذا بموكب وزير الدفاع يقف امام ابنة الفقيد واهله وينزل مترجلا ليقدم واجب العزاء فى الفقيد ..
" هو مين اللى مات ؟؟" .. عبارة انتزعتنى وانا اتابع ،، قالها شاب في الثلاين من عمره .. فاجبته : امين هويدى .. فقال مستغربا : مين ؟ . فكررت مرة اخرى بنفس الالية : امين هويدى .. وزير حربية مصر السابق .. فتمتم معبرا عن تفهمه لهذا الموكب وهذه الجلبة التى تدل على صاحبها .
ان اهمية مسيرة امين هويدى وما بها من رسائل ، حاول طوال حياته ان ينشرها ويؤكد عليها ، نابعة ليس فقط كونه اخر رجالات الثورة وتنظيم الضباط الاحرار التى قامت بتغيير وجه مصر يوم قامت ثورة يوليو 52 .. وما تبعها من حركات تحرر وطنى فى دول العالم الفقير المستضعف ومقاومة كل مستعمر .. واكدت ادمية الانسان وقدرته على تخطى المستحيل بالارادة .. وكذلك فاهمية رسائل مسيرة الفقيد ليست نابعة فقط كونه شاهدا على اسرار مصر العسكرية السياسية فى ادق واخطر واهم لحظات التاريخ المصرى. في اعقاب هزيمة يونيو وتولد روح الاكسار داخل كل بيت مصرى ، كان اما اب مثكول فى ولده الذى اسشتهد ، او ام تبكى ابنها المفقود فى الاسر .. او ابناء يتامى .. او انكسار روح كل وطنى امن بالثورة وامن فى مصر . فوثق فيه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بان كان اول من تولى وزارتين لهما من الخطورة والاهمية , وهما الحربية والمخابرات . واهمية دور امين هويدى ليست نابعة فقط من كونه مفكرا وكاتبا سواء فى جريدة الاهرام او فى كتبه وحوارتها فى الاعلام ، التى حرصت على تأريخ لدور مصر وطرحه حلول لها قيمتها فى حل مشكلاتنا والتماس الامل فى الغد لاجلى واجلك ولاجل جيل من بعدنا ..
فى تصورى ان الاهمية الحقة لمسيرة امين هويدى ، هو تعبيره عن ارادة الانتصار، والاصرار عليها فى اشد اوقات المحن والشدائد .. فوقت ان كان الفقيد مسئولا بشكل مباشر عن فرق الاستطلاع المخابراتى ووزارة الحربية . فبعد حرب 67 حاولت اسرائيل تحتل مساحات اوسع فحاولت احتلال بورفؤاد فى 1 يوليه 1967 لكن قوات الصاعقه المصريه زرعت الالغام امام القلوات الاسرائيليه المتجهة بورفؤاد و منعت تقدمها وتصدى العسكر المصرى لها بأسلحه خفيفه فى معركة تسجل موسام شرف فى السجل العسكرى المصرى وهى " معركة راس العش ". فى 14 و 15 يوليه 1967 فتحت القوات المصريه مدافعها على طول جبهة قناة السويس بعد ما حصلت اشتباكات فى الجنوب فى اتجاه السويس و الفردان ، و خرج سلاح الطيران المصرى بكل طياراته و شن هجوم على منطقة شمال سينا و سبب خساير كبيره للقوات الاسرائيليه، مما اطر اسرائيل لطلب وقف اطلاق النار فكلفت امريكا سكرتير عام الاممالمتحده بالإتصال بالرئيس جمال عبد الناصر لوقف العمليات العسكريه ، فيما عرف بعدها بمبادرة روجرز . وغيرها من معارك الصمود والارادة المقاتلة الكثير والكثير .. كل هذا وقت ان كان امين هويدى مشاركا كقائد تكتيك .. نعم الشرف والتضحية ليست من حقه وحده .. ولكنه كان معبرا عنها وسجل التاريخ اسمه فيها .. فهمى هويدى الذى اعتقل عقب وفاة الرئيس جمال عبد الناصر فى اعقاب الزلزال الذى احدثه رحيل رسول الثورة .. الا ان الايام اثبتت بعد وقت ليس طويل براءته من كل ما نسب اليه .. وتفرغ بعدها الى الكتابة والتسجيل للتاريخ .. وتصدى لقضايانا جميعها بروح المقاتل حتى قبل مرضه الشديد الذى منعه من الكتابة .. ان مثل هذه الحياة المشرفة و الصامدة لامين هويدى .. لم تجعله قط يتاجر بما لديه من اسرار او يتفاخر ببطولات .. فقد ادرك – فى تصورى – ان الرسالة والهدف اسمى من ان يتاجر بها كما يفعل الكثيرون فى ايامنا .. تركنا امين هويدى وفى حياته رسالة واحدة ، الا نخضع للشدائد ، والا نترك حقوقنا ومصائرنا هباءا لاعدائنا .. وان نتمسك بالامل ونحن على يقين وايمان بالله . وداعا امين هويدى .. يؤلمنا فراقك وندعو ان يصبر الله احبائك .. ونتوسل اليه الا تفارقنا ارادتك المقاتلة كما فارقنا جسدك .. وداعا رجل الانتصار فى زمن نكستا الحاضرة !! .