ما فعله شيخ الأزهر في جولته الاخيرة في المعاهد الأزهرية من نزع نقاب القتاة المسلمة، والسخرية منها، والادعاء بأنه يعلم الشرع أكثر منها ومن أبيها؛ بقدر ما هو شنيع وصادم، وبقدر ما هو متوافق مع سلوكيات الشيخ منذ الدَّرَكة الأولى التي سقط فيها بتحليل الربا في نهاية الثمانينيات، بقدر كل ذلك فإنه يعكس أيضًا عدم صدق الشيخ في أنه يعلم الدين أكثر من الفتاة وأهلها؛ وذلك من وجوه عِدَّة..
أولها: أن الدين الإسلامي لم يحرم النقاب، ولم يجعله عادةً كما ادعى الشيخ، فالقول بفرضية النقاب رأي موجود في تراثنا الفقهي منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم؛ فهو رأي الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره في تفسير قوله تعالى "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" (النور: 31): أي: لا يُظهرْنَ شيئا من الزينة للأجانب، إلا ما لا يمكن إخفاؤه.
وقال ابن مسعود: كالرداء والثياب. يعني: على ما كان يتعاناه نساء العرب، من المِقْنعة التي تُجَلِّل ثيابها، وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه؛ لأن هذا لا يمكن إخفاؤه. [ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها، وما لا يمكن إخفاؤه. وقال بقول ابن مسعود: الحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النَّخَعي، وغيرهم .
إذن هذا الرأي – وإن لم يكن رأي الجمهور الذين لم يوجبوا النقاب، ولكن لم يحرموه ولم يمنعوه بأي شكل – إلا أنه موجود منذ عهد الصحابة ومن بعدهم التابعين؛ فأين علمك يا شيخ الأزهر، يا من تخصصت في تفسير القرآن؟!!
الثاني: في سخرية شيخ الأزهر من شكل الفتاة المسلمة مخالفة واضحة لقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ" (الحجرات: 11)؛ فهل غابت الآية عن أستاذ التفسير أم أنه كان ينوي الأمر لغرض ما في نفسه؟!
ثالثها: وهو أخطرها وهو ما أذكِّر به الشيخ الذي يبدو أنه غاب عنه الكثير من الآيات أو أن الله أنساه إياها!! - قوله تعالى: "وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ" (البقرة : 120)..
وقد رضي اليهود والنصارى عن الشيخ كما رضوا قبل ذلك كثيرًا؛ فها هي وسائل الإعلام تذكر لنا أن الأحزاب الإيطالية المتطرفة المعادية للإسلام والمسلمين تلقت ما قاله الشيخ بسرور عظيم، وقد تكفل الشيخ بإرضائهم أكثر عندما صرَّح بأنه ينوي إصدار قرار بمنع النقاب في المعاهد الأزهرية، واقرأوا إن شئتم هذه التصريحات: قالت باربارة سالتاماريني مسئولة التكافؤ في حزب شعب الحرية الايطالي اليميني، تعليقا على توضيحات شيخ الازهر بشأن النقاب: أنه "اخيرا لم يعد هناك مجالا للشك بعد توضيحات هذه السلطة العليا فى السنّة الاسلامية حول حق المرأة المسلمة بالتمتع بهويتها التى يحجبها النقاب والذى يمثل عنصرا دخيلا على التقليد الاسلامي" وفق تعبيرها.
وأشارت سالتاماريني في تصريحات نقلتها وكالة (آكي) الايطالية الرسمية للأنباء إلى أن "الأمر يتعلق بتصريح غاية في الأهمية"، ليس فقط لأنه "يسقط القناع عن الخرافات الزائفة لتطرف تغذيه تقاليد بالية"، بل لأنه "يمثل إشارة إلى إمكانية أن يكون الاهتمام بكرامة المرأة أمرا يتماشى مع قيم ورموز الإسلام".
ووتضيف بأنه :هنا تجدر الإشارة إلى أنه "من العبث الاستمرار في تجنب مواجهة هذا الموضوع في بلادنا عندما تقوم بلدان كمصر بمنع هذه الأداة التي ترمز إلى الخضوع" حسب قولها.
وخلصت المسئولة في حزب شعب الحرية إلى القول: "لذا، أتمنى أن تتم وبأسرع وقت ممكن الموافقة على مشروع القانون الذي يعالج هذا الشأن والمعروض على مجلس النواب"، ولكي "تمر عملية اندماج النساء المهاجرات في ايطاليا عبر معركة الحرية أيضا" .
فهل سعيت لرضاهم يا شيخ الأزهر؟ ولماذا تريد رضاهم؟ ألمنصب جديد، وما هو؟ فلست مؤهلاً لأكثر مما أنت فيه، وهل في العمر أكثر مما مضى لتتمتع بجاه المنصب؟!! عليك – يا شيخ الأزهر أن تتأمل عاقبة و منزلة بلعام بن باعوراء، ولعلك قد سمعت به أيام كنتَ تتدبر القرآن وتفسيره، وهو المقصود بقوله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ" (الأعراف: 175).
و أن تتامل عاقبة ومصير ما حذر منه حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن مما أتخوف عليكم رجُل قرأ القرآن، حتى إذا رؤيت بهجتُه عليه وكان رِدْءَ الإسلام اعتراه إلى ما شاء الله، انسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك". قال: قلت: يا نبي الله، أيهما أولى بالشرك: المرمي أو الرامي؟ قال: "بل الرامي" .
فهل تتوب مما فعلت، ومما تنوي فعله أم ستتفرغ كعادتك لمهاجمة ومقاضاة كل من كشف مخالفتك للشرع الكريم، أو نصحك لعلك تنتصح؟!
أسأل الله لك الهداية؛ فوالله إنك لن تتحمل مثقال ذرة مما تستحقه فتاويك من عقاب الله.