حتى لا يكون تأجيل "المصالحة" كتأجيل"تقرير غولدستون"
* طاهر العدوان
طاهر العدوان كما يقول المثل, ضربتان في الرأس تقتلان. وفي ظل توالي الضربات على رأس القضية الفلسطينية, من الاستيطان الى حصار الاقصى وعمليات تدميره الى تأجيل التصويت على تقرير غولدستون بطلب من رئيس السلطة, لم يعد الشعب الفلسطيني ولا قضيته قادرين على تحمل كارثة اخرى وخطايا جديدة.
تخطئ حركة حماس, ومعها الجهاد اذا اصرتا على تضييع الفرصة (ولا اقول انها تاريخية) لكنها مجرد فرصة تستحق المجازفة وتَحمُّل الاعباء, واقصد فرصة توقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس, المقرر في نهاية الشهر الحالي في القاهرة. هذا التأجيل يأتي تحت ضغط المواقف الرسمية والشعبية, الفلسطينية والعربية, التي تدين وتتهم عباس على قراره الخاص بتقرير غولدستون.
وأُذكّر قادة حماس والجهاد, بان العدوان الهمجي الصهيوني على قطاع غزة في كانون الماضي, الذي ارتكبت خلاله جرائم الحرب التي تناولها التقرير, هي ايضا, مثلها مثل قرار التأجيل في جنيف, من الافرازات المأساوية لحالة الانقسام الفلسطيني, والاحتراب الداخلي الذي ترك القضية وشعبها الرازح تحت الاحتلال في مهب رياح العنصرية والفاشية الصهيونية وجرائمها.
ما هو اكثر اهمية من مسألة التصويت او عدمه على تقرير غولدستون هو وضع حد نهائي لحالة الانقسام بين غزةورام الله. فالشعب الفلسطيني ليس سلطة رام الله انها مسألة "وحدة الشعب" في ظرف الاحتلال وهي اكبر بكثير من التنظيمات والقيادات وحسابات الربح والخسارة.
فقضية فلسطين لا ترتبط عدالتها, او دوافع الكفاح والنضال من اجلها, بزمن او بتيار سياسي مهما كان لونه واختلاف رموزه واشخاصه, ومن الخطأ الكبير بل الخطيئة الكبرى, ان يحافظ, اي طرف على الامر الواقع القائم في كل من الضفة والقطاع, بما يُكرس تجزئة القضية, وتفتيت جهدها الوطني, بما ينعش روح ومخططات قادة اسرائيل.
ارحموا شعب غزة, وارحموا اهل القدس وحماة مقدساتها, فلا يجوز هذا الاستمرار في ترف الانقسام, وحروب البلاغة في البيانات والتصريحات فيما يدفع اهل غزة واهل القدس بشكل خاص ثمن هذا الانقسام, الذي بات مدخلا لتبرير حالة اللافعل العربي تجاه قضية فلسطين.
لقد ارتكبت سلطة رام الله خطيئة كبرى في مسألة تقرير غولدستون, لكن يكفيها ما لاقته من ازدراء وإدانة من الرأي العام العربي والعالمي, واذا كانت حماس والجهاد تريدان تصحيحا لهذه الاوضاع المُزرية على الساحة الفلسطينية واصلاح " قمة هرم السلطة" فان الطريق الوحيد هو انجاز المصالحة, التي ستقود الى العودة لرأي الشعب ليقرر في انتخابات رئاسية وتشريعية أسس اعادة بناء مؤسسات القرار الوطني.
وقد لا يمر وقت بعيد, قبل ان تكتشف حماس والجهاد بأنهما ارتكبتا خطأ كبيرا اذا ما اصرتا على تأجيل توقيع اتفاقية المصالحة, وربما خطأ لا يقل عن خطيئة تأجيل التصويت على تقرير غولدستون, لان عصبة الاشرار بقيادة نتنياهو - ليبرمان ستقطف الثمار مضاعفة, مرة بتأجيل التقرير واخرى لانه السبب في تعطيل اتفاق المصالحة.
لماذا لا يتوقف الجميع امام مسؤولياتهم, ويوقفون عملية الانزلاق الوطنية نحو الهاوية, ويبدأون بالعودة الى شعبهم وصفوف مناضليهم وذكرى شهدائهم وعذابات اسراهم من اجل تصحيح مسيرة النضال الفلسطيني التي يدفعها الانقسام الى التشرذم والتفرد بالقرارات وايضا الى العار والخسائر بالجملة.
واخيراً, يجب ان تكون هناك حكومة وحدة وطنية فلسطينية لانها الوحيدة القادرة على ان تحاسب وتحاكم من ارتكب خطيئة جنيف.