هل ما يحدث انهيار فكري في إدارة بوش؟ د.عبد الحميد المجالي لم يكن أحد يتوقع وفقاً للمعطيات السياسية والعسكرية الضاغطة على منطقة الشرق الأوسط (منطقة الأزمات المتصاعدة في العالم ) أن تدخل المنطقة في تحولات تحملها دفعة واحدة إلى مناخات إيجابية تبدل اتجاهات الريح المنذرة بإعصارات طاغية إلى نسمة من الهواء العليل تريح الأعصاب وتبعث روحاً جديدة نحو التهدئة والبحث عن حلول ربما تكون جادة لازمات كانت حتى وقت قصير تكفي واحدة منها لأن تُحدث كارثة فخلال أسابيع قليلة كان قبلها المتابعون لما يجري في المنطقة يضعون أيديهم على قلوبهم لما سوف يجري خلال شهور قليلة حدث ما يلي :. تهدئة في غزة بعد تهديدات إسرائيلية بغزوها. اتفاق لبناني في الدوحة جرى تنفيذه بالكامل في بلد تغيرت اتجاهاته من الحرب الأهلية إلى الوفاق الكامل. وفي أثناء ذلك أعلن عن بدء مفاوضات إسرائيلية سورية غير مباشرة في أنقرة. وبعد ذلك وفجأة فتح الصندوق المقفل على سوريا ودعي رئيسها إلى باريس ليتحدث مع ساركوزي عن علاقة استراتيجية بين البلدين. وساطة تركية لتسوية الملف النووي الإيراني وحضور أمريكي لمحادثات جنيف حول هذا الملف حيث كان هذا الحضور ليس محبذاً قبل ذلك وخلال هذه التطورات تتحول الحكومة العراقية إلى ما يشبه الند الكامل في مفاوضاتها مع الأمريكيين حول الاتفاقية الأمنية ترفض وتناور وتستجيب لآراء الشارع العراقي ومن ثم يؤيد رئيس الوزراء العراقي علناً خطة المرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية حول سحب القوات الأمريكية من العراق. ولأن الولاياتالمتحدة هي المحرك الرئيسي للعلاقات الدولية ولأزمات المنطقة سلباً أو إيجاباً منذ مطلع التسعينيات فإن حدوث مثل هذه التطورات لا بد وأن يربط بين ما حدث وبين السلوك الأمريكي المرتبط ربما برؤية جديدة في واشنطن سواء كانت هذه الرؤية هدفها مرحلي أو إستراتيجي. والشواهد الظاهرة توحي بأن الفريق المحافظ الذي يدير السياسة الأمريكية في المنطقة وفي العالم وهو صاحب ما سمي بالمشروع الإمبراطوري قد أجرى مراجعة شاملة للمنطلقات الفكرية والسياسية الأمريكية في الخارج في ضوء عزوف معظم الشعب الأمريكي عن تأييد هذا المشروع الذي واجه نكسات خطيرة وجادة أصابت قلب العسكرية الأمريكية والاقتصاد الأمريكي بما يشبه الهزيمة لهذا المشروع الذي وجه السياسة الأمريكية الخارجية منذ انهيار الإتحاد السوفييتي ووجد من يعبر عنه بوضوح خلال رئاسة جورج بوش الابن. ولكي يكون هذا التحليل أكثر مصداقية فقد عبر عنه جون بولتون المندوب السابق للولايات المتحدة في الأممالمتحدة وهو من الصقور بالقول أن إدارة الرئيس بوش تواجه انهيارا فكرياً معلقاً بالخصوص على موقف واشنطن الأخير من إيران. وإذا كان الأمر كذلك فإن هذا يعني أن مشروع الإمبراطورية الأمريكية الذي لم يبق من المخططين الرئيسيين له في موقع قيادي في واشنطن سوى ديك تشيني واجه طريقاً مسدوداً لا فرصة متاحة الآن للاستمراربة أو إعطائه دفعة جديدة في الوقت الذي يعطي فيه الشعب الأمريكي أفضلية في استطلاعات الرأي للشاب الديمقراطي الأسود الذي يدعو للتغيير في أمريكا على المرشح الجمهوري ماكين الذي يحتفظ في توجهاته ببعض مما تراه إدارة بوش حول السياسة الخارجية والأمن القومي الأمريكي. لقد اقتضت المراجعة الأمريكية المفترضة اللجوء بجدية إلى الحلول الدبلوماسية لأزمات المنطقة في حين أعطت اللاعبين الاقليميين مثل تركيا والأوروبيين النشطين مثل فرنسا دوراً بالنيابة عنها في تبريد هذه الأزمات والبحث عن حلول لها وهي مبادرات لم تكن لتحدث لو أن واشنطن قادرة على الاستمرار بما كانت عليه. وفي هذه الحالة فإن المرحلة الجديدة في واشنطن سوف تنعكس علاقات جديدة وتبدلات في المواقف بين دول المنطقة بما يحفظ لكل دولة مصالحها في ضوء التغيرات في واشنطن سواء الحالية أو ما ينتظر منها بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة. عن صحيفة الرأي الاردنية 22/7/2008