لاعبو السياسة.. ولاعبو الكرة جابر حبيب جابر في اجواء الانسحابات من الحكومة، وفقدان الحكومة وحدتها الوطنية، وهيمنة اجواء النفرة بين اطراف المشهد السياسي، واستحكام الفشل في حل المشكلات المتراكمة، بل التحاق اخرى بها بشكل دوري، ونزول كل ذلك احتقاناً وعنفاً مدمراً على النسيج المجتمعي، يبدو الحديث عن فوز العراق ببطولة آسيا ترفاً او ادارة للظهر او انصرافا عن الاولويات او حتى اختلالا في حسن التناسب، ربما، ولكن ربما ايضاً هو نزوع للهروب وان مؤقتا من قرف سياسة بات طابعها الانسداد وسداها ولحمتها الشكوك، او هو بحث عن أمثولة او تلمس للأمل الذي اشاعه هذا الفريق الذي دلل على يسر الحلول فيما لو حضرت وصدقت الارادة. حيث استطاع لاعبو الكرة ان يلموا شمل كل هذه الملايين ويخلقوا لحظة من بين اللحظات القلائل التي وحدت العراقيين، في بلد هيمنت عليه حالة الانقسام ، فتوحد واحتفل العراقيون خارج توصيفاتهم الدينية والقومية والمذهبية، وهم في ذلك ليسوا منشغلين بالكرة، بل باحثون عن رمز وطني موحد في اجواء التنافر والقطيعة والعداء، محاولين انهاض قيم الشعور الوطني الموحد من بين رماد الدمار، معبرين في ذلك عن رفضهم لتخندقات لم تورثهم الا المرارة ووضعتهم على حافات خسران وطن هو من اقدم الاوطان التي عرفها التاريخ، وملتفتين الى نسيجهم المجتمعي الذي الفوه منذ الاف السنين، والذي اريد لهم ان يضيعوه فوجدوه مؤتلفاً وملتحماً في فريقهم الذي مثل جميع اطياف الشعب العراقي، اذ تكون من لاعبين، سنة وشيعة وأكراد وتركمان، انصهروا جميعاً في بوتقة العراق فكان النصر. امثلة عديدة للدلالة منها، في ديالى التي هي من بين اكثر المحافظات العراقية عنفاً، بل ونتيجة لطبيعتها المختلطة فقد تميز فيها العنف بضراوة الاقتتال الطائفي والتهجير، في قريتين فيها متجاورتين درجتا على ان تكونا مواقع متقدمة وصورة لهذا العنف، الا انه بعد الفوز خرج ابناء احدى القريتين رافعين اعلام العراق متجهين الى القرية الاخرى متناسين الدماء الكثيرة التي سالت بينهما متوحدين ومحتفلين بالانتصار. في بابل وفي وقت بات يستهدف فيه الانسان على اسمه، أم شيعية ترزق بتوأمين تسمي احدهما هوار على اسم اللاعب الكردي والآخر يونس على اسم اللاعب السني ابن كركوك، فهل جازفت هذه الام لوليديها بتسميتهما هذه وربما يقتلان في المكان المختلف أم هي موقنة بان ما يجري الان في العراق هو ضد طبيعته وهي لحظة عتمة في تاريخه ولا محال ستزول. مثل ثالث اورده لكي ادخل به من الرياضي الى السياسي، احدهم اتصل محتفلاً بإحدى الفضائيات التي كانت تغطي المناسبة وتتلقى المشاعر قائلاً بمرارة انظروا كيف ان احد عشر لاعبا استطاعوا ان يفرحوا الملايين، في حين ان 275 نائبا في البرلمان لم يفرحوا عراقياً واحداً! لا اشك في ان كل الطبقة السياسية راقبت مشهد انتصارات الفريق، نظراً للالتحام الشعبي غير المسبوق الذي رافقه، فهل تفكرت؟ ألم تلحظ بان سر انتصار الفريق كما هو في اي فريق اخر وفي اي مضمار كان كون ان اختياره تم على اسس الكفاءة والموهبة والقدرات والمؤهلات، في حين اي مهزلة وعقم اداء كانت ستقع لو تم اختياره ايضاً على مبدأ المحاصصة! اذن أفليس من باب اولى وحرياً ان تدار امور الشعب وفقاً لقاعدة الاصلح. والالتفاتة البديهية الثانية، انه انتصر لأنه لعب بروح الفريق الواحد الذي وضع طاقته وقدراته معاً وعمل متكاملاً بعضه مع بعض ومتجهاً الى هدف واحد وفق خطط مدروسة وتوزيع تكاملي للادوار، فماذا سيكون الحال لو ابتلوا بآفات السياسة عندنا من الفردية والشخصنة والتناكف، ولو انتقلت لهم امراض ما يسمى تجاوزاً «الفريق الحكومي» فأي فريق سيكون آنذاك عندما تتجاذبه الاهواء ويلعب بعضه مع خصومه. والثالثة، ما ظن من ظن ان الانقسام الطائفي والقومي قد رسخ وان النسيج المجتمعي قد تشقق بحال لا يمكن رأبه، وان قوى العنف التي قد التحفت بهذه المكونات ودفعتها قسراً لخنادق التعادي قد نجحت في مخططها، كل ذلك ثبت خطله، والذي ظن انه الثبات قد انهار في لحظات وعاد العراقيون الى تسامحهم واندماجهم الذي الفوه، فهم بحثوا عن لحظة فرح برمزية وطنية لكي يتساموا على انكساراتهم وعلى قوى العنف التي اوغلت بدمائهم وبات يخيفها حتى فرحهم، وبرهنوا ايضاً، وهو الاهم، على ان الانقسام هو في الطبقة السياسية ولا يعدوها وان جوهر المجتمع ما زال سليماً وان روح المواطنة وان كمنت بسبب من همجية العنف ووحشيته فإنها ليست بحاجة الا لفرصة تحفز. انها بلا ريب دعوة للساسة لكي يرتفعوا على اهوائهم وأنانيتهم وذواتهم وان لا يوغلوا في سبيل مصلحتهم في فرقة هذا الشعب، وان يبدأوا بروحية جديدة بوصلتها الوطن وهاجسها وحدته، وان يدركوا انهم لا يمكن ان يبنوا بلدهم ويتواصلوا مع الزمن بغير روحية الفريق الواحد والا سيظل حليفهم الاخفاق.. فهل سيتوحد السياسيون ويوقفوا نزيف الدم ويرتفعوا عن فئويتهم لكي يكونوا لائقين بهكذا شعب؟ عن صحيفة الشرق الاوسط 5/8/2007