ازدواجية.. احمد عمرابي أخيراً وبعد 14 عاماً من قيام الدولة الوطنية المتحررة من العنصرية في جنوب إفريقيا، رأت الولاياتالمتحدة أن تشطب اسم نيلسون مانديلا من القائمة الأميركية الرسمية للشخصيات «الإرهابية» وبهذه الخطوة تذكر واشنطن العالم دون أن تقصد بازدواجيتها الفاضحة في التعامل مع الدول والمنظمات والشخصيات، على منوال التناقض بين المبادئ المثالية المعلنة والممارسات الحقيقية.
لقد انتهى نظام الفصل العنصري في جمهورية جنوب إفريقيا في عام 1994، فآلت السلطة من الأقلية البيضاء العنصرية إلى الأغلبية الإفريقية السوداء ممثلة في حزب «المؤتمر الوطني» ونال مانديلا حريته الشخصية بعد 27 عاما في السجن.
حتى ذلك العام كانت الولاياتالمتحدة طرفاً خارجيا منحازاً تماما وعلينا إلى جانب حكومات الأقلية البيضاء المتعاقبة بسياساتها وممارساتها التمييزية الموجهة للأغلبية السوداء. ولقد تمادت الإدارات الأميركية المتعاقبة على مدى عقود في دعم الحكم العنصري، إلى درجة أنها عارضت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بمقاطعة ذلك الحكم العنصري.. بل وذهبت أبعد من ذلك في عرقلة تطبيق هذه القرارات.
هذه هي أميركا التي لا تزال تعظ العالم بالمناداة بشعارات الحرية والمساواة والديمقراطية. فلو كانت صادقة لطالبت الحكم العنصري في جنوب إفريقيا بإطلاق سراح مانديلا، عوضا عن تصنيفه كشخصية إرهابية. التاريخ الآن يعيد نفسه، وإن بصورة مختلفة شكلاً.. فالولاياتالمتحدة تتزعم حملة غربية محمومة ضد رئيس زيمبابوي روربت موجابي بهدف إسقاط نظامه، موجابي، مثل مانديلا، زعيم نضالي قاد تنظيماً مسلحاً ضد حكم أقلية بيضاء أخرى. وبقيادته انتصرت الثورة الوطنية المسلحة فاستولت الأغلبية السوداء على السلطة.
و «الإثم» الأعظم الذي ارتكبه موجابي في نظر الغرب، هو أنه يتبنى برنامجاً للإصلاح الزراعي يقضي بنزع الأراضي الزراعية الخصبة في البلاد، من ملكية الإقطاعيين البيض لتمليكها للمزارعين من الأغلبية الوطنية السوداء.
بطبيعة الحال يتحاشى المسؤولون الأميركيون والغربيون عموما ذكر السبب الحقيقي لشن الحملة ضد رئيس زيمبابوي.
والمبرر المعلن هو أن موجابي لا يحترم قيم النظام الديمقراطي، وكأنه لا يوجد دكتاتور إفريقي سواه.
إنها الازدواجية الفاضحة بين «المبدأ» كشعار، والمصلحة الذاتية كممارسة عملية. عن صحيفة البيان الاماراتية 16/7/2008