جوزيه واستكمال الشروط الديمقراطية ! د. عبد المنعم سعيد قد يسأل القارئ الكريم ما هي علاقة إيمانويل جوزيه مدرب النادي الأهلي في كرة القدم والمسألة الديمقراطية في مصر؟ وهو سؤال مشروع تماما، ولكنه يتطلب بعضا من الصبر حتى نهاية المقال، فخلال الأسابيع الماضية فاز الأهلي في ثلاث مباريات مهمة متتالية: الأولى على النادي الإسماعيلي، والثانية على نادي الزمالك ومعها فاز النادي الأهلي بكأس مصر والبطولة المائة في تاريخه والبطولة الخامسة هذا العام، والثالثة على نادي أسيك الإيفواري على أرضه التي لم يخسر عليها مباراة، وقبل هذه الانتصارات كلها كان النادي الأهلي الذي سجل رقما قياسيا خلال الأعوام الماضية في تحقيق الانتصارات المتتالية قد خسر عددا من المباريات المهمة: الأولى من نادي برشلونة الأسباني وبأربعة أهداف خلال الاحتفال بمرور مائة عام على إنشاء النادي الأهلي، والثانية من نادي الإسماعيلي للمرة الثانية خلال هذا العام، والثالثة من نادي الزمالك وهي هزيمة لم تحدث منذ سنوات. هذه المفارقة بين الهزيمة والانتصار هي موضوعنا، وما علينا إلا أن نعود قليلا خلال هذه الفترة لكي نفحص ما قيل فيها، وقد كان فيها منهجان: منهج السيد إيمانويل جوزيه مدرب النادي الأهلي والذي قال إن للفوز والانتصار شروطا بدنية ونفسية ومهارية، وهذه لا يمكن أن تتحقق في ظل تلاحق المواسم الكروية التي عاشها النادي العريق. وفضلا عن ذلك، فإن النادي لكي يحقق أهدافه بالفوز مرة أخرى بكأس إفريقيا، فإن هذه الشروط لابد من توافرها بشكل أكبر. ولذلك كان الاقتراح بأن يحصل اللاعبون الأساسيون على إجازة، وكذلك المدرب، بينما يخوض المباريات المتبقية بالبدلاء. وكان هناك منهج آخر لحفنة من مدربي الأهلي ومشجعيه الذين لم يتصوروا أن يهزم النادي الأهلي، ومن ثم طالبوا الجميع بقطع إجازاتهم والعودة لنصرة الفريق- وفعل ذلك عدد من اللاعبين بالفعل- وشنوا حملة هوجاء على المدرب وتقاعسه، وعلى الفرقة لأنها لم ترتفع إلى مستوى وتاريخ النادي. وكان الفارق بين المنهجين هو الفارق ما بين العلم، والعشوائية، وما بين دراسة الواقع وحدوده، أو قدرات اللاعبين في الحقيقة، والعشوائية، وما بين الكلام الذي تقود مقدماته إلى خواتيمه، والكلام الذي تعرف أوله ولكنك لا تعرف أبدا ما هي علاقته بالنتيجة. هل لكل ذلك علاقة بالديمقراطية في مصر، والإجابة هي نعم، ففي مصر كلام كثير عن حالة النظام السياسي غير الديمقراطي، وهناك أوصاف ونعوت متطايرة ذات الشمال وذات اليمين تدور بين السلطوية والديكتاتورية والفاشية، ولكن أيا منها لا يبدأ أبدا بالسؤال لماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه؟، وما هو الهدف الذي نريد تحقيقه؟، وما هي الكيفية التي تساعدنا على الوصول إلى هذا الهدف بأقل التكاليف والآلام؟ وببساطة فإن المسألة كلها ديمقراطية أو كروية تبدأ بعملية إدراك الحدود، وكما يستحيل على لاعب أن يلعب بأكثر من طاقته البدنية والنفسية والمهارية، فإنه يستحيل على مجتمع أن يعرف الديمقراطية الحقة ما لم يعرف الواقع في الثقافة السياسية وحالة المؤسسات وعلاقة الدولة بالفرد، إلى آخر القضايا التي لا تصح ديمقراطية بدونها. فالمطلوب ليس تحقيق الديمقراطية فقط، وإنما الديمقراطية الناجحة، فقد عرفت ألمانيا ديمقراطية نقية في زمن جمهورية فيمار وانتهي الأمر بتولي النازيين للسلطة من قلب الديمقراطية، وعندما سقط النظام الشيوعي في روسيا قام نظام ديمقراطي يقوم على سيطرة المافيا السياسية والاقتصادية، وبعد انهيار الديكتاتورية في الأرجنتين قامت ديمقراطية أدت إلى إفلاس الدولة. ولا يمكن تصور قيام الديمقراطية في مصر ما لم يتم تصحيح العلاقة بين الدولة والمؤسسات، فالدولة قوية بالبيروقراطية والأجهزة والسيطرة على الثروة القومية والمؤسسات السياسية مثل البرلمان، والأحزاب ضعيفة. وخلال التعديلات الدستورية تمت تقوية بعض المؤسسات- مجلسي الشعب والشورى- ولكن لأن النقاش حول الدستور تركز حول الديمقراطية - أي الفوز والانتصار في مباريات كرة القدم - وليس شروطها، فإن ذلك لم يؤد إلى تصحيح العلاقة وتحقيق التوازن بين السلطات. ولا يمكن تصور تحقيق الديمقراطية بينما الدولة متحكمة في المجتمع باعتبارها المعلم والموظف - بضم الميم في كليهما- وباعتبارها لا تزال المتحكمة في الاقتصاد القومي. ولا يمكن عكس هذه الحقيقة وتقوية المجتمع ما لم يتحول إلى اقتصاد السوق بصورة كاملة، فمن السهل تصور دولة رأسمالية دون أن تكون ديمقراطية-على الأقل لفترة من الزمن- ولكن يستحيل وجود ديمقراطية في بلد غير رأسمالي صريح. ولكن المعضلة في مصر من قبل مفكريها وكتابها وطبقتها السياسية غير الحكومية، وكذلك كان كل مدربي النادي الأهلي ومشجعيه والهاتفين باسمه، فإنهم يريدون الديمقراطية مع استمرار تدخل الدولة في حياة المواطنين من المهد إلى اللحد، أي في الحقيقة من خلال الدولة المصرية الحالية، وأحيانا بعد عودتها إلى حالة ناصرية نقية كما اقترح برنامج الإخوان المسلمين في انتخابات مجلس الشورى الأخيرة. ولا يمكن أن تقوم الديمقراطية ما لم يتم تصحيح العلاقة بين الدولة والأفراد من مواطنيها، وفي البلدان الأخرى لم يتم تصحيح هذه العلاقة إلا بعد أن بدأ الأفراد في دفع الضرائب، فجاءت الصيحة الديمقراطية لا ضرائب بدون تمثيل فقامت البرلمانات الحقيقية، ولكن في بلادنا قامت المعادلة، ألا يدفع الناس الضرائب أو يدفعوا القليل منها، بينما تحتكر الدولة الريع العام على مصادر الثروة القومية- البترول وقناة السويس والسياحة وتحويلات العاملين والمعونات الأجنبية- وبالمقابل تحتكر السلطة أيضا. وفي الوقت الراهن ربما كان الوزير د. يوسف بطرس غالي هو أول من وضع حجر أساس الديمقراطية في مصر، عندما رفع عدد دافعي الضرائب من 600 ألف مواطن إلى 1‚3 مليون، وعندما يصل العدد إلى 33 مليونا كما هو الحال في فرنسا، أو 42 مليونا كما هو الحال في ألمانيا سوف تصبح مصر بلدا ديمقراطيا كاملا. فاستكملوا الشروط تنتصروا في المباريات، واستكملوها تحدث الديمقراطية !. عن صحيفة الوطن القطرية 19/7/2007