أوباما بين الأمريكيين والعرب رضى السماك بفوز مرشح الحزب الديمقراطي باراك أوباما على منافسته في الحزب هيلاري كلينتون انتهت واحدة من أكثر الحملات الانتخابية الحزبية لمرشحي انتخابات الرئاسة الأمريكية إثارة، إن لم تكن أكثرها، ووجه الإثارة هنا في هذه الحملة لا يتمثل فقط في اشتداد المنافسة بين المرشحين الديمقراطيين إلى درجة من الندية المتكافئة والتي أضفت شيئاً من الغموض في ترجيح الفائز حتى اللحظات الأخيرة من انتهاء الحملة، بل الأهم من ذلك فإن هذه الإثارة إنما تتمثل في هذه “الخلطة" أو “الكوكتيل" الجميل، إنها الخلطة العجيبة الفريدة من نوعها والتي برع الحزب الديمقراطي في تقديمها للناخبين، حيث لأول مرة في تاريخ الانتخابات الأمريكية تتقدم “امرأة" ورجل “أسود" للترشيح لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وبالتالي فكلاهما يمثل شريحة اجتماعية كبيرة يثير اللغط الكبير حول مدى حقيقة تمثيلها في السلطة وعلى الأخص في قمة هرم النظام السياسي. وهكذا فإن فازت كلينتون كان بها، فها هو الحزب الديمقراطي يقدم امرأة لتمثيله جديرة بجذب واستقطاب الرأي العام المتطلع بقوة للخلاص من أسوأ حكم للجمهوريين في تاريخ الولاياتالمتحدة ممثلاً في إدارة بوش الحالية، وبخاصة مع ما هو معروف تقليدياً عن الحزب الديمقراطي من شعارات اجتماعية تقدمية ولو شكلية ورفض للحرب على العراق، وغير ذلك، ومن ثم فإن وجود مرشحة امرأة عن الحزب سيعزز من فرص فوزه بالرئاسة باتجاه استمالة أصوات النساء، أما إذا فاز أوباما، فالحزب الديمقراطي هو الرابح هنا أيضاً وذلك باتجاه تعزيز فرص فوزه على مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين وذلك لكون أوباما أول مرشح أسود في تاريخ البلاد، فضلاً عن شعارات الحزب الاجتماعية التقدمية الأخرى البراقة في الداخل والسلمية في الخارج، ومن ثم فبإمكان الحزب جذب واستقطاب فئات واسعة من السود في التصويت لمرشحه. لكن إلى أي مدى يستطيع مرشح الحزب الديمقراطي أوباما أن يحدث نقلة إن لم تكن جذرية فعلى الأقل مهمة، في سياسات الولاياتالمتحدة الداخلية والخارجية معاً للتغيير نحو الأفضل لصالح شعب الولاياتالمتحدة وصالح شعوب العالم أجمع ولصالح شعوبنا العربية بوجه خاص؟ إذا ما أتينا للسياسة الداخلية حيث تمر الولاياتالمتحدة تاريخياً بواحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية، فمن الواضح جيداً أن أوباما لا يحمل برنامجاً راديكالياً لإحداث هذه النقلة المطلوبة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية حيث أزمة الرهن العقاري وانخفاض سعر الدولار وارتفاع الأسعار.. الخ. ولعل الباحث الأمريكي والتر بن مايكلز، الأستاذ بجامعة ايلينويز بشيكاغو، هو من أكثر الأكاديميين الذين حللوا بعمق خواء ما يحمله أوباما من شعارات وبرامج فعلية لإحداث النقلة المطلوبة نحو الإصلاح الاقتصادي الشامل، إذ كشف أن حملته إنما اعتمدت على مظهرية المسألة العرقية، والإيماء بمقدرته على مكافحة العنصرية، والمساواة بين كل الأمريكيين. وكشف هذا الباحث الأكاديمي أن شعارات أوباما الانتخابية لا تطاول في جوهرها سلبيات السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، وأن العنصرية في الولاياتالمتحدة إنما تتغذى أساساً من هذه السياسات، ومن ثم فإن شعارات أوباما لا تحل مشكلة غياب المساواة في الثروة والمداخيل أي تحقيق الحد الأدنى من المساواة الاقتصادية بين كل الأمريكيين. ومع أن البعض حاول أن يشبه أوباما بزعيم الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج كأسود يدافع عن المساواة ويقف ضد العنصرية، إلا أن مايكلز يبين زيف هذا التشبيه بين الرجلين، فالثاني كان يدرك جيداً أن تحقيق المساواة العنصرية لا يحل معه غياب المساواة الاقتصادية، فيما الأول (أوباما) كان يركز على المساواة العنصرية من دون التفات كاف وجوهري لأزمة التمييز الطبقي الاقتصادي التي تطاول مختلف الأعراق لا السود وحدهم. أما إذا أتينا إلى السياسة الخارجية، وعلى الأخص في ما يتعلق بما يهمنا منها كعرب، سياسته تجاه الصراع العربي “الإسرائيلي" فقد تعرت بكل سفور في التصريحات الاستفزازية التي أدلى بها بعيد فوزه في خطابه أمام اللوبي الصهيوني المركزي في الولاياتالمتحدة “ايباك" حيث صرح بأن هناك حلفاً يجمع اليهود والسود الأمريكيين كونهم تعرضوا للاضطهاد، وأنه لن يسمح بأي تضعضع في التحالف الاستراتيجي بين “إسرائيل" والولاياتالمتحدة، وأن القدس ستكون عاصمة موحدة ل “إسرائيل"، وأنه سيسعى لتعزيز أمن “إسرائيل" وهويتها القومية كدولة يهودية. وقد هامت الدوائر الحاكمة بهذا الخطاب طرباً، ووصفه المراقبون بأنه الأشد تأييداً ل “إسرائيل" منذ إنشائها. وعلى الرغم من استفزازية هذه التصريحات غير المسبوقة بحق الفلسطينيين فإن بعض الباحثين والأكاديميين العرب مازالوا يعولون على تغيير إيجابي في سياسات الولاياتالمتحدة تجاه القضية الفلسطينية والقضايا العربية عامة. وينسى هؤلاء الكتاب العرب أنه حتى بافتراض أن أوباما يحمل شعارات إيجابية إلى حد ما تجاه القضية الفلسطينية فإنه سيتحيل أن يحدث أي رئيس جديد منتخب نقلة جوهرية في السياسات الأمريكية بين عشية وضحاها من دون حركة تغيير مجتمعية ضاغطة لإصلاح النظام الأمريكي. ولما كانت السياسة الخارجية من حيث المبدئية امتداداً للسياسة الداخلية ومرآة لها، فإن من يفتقر إلى برنامج إصلاحي جذري في الداخل لا يمكنه أن يحدث إصلاحاً جوهرياً في السياسة الخارجية. عن صحيفة الخليج الاماراتية 5/7/2008