أهم التوصيات الصادرة عن المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية    خلال اتصاله بنظيره الرواندي.. وزير الخارجية يشدد على أهمية تحقيق التهدئة في منطقة البحيرات العظمى    الأنبا غبريال يهنئ الأنبا يوأنس باختياره سكرتيرًا عامًا للمجمع المقدس    المركزي الأوروبي يخفض الفائدة إلى 2%    وزير قطاع الأعمال يلتقى وفدا من "Global SAE-A" الكورية لبحث فرص التعاون    ترامب: أتطلع لاجتماع قريب مع الرئيس الصينى وسنحدد مكانه وموعده قريبا    أوربان: انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي سيكلف الاتحاد 2.5 تريليون يورو    وزير الخارجية الإسرائيلي: وافقنا على مقترح ويتكوف وحماس رفضته    الناتو يقر أكبر خطة لإعادة التسليح منذ الحرب الباردة    الإعلان عن موعد انطلاق الموسم الجديد في الدوري الإيطالي    صور| الكأس الأعرق حاضرة في استاد القاهرة قبل نهائي الزمالك وبيراميدز    الاستعداد لكأس العالم للأندية بدأ.. وصول بعثة الأهلي إلى ميامي    نادي قطر يُعلن نهاية إعارة أحمد عبد القادر وعودته للأهلي    الأرصاد: غدًا طقس حار نهارًا معتدل ليلًا والعظمى بالقاهرة 35    تامر عبد المنعم عن أزمة أحمد آدم : «مش هيحط عيل في دماغه»    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد من جريدة مسرحنا    السبت.. قصور الثقافة تطلق احتفالات عيد الأضحى بالقاهرة الكبرى    "لو لينا عمر" أغنية لآمال ماهر بتوقيع الملحن محمدي في أول عمل يجمعهما    الدعاء من العصر حتى المغرب.. ننشر أعظم الأعمال في يوم عرفة    أفضل وصفة لكبدة الخروف في أول يوم العيد    في إجازة عيد الأضحى.. حدود السحب والإيداع القصوى من ماكينات ATM    محافظ الدقهلية أثناء استقبال المهنئين بعيد الأضحى: مصر قادرة على تخطي أي تحديات    «الجيل»: ما يدور عن «القائمة الوطنية بانتخابات الشيوخ تكهنات تثير لغط»    أمين البحوث الإسلامية مهنِّئًا بحلول عيد الأضحى: فرصة لتعزيز المحبَّة والرحمة والتكافل    رمضان صبحي يحسم مستقبله مع بيراميدز    صوم عرفة.. تعرف على موعد أذان المغرب اليوم الخميس 5 يونيو    انسحاب الوفد العمالي المصري والعربي من مؤتمر جنيف رفضًا للتطبيع    محافظ بورسعيد يبحث سبل تطوير الخدمات الصحية للأهالي    س وج.. كل ما تريد معرفته عن خدمات الجيل الخامس "5G"    رئيس إيران يهنئ الرئيس السيسى بعيد الأضحى ويؤكدان أهمية تجنب التصعيد بالمنطقة    تشيفو يقترب من قيادة إنتر ميلان بعد تعثر مفاوضات فابريغاس    المسرح النسوي بين النظرية والتطبيق في العدد الجديد لجريدة مسرحنا    تهنئة أول أيام عيد الأضحى برسائل دينية مؤثرة    وزير الخارجية الألمانى: نرفض سياسة الاستيطان التى يجرى تنفيذها فى الضفة الغربية    «بعتنا ناخده».. رسالة نارية من أحمد بلال ل هاني شكري بعد «سب» جمهور الأهلي    "يجب أن يكون بطلًا دائمًا".. كوفي يوجه رسالة للزمالك قبل نهائي الكأس    تنبيه بخصوص تنظيم صفوف الصلاة في مصلى العيد    نائب وزير المالية ورئيس مصلحة الجمارك فى جولة ميدانية بمطار القاهرة: حريصون على تسهيل الإجراءات الجمركية للعائدين من الخارج    «حلوان» و«حلوان الأهلية» تستعرضان برامجهما المتميزة في «نيجيريا»    تقديم الخدمة الطبية ل1864 مواطنًا ضمن قافلة علاجية بعزبة عبد الرحيم بكفر البطيخ    كيف تؤدى صلاة العيد؟.. عدد ركعاتها وتكبيراتها وخطواتها بالتفصيل    استعدادا ل عيد الأضحى.. رفع درجة الاستعداد داخل مستشفيات دمياط    زلزال بقوة 4.6 درجة على مقياس ريختر يضرب بحر إيجة    3 أبراج تهرب من الحب.. هل أنت منهم؟    الصحة: فحص 17.8 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف عن الأمراض المزمنة    مفاجأة.. ماسك طلب تمديد مهمته في البيت الأبيض وترامب رفض    كل ما تريد معرفته عن جبل عرفات ويوم عرفة    هيئة التأمين الصحي الشامل تعلن مواعيد العمل خلال إجازة عيد الأضحى    قبل عيد الأضحى.. حملات تموينية بأسوان تسفر عن ضبط 156 مخالفة    ملايين الحجاج يقفون على جبل عرفات (بث مباشر)    وزير التعليم العالي: إعداد قيادات شبابية قادرة على مواجهة التحديات    مصرع عامل في حادث انقلاب دراجة نارية بالمنيا    تكثيف الحملات التموينية المفاجئة على الأسواق والمخابز بأسوان    أسعار البقوليات اليوم الخميس 5-6 -2025 في أسواق ومحال محافظة الدقهلية    موقع الدوري الأمريكي يحذر إنتر ميامي من خماسي الأهلي قبل مونديال الأندية    «مسجد نمرة».. منبر عرفات الذي بني في مكان خطبة الوداع    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    أرخص 10 سيارات مستوردة إلى مصر بدون جمارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسليح العشائر .. كثبان متحركة
نشر في محيط يوم 28 - 06 - 2007


تسليح العشائر .. كثبان متحركة
أ.د. محمد الدعمي
الوطن العمانية
تُجسد فكرة تسليح بعض العشائر العراقية الطبيعة البراغماتية للقيادة العسكرية الأميركية في العراق، إذ أنها تبلور البون الكبير بين الخطاب الأميركي الأصل ، الذي جاء حاملاً تباشير الديمقراطية الليبرالية ، واعداً بإحالة العراق إلى واحة للحريات ، وبين صورة شرق أوسط يبدو وكأنه أرض يباب تكسوه كثبان الدكتاتوريات المتحركة. ثمة تناقض واضح المعالم بين إعادة الإعتبار إلى العشيرة أو القبيلة من ناحية، وبين عولمة الفكر الديمقراطي العابر لمثل هذه التشكيلات الإجتماعية الهشة.
فإذا ما كانت عملية تجهيز رجل القبيلة بالسلاح، بوصفه مقاتلاً قبلياً، يمكن أن تقدم خدمة مؤقتة هي "انتهازية" في جوهرها، فإنها تنطوي كذلك على الإعتداد بالعشيرة وحدة اجتماعية عتيقة تضخ أمصال إطالة الحياة في عروقها، فإن هذا الخطاب يعكس كذلك سياسة "الاحتواء المزدوج" Containment التي اعتمدها العقل الإداري الأميركي على مستويات عدة، واحد منها تمثل في "احتواء" العراق وإيران من خلال حرب ضروس طالت ما لا يقل عن ثماني سنوات.
إن انتهازية الفكرة واضحة للعيان ليس فقط من خلال إعلاء شأن العقل القبلي والتقاليد العشائرية التي يحاربها الإعلام الأميركي الموجّه نحو العالم العربي (لاحظ برامج قناة الحرة وراديو سوا خاصة)، ولكن كذلك من خلال "دع نارهم تأكل حطبهم"، بمعنى ليقاتل ابناء العشيرة القديمة ابناء "عشيرة القاعدة" حتى تستعر النار لإضعاف الجانبين ومن ثم للإنقضاض على القاعدة التي تشكل الهدف النهائي للإستراتيجية الأميركية في العراق وفي الإقليم بأسره. هنا تتجلى نقاط الافتراق بين الحكومة العراقية وبين القوات الأميركية مدعومة بالإدارة في واشنطن، الأمر الذي لا يضع رئيس الوزراء العراقي في زاوية حرجة فقط، وإنما في خانق يصعب الإفلات منه.
المالكي يدرك جيداً أن تجهيز العشائر بالأسلحة هو نوع من اللعب بالنار، عاداً ذلك نوعاً من إختلاق "ميليشيات جديدة". وقد خانه التعبير هنا، لأن المسلحين من رجال العشائر لا يشكلون ميلشيات على المدى البعيد، وإنما يشكلون حكومات وإمارات مصغرة لا تلبث وأن تدير فوهات بنادقها واسلحتها على الحكومة ذاتها، خاصة عندما تعد العشيرة ما أنجزته من أضرار لمنظمة القاعدة "جميلاً" يضع على الحكومة أوزاراً لابد من ردها، عرفاناً بالجميل.
أما إذا رفضت حكومة المالكي أو أية حكومة قادمة الإعتراف بفضل العشائر وتلكأت في رده، فإنها ستواجه ويلات وثبور وغضب رجال هذه العشائر الذين سيتمردون على الحكومة المركزية بين آن وآخر حتى تستجيب لمطالبهم. وهكذا يقودنا بُعد النظر والخبرة عبر ما حدث في العراق إلى إحتمالات ظهور إمارات عشائرية أو كونفيدراليات قبلية من النوع الذي ظهر فعلاً وتحول إلى حركات أو اشكال قومية أو نصف قومية.
أما الأميركان، فإنهم لا يخفون، ثم لا ينسون الهدف الأساس المعلن الذي جاءوا إلى العراق من أجله، وهو تدمير تنظيم القاعدة "في العراق قبل أن يصل إلى أميركا". هذا هو المنظم الباروميتري الرئيس الذي يتصرف العسكر بموجبه، الأمر الذي يبرر الإنحراف عن الأهداف والشعارات المعلنة التي رفعت ليلة دخول بغداد عام 2003: إذ يمكن تأجيل قضايا عدة إلى حين، ومنها إرجاء العمل على تغليب قيم المجتمع المدني الحر على قيم البداوة، ومنها القبول بكذبة ديمقراطية العشيرة مؤقتاً على حساب الديمقراطية الحق.
لذا تكون مهاجمة القيم العشائرية عبر الفضائيات الأميركية الناطقة بالعربية غطاءً فضفاضاً يغلف المهمة الأساس التي من أجلها جاء الأميركان للعراق. وهنا يقع الأميركان في تناقض واضح المعالم، ربما يؤدي إلى إحراجهم فيما بعد. يبدو أن واحداً من أهم اسباب هذا الاضطراب في رؤية الأميركان هو الاعتماد على مشورات خاطئة أو غير دقيقة، يأتي جلها من مستشارين عراقيين يريدون أن يظهروا أكثر قدرة على "الخدمة" ولو بشكل مؤقت.
إن العقل الأميركي يعتقد، واهماً، أن العشيرة في الأرياف العراقية هي مؤسسة عريقة وصلبة، اشبه ما تكون بمؤسسة العشيرة في أوروبا القرون الوسطى. والحقيقة تختلف عن هذا الإعتقاد، ذلك أن ولاء الفرد للعشيرة إنما هو ولاء زئبقي متقلب عبر تاريخ العراق المعاصر: فالفرد يقدم تعابير هذا الولاء بالقدر المناسب والمعادل للخدمات التي تقدمها له العشيرة ، بغض النظر عن رابطة الدم.
وهو لا يتذكرها إلاّ عند الحاجة لها، أو لتلبية مصالحه الفردية. فالتنظيم العشائري في العراق كان ولم يزل مرتبطاً بالثروة، أما المشيخة فهي الأخرى تتآصر بقوة مع الملكية الزراعية، وهي الأراضي التي إستأثر بها رجل قوي في العصر العثماني حينما كان العديد من أجداد شيوخ العشائر اليوم لا يزيدون عن جباة ضرائب، الأمر الذي برر انزلاقهم نحو خدمة السلطة بواسطة إستهوائهم وإستمالتهم ب"قطع" الأراضي عليهم.
وبذلك ظهر الإقطاع في العراق تأسيساً على ملكية الأرض، وبذلك عزز جامع الضرائب السابق موقعه من خلال تقمص شخصية الشيخ الحكيم، أي شيخ القبيلة القادر على إطعام ابناء العشيرة ومنح فقرائهم شيئاً من الكسوة والمال عند الحاجة الماسة، زيادة على فض النزاعات والخلافات. لهذه الأسباب، من بين سواها، يكون ولاء رجل العشيرة ولاءً متحولاً ومتقلباً، متواشجاً مع مقدار الخدمات التي تقدمها له.
أما في اللحظة التي يشعر بها الفرد بأن ولاءً آخر يمكن أن يخدمه إقتصادياً على نحو أفضل، فإنه يميل إلى الولاء الجديد بلا تردد، نابذاً آصرة العشيرة، بل وثائراً عليها. وقد حدث في العراق شيئاً من هذا بوضوح بعد ثورة 14 تموز/يوليو 1958، إذ نفض ابناء العشائر أيديهم من الولاء العشائري حال إعلان قانون الإصلاح الزراعي، اي حال تحريرهم من عبودية الأرض، وتسليمهم قطعاً من الأراضي تمكنهم من التخلص من قيود الإقطاعي، أو الشيخ. إن التنظيم العشائري في العراق متواشج بملكية الأرض، أي بقدرة الشيخ على توظيف المال لشراء ولاء الأفراد الأقل قدرة مالية.
ولكن في اللحظة التي يتمكن بها الفرد من التحرر من الهيمنة الإقتصادية للشيخ، فإنه سرعان ما يعلن نفسه شيخاً، ويوظف ما لديه من مال عن طريق محاكاة شيوخه السابقين الذين، ربما يجدون أنفسهم معزولين، بل ومنبوذين. لذا يكون السلاح نفسه أداة لكسب المال، فسلطة الشيخ مرتهنة بقدرته على توفير الأموال لأبناء عشيرته، أما إذا ما تمكن الأفراد من السلاح، فيمكنهم كذلك أن يصنعوا المال بهذا السلاح: هم يمكن أن يؤسسوا جماعات مسلحة للسطو، ويمكن أن يقطعوا الطرق، ويمكن أن يستثمروا التخويف والإرهاب لتكويم المال. وبذلك يكون التسليح نوعاً من أنواع صناعة أعداء جدد، أعداء لا يقلون بأساً وصلابة عن سواهم من الأعداء.
28 / 6 / 2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.